متابعات / قاسم الشاوش
بعد عشر سنوات من الانقسامات السياسية الحادة الناتجة عن تداعيات النزاعات في المنطقة والصراعات الإقليمية على النفوذ يتوجه في لبنان اليوم أكثر من ثلاثة ملايين ناخب وناخبة إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان في بلد متعدد الطوائف.
وتأتي هذه الانتخابات التشريعية التي تعد الأولى بعد سنوات من الصراعات وفق قانون جديد مستند على النسبية من دون التخلي عن المكونات المذهبية في توزيع مقاعد البرلمان الـ 128 مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وذلك بعد عقود اعتمد فيها النظام الأكثرية.
ويقوم النظام الانتخابي في لبنان على المحاصصة بين طوائفه المتعددة إذ يضم 18 مذهباً معترفاً بها منذ العام 2012م وتنضم إلى 13 مجموعة مسيحية وخمس إسلامية وأقلية يهودية التي لم تعد موجودة.
وبعد انقطاع طويل، بات موضوع الانتخابات الشغل الشاغل للبنانيين وإن كانوا لا يعولون على تغييرات كبيرة تتيح معالجة القضايا الكبرى في البلد ذي الموارد المحدودة، والبنى التحتية المهترئة والفساد المستشري في مؤسساته.
ويقول مدير مكتب الاحصاء والتوثيق كمال فغالي لوكالة فرانس برس “حزب الله وحلفاؤه سيكونون المستفيدين الأوائل”.
وبعدما كان بإمكان الناخبين، وفق القانون الأكثري السابق، اختيار مرشحين من لوائح عدة أو منفردين، بات الأمر يقتصر اليوم على لوائح مغلقة محددة مسبقاً.
وتظهر اللوائح الراهنة زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ العام 2005، لجهة انقسام القوى بين فريقي 8 آذار الذي يعد حزب الله المدعوم من ايران أبرز أركانه، و14 آذار بقيادة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة الحالية سعد الحريري.
ويبدو حزب الله القوة الوحيدة التي لم تتحالف مع أي من خصومها على امتداد لبنان، فيما تحالفت بقية القوى الرئيسية في ما بينها وفق مصالحها في بعض الدوائر وتخاصمت في أخرى.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لفرانس برس “في البداية سيحصد حزب الله وحلفاؤه غالبية المقاعد في البرلمان”، في إشارة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس اللبناني ميشال عون.
وسيأتي ذلك، وفق قوله، “مقابل تراجع لتيار المستقبل يعود بشكل أساسي إلى كون الحريري ارتكب أخطاء سياسية كثيرة خصوصاً بتقديمه تنازلات من دون مقابل”.
وكان تيار المستقبل وحلفاؤه حازوا خلال انتخابات 2005 و2009 الغالبية النيابية.
وخلال السنوات الماضية، شهد لبنان أزمات سياسية وأمنية متلاحقة، ما أعطى حجة للمجلس النيابي للتمديد لنفسه ثلاث مرات. وشهدت البلاد شللاً مؤسساتياً انعكس فراغا في منصب رئاسة الجمهورية نحو عامين ونصف، قبل التوصل الى تسوية في العام 2016 أتت بميشال عون رئيساً للبلاد وبالحريري رئيساً للحكومة.
وانعكس الصراع الاقليمي بين ايران والسعودية على البلد الهش. وبدا ذلك واضحاً في استقالة الحريري المفاجئة من الرياض في نوفمبر 2017 في خطوة يُعتقد أنها أتت بضغط من الرياض التي تأخذ عليه تنازله لحزب الله.
وتراجع الحريري عن الاستقالة بعد أسبوعين أمضاهما وسط ظروف غامضة في الرياض.
ويتنافس 597 مرشحاً بينهم 86 امرأة، موزعين على 77 لائحة للفوز بـ128 مقعداً. ويبلغ عدد اللبنانيين الذين يحق لهم الاقتراع 3,7 مليون شخص، خمسهم من الشباب الذين كانوا لم يبلغوا سن الاقتراع في العام 2009.
وتضيق الشوارع في المناطق كافة بصور المرشحين ولوحات إعلانية ضخمة. وخصصت وسائل الاعلام برامج خاصة للانتخابات، وتستضيف المرشحين مقابل مبالغ مالية ضخمة. لكن كثيرين يعبرون عن لامبالاة تامة بالاستحقاق.
ولعل أكبر مؤشر على عدم مراهنة شريحة واسعة من اللبنانيين على نتائج الانتخابات، النجاح الكبير الذي يشهده فيديو اغنية للشقيقتين ميشال ونويل كسرواني على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشره الأسبوع الماضي. وتسخر الشابتان في الاغنية تحت عنوان “منعيد ومنعيد”، من الطبقة السياسية التي تتكرّر منذ عقود من دون أن تحقق أي إنجاز، وتشجعان على عدم التصويت لمرشحيها.
وللمرة الأولى، شارك مغتربون لبنانيون في العملية الإنتخابية، إذ أدلى 59 في المئة من أصل نحو 83 ألف مسجلين بأصواتهم الأسبوع الماضي في خطوة تعتبرها السلطة من إنجازات قانون الانتخاب الجديد. كما يأمل كثيرون أن يتيح القانون الحالي لناشطي المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة الوصول الى البرلمان.
وقد صعد نجم المجتمع المدني في لبنان إثر أزمة النفايات التي ملأت شوارع بيروت في العام 2015.
وأنشأت مجموعات وشخصيات عدة من المجتمع المدني تحالف “كلنا وطني” الذي يشارك في المعركة بـ66 مرشحاً ومرشحة في تسع دوائر انتخابية. ويقدم نفسه على اعتبار أنه “الخيار البديل وبداية لتحقيق حلم التغيير”.
وتقول الإعلامية بولا يعقوبيان، احدى المرشحات عن تحالف “كلنا وطني” في بيروت، “هناك فريق فاسد جداً، وفي المقابل هناك تيار من الشجعان الذين يحاولون أن يقولوا لهم: لسنا راضين”.
ولكن التحديات تبدو كبيرة جداً للحصول على الأصوات. واوردت احدى شركات الاستطلاع أن الزيادة في نسبة المشاركة لن تتخطى واحدا في المئة مقارنة مع العام 2009 (أكثر من 50 في المئة).
Next Post