*توقع جفاف 13 ألف بئر ومطالب بتفعيل قانون تحريم أي حفر جديد
*استهلاك نحو 277.2 مليون متر مكعب بنسبة 74.7% من الإجمالي العام لأغراض الري
*تغذية وزيادة المخزون الجوفي للمياه ببناء السدود والحواجز المائية أحد عوامل التوازن المائي
تحقيق / أسماء البزاز
تشير الدراسات إلى أن العاصمة صنعاء في طريقها لتكون أول مدينة في العالم تنضب منها المياه في غضون عشر سنوات، وذلك بعد تفاقم أزمة نقص المياه في المدينة وقرب نضوب حوض صنعاء.
قضية مصيرية في غاية الخطورة إن لم تتنبأ الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والمجتمعية للمبادرة في إيجاد الحلول السريعة لمقاومة هذا العجز المائي بحق سكان صنعاء والمقدر عددهم بثلاثة ملايين نسمة!!
تعد بيئة حوض صنعاء من البيئات التي تستهلك معظم موارده المائية الجوفية والمتجددة لأغراض الري، وبكميات سحب وصلت نحو 277.2 مليون متر مكعب، وبنسبة 74.7 % من إجمالي السحب المائي الجوفي لكافة الأغراض، وتواصل ارتفاع السحب عاما بعد آخر لتصل خلال العام 2005 349.2 مليون متر مكعب، وبنسبة 69.9 % من إجمالي السحب المائي الجوفي.
وتؤكد إحصائيات وزارة المياه والبيئة اليمنية أن حوض صنعاء وعددا من أحواض المدن اليمنية تعاني من نقص حاد في المياه بسبب قلة الأمطار وندرتها، وبسبب الحفر العميق للآبار.
وحسب الإحصائية فإن عشرات الآبار المعمقة تنتشر في حوض صنعاء ويصل عمق بعض الآبار إلى حوالي 1000 متر في حين أن مؤسسة المياه والصرف الصحي تملك 125 بئرا في حوض صنعاء ثلثها محفور بعمق لإمداد الناس بالمياه، وبالرغم من ذلك فإن سكان المناطق العمرانية الحديثة والتي تبعد عن وسط المدينة لا تصل إليهم إمدادات مياه المشروع وإنما يعتمدون على مياه “الوايتات” للتزويد بالمياه.
طريق الجفاف
وتشير الدراسات إلى أن العاصمة صنعاء في طريقها لتكون أول مدينة في العالم تنضب منها المياه في غضون عشر سنوات وذلك بعد تفاقم أزمة نقص المياه في المدينة، حيث يضطر العديد من السكان لجلب الماء في حاويات من خزانات عامة في الشوارع بسبب عدد السكان المتزايد فيها الذي يقارب 3 ملايين نسمة، والتوسع العمراني الذي تشهده العاصمة.
وايتات المياه
ولا يحصل معظم سكان العاصمة تقريبا على كميات كافية من المياه من المشروع العام الذي يصل إلى المنازل مرة كل عشرة أيام، ما يضطرهم إلى شراء المياه من الخزانات المحمولة بالحافلات والمعروفة باللهجة المحلية “بالوايتات” والمنتشرة حول المدينة لسد احتياجاتهم اليومية.
وتجلب وايتات المياه من الآبار عميقة الحفر في حوض صنعاء، أما بعض العائلات فتدفع أطفالها لإحضار المياه من المساجد والآبار القريبة من منازلهم، بينما هذه الآبار العشوائية التي تهدد حوض صنعاء فهي أيضا مهددة باستخدامها في ري أشجار القات.
وتعد اليمن واحدة من أكثر الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية ويتزايد الطلب على المياه بفعل الاستهلاك المرتفع للفرد، والاستخدام المفرط وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع (تضاعف عدد السكان منذ العام 1990 (من 11 إلى 23 مليونا)، ويتوقع أن يتضاعف ثانية إلى 48 مليونا بحلول العام 2037م.
بحوث علمية
وأشارت دراسة علمية إلى أن إمكانية جفاف حوض صنعاء سيكون بعد العام 2050م.
واستدلت الدراسة بما أجرته من معادلات علمية وبحثية جرى استخدامها إضافة إلى الخطوات العلمية المعروفة في علم الهيدروجيولوجيا \” بعلم المياه\” بدءا من الجمع والإطلاع على كافة الدراسات والتقارير القديمة والحديثة المتعلقة بحوض صنعاء, وكذا على عدد من الكتب العلمية في مجال علوم المياه الجوفية والحالات المشابهة لما هو متواجد عليه حوض صنعاء من وضع، وانتهاء بآخر التقارير والدراسات عن هذا الحوض.
وأوصت الدراسة بضرورة تشكيل فريق فني متخصص للقيام بتحديد الكم الفعلي المستنزف من المياه الجوفية لحوض صنعاء سنويا وبصورة دقيقة, بالإضافة إلى تحديد الكم المستزف سنويا من المياه الجوفية لكل خزان صخري على إنفراد وبشكل دقيق, وإلزام أصحاب الآبار الخاصة العاملة في حوض صنعاء بوضع آلة خاصة برصد كميات المياه المستثمرة من آبارهم على مدار السنة ليسهل معرفة الكميات المستنزفة سنويا.
آثار سلبية
وحذرت الدراسة من خطر الحفر العميق للآبار بحوض صنعاء وأثره السلبي على استنزاف المخزون المائي.. مطالبة بضرورة تفعيل قانون وتشريع تحريم أي حفر جديد على حوض صنعاء أو التعمق للآبار الحالية فيه, بالإضافة إلى إنهاء التعامل بمنح تصاريح حفر جديدة.
وأشارت الدراسة إلى أن العدد الهائل من الآبار الإنتاجية في حوض صنعاء والتي بلغت 7 آلاف و 963 بئراً إنتاجياً من إجمالي الآبار المحفورة على الحوض والبالغة 13 ألفاً و425 بئراً حسب تقرير وزارة المياه والبيئة, يشكل خطرا يهدد بنفاد مخزون المياه الجوفية, حيث أن الاستهلاك السنوي من مياه الحوض تصل إلى 258 مليون متر مكعب مقارنة مع الكم القليل المتجدد سنويا في الحوض والذي يصل من 80 إلى 120 مليون متر مكعب فقط.
وبحسب الدراسة فإن الطرق الاصطناعية في عملية تغذية وزيادة المخزون الجوفي للمياه والمتمثلة ببناء السدود والحواجز المائية التي تعد أحد العوامل المساهمة في إيجاد توازن مائي لاتشكل سوى ( 1 – 2) بالمائة مقارنة بمشاريع حفر آبار جديدة للشرب والزراعة.. معتبرة تلك الآبار النزيف الأكبر للأحواض المائية في عموم محافظات الجمهورية.
مسببات
من جهته يقول المختص بالمياه الدكتور فهمي علي سعيد ـ جامعة صنعاء أنه وفي ظل تنامي الطلب على المياه، الناجم عن ارتفاع وتيرة النمو الحضري علاوة على الاستخدام غير الرشيد للمياه في القطاع الزراعي، حيث عدد كبير من سكان البلاد يمتهنون الزراعة، وفي ظل عجز السياسات المائية الحكومية، وضعف مواردها المالية عن توفير أي مصادر مائية جديدة. كل ذلك كان معوقاً قوياً وسبباً في كبح دوران عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن.
وأضاف سعيد أن المشكلة المائية تتزايد في حوض صنعاء الذي تزيد مساحته على 3000 كيلومتر مربع، ويزيد عدد سكانه على مليوني نسمة، بمن فيهم سكان عاصمة البلاد السياسية مدينة صنعاء نفسها. وقد تزامن ظهور نذر المشكلة المائية لهذا الحوض مع ظهور مؤشرات النذر المائية المخيفة على مستوى البلاد برمتها، إن كان ذلك في صور التدني الواضح لحصص الفرد من تلك المياه، وبمستوى يقل عن معدل 70 ليترا في اليوم، أو بالانخفاض المتسارع وغير المسبوق لمناسيب المياه الجوفية في حوض صنعاء، والذي وصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد على 10 أمتار سنوياً، وبخاصة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، ومرده مجموعة من التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة.
مبينا أنه وعلى الصعيد التكنولوجي، حمل عقد الثمانينيات من القرن العشرين دخولا واسعا وغير مسبوق للمضخات إلى اليمن، ما وسّع من رقعة انتشار الآبار الارتوازية داخل حوض صنعاء، والتي فاق عددها اليوم 5000 بئر ارتوازية. وقد توفر ذلك بفعل تدني سعر الديزل، وما كان يتبعه بنك التسليف التعاوني الزراعي من سياسات إقراض ميسرة ومدعومة للمزارعين (وهي في مجملها قروض لا تسدد في نهاية المطاف)، وقد استخدمت لشراء مضخات المياه، ما شجع المزارعين على حفر آبار جديدة مع تعميق آبارهم القديمة سنوياً، لسقي أراضيهم الزراعية لساعات طويلة. أضف إلى ذلك الجانب الاجتماعي، المتمثل بالنمو السكاني الذي شهدته مدينة صنعاء، وبخاصة ابتداء من عام 1990م باعتبارها عاصمة البلاد بعد الوحدة، بفعل الهجرة البشرية الاعتيادية من مختلف محافظات الجمهورية، والتي واكبتها طفرة عمرانية عالية.
وقال سعيد إن انتشار زراعة القات، وبمساحات وافرة في حوض صنعاء كان هو الآخر سبباً لشحة مائية قوية واجهتها العاصمة صنعاء، والتي بدأ من خلالها دق جرس الإنذار بأنها ستكون أولى عواصم العالم عرضة لجفاف مصادرها المائية.
مبينا أن البعد المؤسسي لأزمة المياه في حوض صنعاء تمثل في الضعف الملموس لمختلف المؤسسات المعنية بمسألة المياه، إضافة إلى تداخل المهمات في الشأن المائي لأكثر من جهة. فعلى سبيل المثال، استمر التداخل في إدارة الموارد المائية على مستوى اليمن عامة ومستوى حوض صنعاء خاصة بين وزارة الزراعة والري بمختلف مؤسساتها وهيئاتها التابعة لها، وبين وزارة المياه والبيئة بمختلف صنوف هيئاتها ومؤسساتها، ما أفضى إلى بقاء الأزمة المائية تتصاعد سنة بعد أخرى بينما بقيت الحلول تراوح مكانها.
مشيرا إلى أن هناك بعض الأمراض المنتشرة وبكثرة في أوساط سكان حوض صنعاء، كالتيفوئيد والكوليرا، والديزنتاريا بالإضافة إلى أمراض تليف الكبد والكلى والتهاب المسالك البولية الناجمة عن تركُّزٍ عال للأملاح في مياه الحوض. وهو ما يكبّد سكان حوض صنعاء فاتورة اقتصادية وصحية مُرهِقَة.
الحلول
وأوضح الدكتور فهمي سعيد بأن الحلول تكمن في تطبيق مبدأ الإدارة المتكاملة والرشيدة للمياه، بالشراكة مع القطاع الخاص، وكل مستخدمي المياه، ومع منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا الشأن. وأن جديد السيناريوهات المائية في حوض صنعاء يجب أن لا يغفل هذه الشراكة وصولاً إلى الاستخدام المستدام لهذا المورد. لكن كل هذا لن يتأتى إلا بروزنامة من الحلول يمكن الشروع في تنفيذها على المدى القريب. فعلى سبيل المثال بإمكان الحكومة اليمنية ممثلة بالمؤسسة العامة للمياه أن تُرسل إشارات قوية للمستخدمين أو المستهلكين للمياه من خلال نظام الأسعار. ويتمثل ذلك في كسر التحدي في هذا الجانب والذي به ستتلاشى كافة التشوهات والحوافز التي قادت إلى الضخ المُفرِطْ للمياه الجوفية. ما يعني التحرك سريعاً لتغيير الأسعار النسبية، بغية عدم التشجيع على استخدام المياه الجوفية. وهذا ما حملته مسودة الحلول لمشكلة المياه الراهنة في حوض صنعاء في مراجعتها لتعرفة المياه بما لا يكون مشجعاً على المزيد من الضخ المائي لساعات غير معقولة. إضافة إلى ضرورة تطوير برنامج للحفاظ على المياه، وترشيد استخدامها في الري، مع الرفع من كفاءتها وتحقيق أقصى عائد ممكن منها. ولذا، فمن المهمات العاجلة للجنة إدارة الموارد المائية في حوض صنعاء تطبيق ما ورد في قانون المياه لعام 2002م وبخاصة في مواده (35، 36، 42) والتي بها لا يسمح بحفر آبار جديدة، سواء يدوية أو ارتوازية، إلا بموجب ترخيص صادر عن الهيئة العامة للموارد المائية، ويكون ما زال ساري المفعول ساعة تنفيذه. كما أن من المهمات السريعة والملحة على تلك الهيئة منع مختلف الأنشطة الصناعية والزراعية التي قد تؤثر سلباً في المخزون المائي المتجدد والاستراتيجي لحوض صنعاء.
تخطيط وتنمية
المختص بعلوم البيئة رشاد الحباري بين أن”الرؤية الإستراتيجية لليمن حتى عام 2025″، الصادرة مؤخراً عن وزارة التخطيط والتنمية، قدرت المخزون المائي الجوفي المتاح في كل الأحواض بما يقارب (20) بليون متر مكعب، وطبقًا لمعدل الاستهلاك الحالي فإن اليمن ستستنزف حوالي 12.02 بليون متر مكعب حتى سنة 2010م، وهو ما يؤدي إلى أن المخزون لن يكون كافياً إلا لسنوات قليلة.
وكان تقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية الفاو قال أن متوسط حصّة الفرد في اليمن من المياه المتجددة تبلغ حوالي 125 مترا مكعبا في السنة فقط ، مشيرة إلى أن هذه الحصة لا تمثل سوى 10 % مما يحصل عليه الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغة 1250 مترا مكعبا بينما المتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه 7500 متر مكعب
مصادر جديدة
ويرى الحباري أن البحث عن مصادر جديدة لمياه الشرب عن طريق تحلية المياه المالحة التي تملأ البحار وتغطي أكثر من ثلثي مساحة الكرة الأرضية يمثل أحد حلول هذه القضية وهذا النهج قامت به العديد من الدول والتي ستساعد حتما في التخفيف من استنزاف المياه الجوفية. أضف إلى ذلك تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها كما فعلت بعض الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة (بريطانيا) حيث تم تدوير المياه إلى أكثر من عشر مرات، فكأس الماء التي يشربها الزائر لمدينة الضباب (لندن) من المحتمل أن يكون قد شربها عشرة أشخاص قبله على أن يتم فحص هذه المياه دوريا قبل وبعد المعالجة وأن يتم فحص التربة وكذلك الأجزاء النباتية لمعرفة التركيز المتبقي لبعض المواد الموجودة في مياه الصرف الصحي والتأكد من أنه ضمن النطاق المسموح به للاستخدام طبقا للأغراض التي ستستخدم بها هذه المياه المعالجة.
وأكد الحباري ضرورة استخدام طرق حديثة في عملية ري المحاصيل للتقليل من الفاقد الناتج من استخدام الطرق التقليدية القديمة وضرورة اتخاذ إجراءات نظامية حاسمة وصارمة لحماية مصادر المياه ومنع الحفر العشوائي ومعاقبة المخالفين.