أبوبكر عبدالله
لم يكن مفاجئا ما كشفته الصحافة الأميركية والبنتاغون الأمريكي عن طبيعة المشاركة العسكرية العملانية للقوات الأمريكية في العدوان الهمجي على اليمن فالقوات الأمريكية كانت حاضرة عسكريا وعملانيا ولوجيستيا ومخابراتيا في كل تفاصيل العدوان الهمجي وجرائمه الوحشية التي خلفت أكبر كارثة إنسانية في العالم، غير أن الحسابات السياسية الداخلية أبقت هذا الملف في خانة ” الحروب السرية ” قبل أن تفاجئ إدارة ترامب بخروجه إلى العلن بسقف حسابات مضطرب وضع الخزائن المالية للحلفاء الخليجيين أولوية مقابل الاخفاقات الحاصلة في الملفين السوري والإيراني.
ملف الحرب الأمريكية في اليمن خرج إلى العلن هذه المرة تحت مسمى ” الحرب السرية ” في تقرير نشرته “نيويورك تايمز”ونسبت فيه إلى مسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين أوروبيين تأكيدات عن مشاركة وحدة القبعات الخضر التي قالت إنها تتشكل من 12 خبيرا اميركيا عسكريا في العمليات العسكرية التي يقودها تحالف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن
الصحيفة ونقلا عن مصادرها اكتفت بتقديم رقم صغير بقبعة خضراء، لا يبدو حقيقيا قياسا بالعدد الفعلي للقوات الأمريكية المشاركة لكنها أكدت أن ثمة قوات أمريكية انتشرت في مناطق حدودية سعودية لتنفيذ مهام عسكرية خاصة بينها تدمير منصات الصواريخ الباليستية التي يطلقها الجيش اللجان الشعبية على أراضي العدو السعودي، ورصد مواقع الجيش واللجان وهي مهمات تحتاج إلى كتيبة خبراء وليس 12 جنديا من الكوماندوز.
تسرب هذه المعلومات لم يكن سوى إشارات تحذير إلى إدارة ترامب التي تعاني وضعا داخليا مضطربا ولم تخل بالمقابل من رسائل تطمين إلى الداخل السعودي بشأن الثمن الذي يتوقع أن تتجرعه الخزينة السعودية لقاء حمايتها، وهي القضية التي كانت محورا مثيرا للجدل في تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب وتسببت في إحراج كبير للنظامين السعودي والإماراتي.
لكن هذا التسريب قاد في النهاية إلى كشف وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون رسميا عن معلومات سرية تخفيها منذ ثلاث سنوات بإعلانها على لسان متحدثها الرسمي مشاركة القوات الأمريكية في العمليات العسكرية لتحالف العدوان السعودي بذرائع المساعدة اللوجيستية والاستخبارية وتأمين الحدود السعودية مشفوعا بتأكيدات أن واشنطن لن تكشف الحجم الحقيقي لهذه القوات ولا عملياتها.
والجملة الأخيرة تؤكد أن المسؤولين الأمريكيين الذين كشفوا لـ “نيويورك تايمز” التدخل الأمريكي في اليمن واعتبروه تغيرا لافتا في السياسة الأمريكية حيال ما سموه “الحرب الأهلية الدائرة في اليمن ” اكتفوا فقط بإرسال إشارات عن احتمال تسجيل إدارة ترامب خسارة جديدة في هذه المنطقة.
وذلك ربما يفسر تجنبهم الحديث عن مظاهر تصعيد عسكري قديمة، ليس أقلها مشاركة الطيارين الأمريكيين والإسرائيليين في شن الغارات على القرى والمدن اليمنية وقصفها بالقنابل المحرمة واستمرار وضلوع واشنطن بجرائم الاغتيال من الجو بالطائرات المسيرة وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع قوات العدو السعودي والإماراتي وتقديم الدعم المخابراتي والتصوير الفضائي المباشر لأهداف الغارات الجوية والتصوير المباشر لمسارح عمليات القتال بين أبطال الجيش واللجان الشعبية وكتائب الغزو الإماراتية السعودية ومليشيا المرتزقة في سائر الجبهات.
أيا كان الهدف من تسريب هذه المعلومات فقد كان إقرار واشنطن رسميا بها كافيا لفضح الدور الأمريكي المغيب في هذا العدوان وهو دور ينبغي أن يستوقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وكذلك المبعوث الأممي مارتن غريفت بشأن التدخلات الأمريكية العسكرية المباشرة أو غير المباشرة عبر وكلائها في تحالف العدوان السعودي الإماراتي، بما سجله من جرائم حرب وحشية طاولت عشرات الآلاف من المدنيين وتدمير للبنية التحتية ناهيك عن الآثار الإنسانية الكارثية للحصار.
لا يعنينا إن كانت مشاركة القوات الأمريكية تمت بطريقة العصابات الخفية بعيدا عن المؤسسات فتلك سياسة أمريكية قديمة، كما لا يعنينا أن تسمي أمريكا ووسائل إعلامها الوحدات العسكرية الأمريكية المشاركة في العدوان “قبعات خضر” فذلك تضليل إعلامي تمارسه واشنطن في المحافل الدولية لتقمص شخصية السوبرمان المدافع عن الأمن العالمي وحقوق الإنسان.
مايعنينا أن هذه المشاركة عكست أكثر مظاهر التصعيد العسكري المباشر ضد اليمن وقدمت الدليل الكافي على ضلوع أمريكا بشكل مباشر في سجل أسود ملطخ بالكثير من جرائم الحرب وأكثر من ذلك وضلوعها المباشر بجرائم الإبادة التي تطاول حتى اليوم مئات القرى الحدودية بمحافظتي صعدة وحجة والتي دمرت بشكل كامل حتى أن ملامحها لم تعد واضحة في خارطة التركيب الديموغرافي للمنطقة الحدودية.