إلى طفل الميزان
احمد الحسني
هل كنت اصغر من أن تدرك أن الشظية أقوى من جسدك الغض فتكومت تحمي ميزانك منها ؟ أم كنت كبيرا جدا تدرك أن شوكة الميزان قيمة تستحق التضحية ؟ هل كان لديك الوقت الكافي كي تختار مابين بقائك و بقاء الميزان الذي يدر على عائلتك ثمن كيس الخبز الذي تعيش عليه ؟ هل كنت كقريبك في الجبهة مولعاً باقتحام الأخطار ومقارعة الأهوال لا تفزعك الغارات أم كأهلك اليمنيين الذين يرفلون بحلل العز والتحدي هازئين بفرعون وقارون ويطأون بأخمص شظفهم الأبي جباه ملوك النفط ومرابي وول ستريت ؟ هل كان لديك أصدقاء سبقوك إلى رياض الشهادة فاشتقت لتلحق بهم ؟
كل ذلك كنت لكن المؤكد أن الصاروخ كان أسرع من قدميك الصغيرتين وأزيز الصاروخ قطع أنفاسك اللاهثة ودوي الانفجار أقوى من جسدك النحيل ويديك المرتعشتين وأن دمك المسفوح على الميزان والمختلط بريالاتك البائسة لم يكن خيارك أنت وإنما قرار الإصبع الفاجرة التي ضغطت على الزر والبشت المذهب المنفوخ بمليارات النفط الذي أصدر الأمر وسيده المرابي في واشنطن ولندن وتل أبيب.. إنها همجية البترودولار التي أخرجتك من المدرسة إلى الرصيف تبحث بميزانك الصدئ عن حق الحياة لتتربح بدمك شركات الأسلحة وتهز بمأساتك مؤخرات شيوخ العشائر لتساقط عليها المليارات..
من الشظية التي اخترقت جسدك تمتد سلسلة من القتلة تضم حلقاتها المداهن والمحايد والمرتزق والتحالف وداعميه تبدأ من صنعاء وتمتد إلى فنادق وقصور الرياض وأبوظبي والدوحة واسطنبول والقاهرة وعمان وتنتهي في البيت الأبيض وماخور الأمن الدولي..
لست أول دم طاهر سفكوه ولا أول يتيم مسحوا رأسه بالقنابل العنقودية و لا أول جائع لقموه البارود ولا أول بائس سحقوا جسده الذابل ولا أول طفل اغتصبوا براءة الحياة في عينيه وقبل ميزانك كسروا كل الموازين لكن لم يبق بعد ميزانك إلاّ ميزان الله مثقل الكفة..