زمن استباحة العرب !!

صلاح القرشي

في ظل تبادل الأدوار بين الدول الكبرى…العرب يعبرون دجلة والفرات مشيا على الإقدام …..إنه زمن استباحة العرب.
منذ آلاف السنين ونهرا دجلة والفرات يجريان وبتدفق قوي وكبير ومن دون توقف في العراق ، حتى أن السفن والمراكب المتوسطة والقوارب كانت تسير في هذه الأنهر، وتعد شرياناً مائيا في التنقل والنقل النهري والري الزراعي، وظلت هذه الأنهر تتدفق وتروي عطش العرب منذ آلاف السنين، وبدون أي انخفاض لمناسيبها بشكل كبير أو خطير .
واليوم تتوالى علينا الأخبار الآتية من العراق التي تحذر من توقف جريان دجلة والفرات ، حتى أن منسوب المياه وصل إلى معدلات قياسية من الانخفاض فيهم ، وأصبح بإمكان أي شخص الآن أن يعبر النهر مشيا على قدميه ، وهو ما كان من المستحيل في السابق أن يحدث .
تصوروا كيف تستباح حقوقنا كعرب والى أين وصل الخطر الذي يهدد الأمن المائي القومي للعراق وتداعيات ذلك على تقلص الرقعة الزراعية وغيرها وغيرها من تداعياتها الخطيرة.
وطبعا السبب الرئيسي لهذه الكارثة هو إقامة الدولة التركية العديد من السدود العملاقة، والتي ابتلعت الحصة القانونية للعراق من مياه دجلة والفرات، والتي تعد مخالفة للاتفاقية الدولية التي تنظم العلاقة وحصص كل الدول التي تجري في أراضيها الأنهر ، ابتداء من دولة المنبع وانتهاء بدولة المصب ،،
أضف إلى ذلك أن الأتراك في هذه الأيام يريدون ملء أحد السدود التركية التابعة لهم داخل تركيا ، وهذه العملية قد تتسبب وتؤدي إلى وقف نهر دجلة عن الجريان.
بمعنى آخر أن تركيا تجاوزت كل الاتفاقيات واستباحت وابتلعت حصة العراق مستغلة ما جرى للعراق من دمار وغزو خارجي وحروب أهلية عصفت به حتى أصبح فريسة لقوى داخلية وخارجية جعلته مفدرلا وضعيفا، تحكمه حكومة اتحادية ضعيفة وجيش مفكك متعدد الولاءات ومؤسسات ينتشر فيها الفساد ، وثرواته تقاسمتها الشركات الغربية والشرقية التابعة لدول تحالف الغزو التي استباحت العراق ، فهل رأيتم استباحة أكثر من هذه الاستباحة لعرب العراق لحقوقهم وثرواتهم المائية والنفطية و…و…الخ؟!!.
وهل كانت ستجرؤ تركيا على نهب مياه دجلة والفرات على هذا النحو والتسبب للعراق بهذه الكارثة المائية لو كان هناك دولة عربية في العراق قوية وتحت قيادة موحده؟؟ لا اعتقد ذلك ، بل كان سيحدث العكس وستندلع حرب طاحنة مع تركيا إن هي فعلت ما تفعله في هذا الزمن الأغبر علينا ، هذا الزمن ال………………وال…………. !!
استباحة العرب لم تقتصر على أهلنا في العراق فقط وإنما شملت كل العرب المنتشرين في كل الدول العربية
فثروة العرب النفطية والمالية في الخليج العربي مهدورة ومستباحة من كل الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا ، فمئات المليارات من الدولارات عليهم أن يدفعوها مقابل الحماية الأمريكية والغربية ، ومئات المليارات يجب أن يدفعوها لتدمير الدول العربية في سوريا والعراق وليبيا واليمن و..و.. ، وبموجب قرارات وأوامر أمريكا لهم بتدميرها وتقسيمها ونهب ثرواتها و وعلى أن تكون تحت الوصاية الأمريكية والصهيونية تنفيذا للمخطط الأمريكي , مخطط ” الشرق الأوسط الجديد”.
وعليهم أن يدفعوا مئات المليارات من الدولارات تكاليف مشاريع وحروب وتكاليف تواجد وانتشار القوات الأمريكية في الدول العربية وغير العربية ،
وعليهم دفع مئات المليارات من الدولارات ثمن الأسلحة الأمريكية والأوربية التي يجب أن يشتروها لمواجهة الحروب التي زجوا بها بأوامر أمريكية في اليمن لتستنزفهم في مثل هذه الحروب والأزمات التي تثيرها بينهم ، مثل ما حدث في الأزمة القطرية السعودية وبحيث تعمل على عدم حلها أو وقفها لهذا السبب بل أنها تعمل على إذكائها.
هذه أمثلة فقط لاستباحة الثروة العربية في شبه جزيرة العرب ، فهل رأيتم استباحة مرت علينا كعرب على مدار الأزمان أكبر أو من هذه الاستباحة ؟؟.
أما العرب في مصر، مصر العظيمة ، مصر الدولة الكبرى عربيا ، مصر الأقوى إفريقيا ، فقد وقعوا فريسة للأحباش يستبيحونهم بالطول والعرض.
وما سد النهضة الذي اقامته إثيوبيا لنهب مياه النيل وضرب الأمن المائي القومي لمصر الذي سيكلفها كثيرا ويكون كارثة على شعبنا العربي في ارض الكنانة، كارثة بكل معنى الكلمة ، وهذا يطول شرحه وتحليله.
لكن انظروا إلى أين وصلنا في هذا الزمن العربي، إثيوبيا تستبيحنا ، وأوغندا تستبيحنا، (وإسرائيل الرابعة في جنوب السودان تستبيح حقوقنا ) ، (وإسرائيل الثانية أكراد العراق يستبيحون حقوقنا ) ، (وإسرائيل الثالثة أكراد سوريا يستبيحون حقوقنا) ، (وإسرائيل الأولى في فلسطين ) احتلت فلسطين وحولت القدس الشريف عاصمة لها ، وقتلت وهجرت ملاين العرب في أكبر استباحة في تاريخ العرب والعالم .
لم تتوقف استباحة العرب عند هذا الحد, انظروا ما يحدث ويجري من استباحة لعرب سوريا
فعشرات القواعد للجيش الأمريكي تستبيح الأراضي السورية ، والجيش الفرنسي يستبيح أرضنا هناك والجيش البريطاني والجيش التركي والجيش الإسرائيلي جميعهم يستبيحون حقوق وأرض أهلنا العرب في سوريا.
حتى الجيش الروسي الذي رحبنا به في سوريا ودعوناه لمساعدتنا الظاهر انه يفضل التعامل معنا بسياسة الاستباحة أسوة ببقية تلك الجيوش في سوريا، بدل أن تكون علاقته معنا نحن العرب في سوريا علاقة تحالف وتعاون وصداقة وتبادل مصالح و…و…
هاهو الجيش الروسي ينشر جنوده في أرياف بلدة القصير الواقعة قرب الحدود اللبنانية السورية في محافظة حمص ، ليس لما قام به اي تفسير او مبرر ، إلا حماية إسرائيل وطمأنتها ، يعني ما قام به هو خدمة الأجندة الإسرائيلية ، فلا يمكن أن تقرأ الخطوة الروسية إلا بهذه القراءة.
الروس يبدو أنهم فضلوا سياسة الاستباحة معنا، كغيرهم من الأمريكيين والصهاينة والأتراك ، بدل التعامل معنا بسياسة الصداقة والتعاون والتحالف وتبادل المصالح المشتركة معنا نحن العرب كما كنا نعتقد ، ويبدو أنهم الآن يتبادلون الأدوار مع أمريكا في شرق الفرات، والتغاضي عن إقامة دويلة كردية هناك ، ويتغاضون أيضا عن مخطط إقامة دويلة (سنية) أو من هذا القبيل إلى جانب الدويلة الكردية تقطع خط المقاومة وتفصل العراق عن سوريا والتي اصطلح على تسميتها بـ”دولة القاطع” ، وهو ما يحاولون أيضا ترتيب سلطات محلية أو أجنبية تراقب وتفصل منطقة الحدود اللبنانية السورية ابتداء من منطقة القصير مرورا بالقلمون وانتهاء بحدود جبل الشيخ والهدف قطع الاتصال والعمق الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية مع دمشق كما ترغب إسرائيل وأمريكا .
كما أن الروس يتبادلون الأدوار مع تركيا في فرض مخططها وأطماعها في الشمال السوري ، ويتبادلون الأدوار مع الإسرائيليين والأمريكيين في فرض “تسويات” تحقق شبه دويلات أو قوى في المنطقة الجنوبية(في أجزاء من القنيطرة ودرعا والسويدا) تقسم سوريا وتفصل كيان العدو عن دمشق, بما يحمي ويحقق كل ما تريده إسرائيل هناك وما يريده الأمريكيون من بقاء قاعدتهم في التنف السوري .
بمعنى أن الروس لايهمهم الا تثبيت مصالحهم واقتسام الكعكة في سوريا مع الدول الكبرى وإسرائيل ( فهم غير مستعدين لدخول حرب مع هذه الدول، قد تتطور إلى حرب عالمية ) ، ولا ضرر عندهم من التساهل بحقوقنا نحن في سوريا لمصلحة إسرائيل وتركيا وأمريكا والأكراد، وأن تتم التسوية على حسابنا كعرب في سوريا تتجاوز ثوابتنا ومبادئنا .
هذا يعني أن مالم تستطع فرضه وانتزاعه منا هذه الدول العدوانية أمريكا وحلفاؤها خلال ثمان سنوات من الحرب الطاحنة التي خاضها الجيش العربي السوري ضد مئات الآلاف من مجموعاتهم المسلحة التكفيرية ، والتي جلبوها لسوريا من أكثر من 80 دولة ، وأيضا من سوريا ، وبعد كل هذه التضحيات, اليوم يريد الروس ان يحققوا لهذه الدول مالم تستطع تحقيقه في الحرب من خلال التسويات والخطوات التي يتخذونها على الأرض.
حتى أن إخواننا العرب من لبنان وإخواننا المسلمين الايرانين الذين هبوا لمساعدتنا في سوريا ، اليوم تتآمر عليهم هذه الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، ويقومون بقصفهم داخل المواقع السورية تحت مبرر ما يسمى إخراج القوات الإيرانية وحزب الله من سوريا ، و طبعا يحدث هذا وسط صمت روسي مريب بل ان هناك ضوءا اخضر روسيا قد أعطي لهذه الدول لتفعل كما تريد في هذا الموضوع كما اعتقد ، ولأسباب كثيرة .؟؟ لاداعي لتفصيلها.
يعني جميع الدول غير العربية الإقليمية والدولية وخاصة الدول الكبرى في هذا الزمن, قد أعطت لنفسها الحق أن تستبيح حقوقنا كعرب سواء كانت هذه الدول معادية أو صديقة لنا ، وأن تحولنا نحن العرب في نظر هذه الدول إلى قوم مهدورة حقوقهم ويجب أن تستباح حقوقهم على الدوام ومن الوريد إلى الوريد .
لقد استباحوا ثرواتنا المائية ، واستباحوا ثروتنا المالية في الخليج العربي ، واستباحوا ثروتنا النفطية والزراعية في شرق الفرات في سوريا ، واستباحوا ثرواتنا النفطية والغازية في كركوك وشمال العراق ، واحتلوا أراضينا ، وقسموا أرضنا ودولنا ، واحتلوا فلسطين، وضموا وصادروا قدسنا الشريف، الذي بالمناسبة نستعد اليوم الجمعة لنخرج في مسيرات شعبية ( آخر جمعة من رمضان من كل عام هو يوم القدس العالمي) نخرج ننبح ونصيح فيه بشكل روتيني ، تائهين ومشتتين وبدون قيادة موحدة تقودنا وتجمعنا كعرب ومسلمين ، مثل “الغنم بلاراعي”..نعم في هذا الزمن العربي الأغبر استباحوا كرامتنا ، وحريتنا، واستباحوا ديننا ، واستباحوا مقام وقدسية رسولنا ، إنهم استباحوا كل شيء يخصنا كل شيء!.. إنه زمن استباحة العرب………….
salahalkershe@gmail.com

قد يعجبك ايضا