إسبارطة العربية المتحدة والثعلب المتنمِر
حمود عبدالله الأهنومي
تُشبِه دويلة الإمارات تلك الفتاة القصيرة التي بالغ مجتمعُها في الاحتقار لها بسبب قصر قامتها؛ فإذا بها تنتعل الكعاب العالية، وتقف على أطرافِ أصابعها، وتفتعل الحركات التي تريد من خلالها أن تثبت أنها طويلة القامة، لكن الحقيقة المرة التي تعترف بها مساء كل يوم أنها إذا ما خلعت تلك الإضافات عادت إلى حقيقتها المرة، والشيء نفسه ينطبق على هذه الدويلة الرويبضة التي صُنِعَتْ على عين الاستعمار، وبإشرافه، ولتحقيق أهدافه.
لم يفاجئني تبجُّح مستشار حاكم دبي (عبدالخالق عبدالله) يومَ اشتطَّ به الفخر، ونأى به الزهو، وهو يحكي أن شيطانا أمريكيا، ألقى في عقولِ أعرابِ (ساحل عمان) أنهم (إسبارطة العربية)؛ لما يعلم هذا الشيطان الأمريكي أن مذهبهم مذهب أبي سفيان في الفخر، وقلة العقل، وضحالة الفكر، ليبالغ الأمريكان من بعد ذلك ومن قبله في جعل هذه الدويلة قفازا حينا، وحذاء حينا آخر، وظفرا حينا، وظلفا حينا آخر، لجرح وإيذاء أبناء العرب والمسلمين، في المواقف التي لا يريد الأمريكي الظهور فيها مباشرة.
طبعا (إسبارطة) مدينة يونانية تنتمي للعصر الإغريقي، اتَّسمت بأن مجتمعها كان مجتمعا عسكريا، احترف القتال لمواجهة الأخطار التي كانت تهددها، ولهذا واجهت المدن اليونانية الأخرى، وفي مقدمتها (أثينا)، لكن ما غفل عنه مستشار حاكم دبي الذي سكِر بزبيبةِ أمريكيٍّ خبيثِ الطوية، أن أسبارطة لم تستقدِم المقاتلين المرتزقة من شتى أصقاع العالم كما تفعل دويلته التائهة؛ لأنها كانت قوية في ذاتها، وليس في محاربيها الذين تَدفَعُ لهم، وهم ينتمون فقط للقِرش والدينار الذي يدفع لهم.
(إسبارطة ساحل عمان) بما لديها من رصيدٍ ضخمٍ من الأموال التائهة، ورصيدٍ صفريٍّ في الهُويَّة والأخلاق والحضارة والتاريخ، وشعورٍ جامحٍ بالنقص والإفلاس في كل ذلك، وحقدٍ بعيريٍّ على الدول الغنية بها، ومنها اليمن، سهَّل للأمريكان والصهاينة أن يُشغِّلوها في أجنداتٍ ومشاريعَ تعمل على مناقضة الإسلام وتدمير العرب والمسلمين، والشيء نفسه ينطبق على النظام السعودي.
من المهم أن يتذكَّر المرتزِقة (المنافقون) من أبناء جلدتنا، ولا سيما الجدد منهم، أنهم ليسوا سوى زملاء ورفاق درب لمرتزقةٍ من شذاذ الآفاق، مجلوبين من جميع أنجاد وأغوار هذا العالم بالمال، وأنهم ليسوا أحسن حالا منهم، إذ من جميعهم تحاول (إسبارطة ساحل عمان) أن تخلُق لها مجدا، وأن تتكلف لها حاضرا يغطي عورات الماضي البدائي، والهوية التائهة، والمال الغبي، وأن تقف على أطراف قدميها المرتكِزتين على أجناسٍ من البشر المجلوبين من شتى قارات هذا العالم، وبالطبع فإن أكثرهم دناءة وحقارة هم المرتزقة (اليمنيون) المنضمون حديثا لهذه الجوقة الملوَّنة بكل ألوان القبح والبشاعة في هذا العالم كله.
تعرَّض اليمن لأنواعٍ من المحتلين والغزاة، ولكن يُحْسَبُ للغزاة السابقين أنهم كانوا أصحابَ مشروعٍ ذاتيٍّ، بغض النظر عن عدالة ذلك المشروع من عدمها، وكانوا أيضا أقوياء بالذات وليس بالعرَض المُشتَرى بالمال، بداية من الرومان وحملة إيليوس جاليوس، وانتهاء بالعثمانيين والمصريين في التاريخ الحديث، أما هؤلاء فإنهم يحاولون مجدا لا يبلغونه، ويتكلفون طموحات لا قبل لهم بها، ويتحككون بشعبٍ أصيلٍ مشهود له بفروسيته وشجاعته وصبره.
المال لا غيرُه هو ما يعوِّل عليه ذوو العقول الضحلة في (أسبارطةِ ساحلِ عمان) في تحقيقِ أحلامٍ (شعَّب) لهم بها الأمريكيُّ ليحرِّكهم في مشروعه، وهذا المال باتت عينُ النهِم الأمريكي تُحَمْلِق فيه، وها هو بين الفينة والأخرى يطلق شهقات سعاره عليه، ويُسيلُ لعابَه المتدفّق حوله، وها هي مؤشرات الربع الأول للعام الجاري من اقتصاد هذه (الإسبارطة) الأمريكية تشير إلى انهياره المرجَّح، وحتما بما أن هذا العدوان بكل جرائمه هو مظهَرٌ لا يعبِّر عن حقيقة القوة الذاتية، فإنه لا بد أن تعبِّر يوما الحقيقة الإسبارطية عن نفسها الزائفة، ووهمها الخادع البراق، فلم يستنسِر البغاث، وما جَعلَ الثعلبَ نمِرا أنه لبس جلدَه الموشَّى.
في يومٍ ما – وربما بات قريبا جدا – ستتلاشى تلك الأوهام الإسبارطية، وتتبخر تلك (العنطزات) النفطية الخليجية، وسيعود كل مرتزق في العالم إلى أهله، وحينها سيبيت كل عريس مع عريسته، ومنطق التاريخ كما هو منطق القرآن الكريم ونواميس الله في كونه تعلن جميعا على الأشهاد بأن الشعوب باقية، وأن المعتدين إلى زوال، وأن الله مع الصابرين المستضعفين، وصدق الله القائل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء: 16]. وحينها ستضيق أرض اليمن على مرتزقته بما رحبت، ولا عاصم لهم من سخط التاريخ، وعاقبة أبي رغال، ولله في خلقه شؤون.