احتفالات المدارس.. ضحك على الذقون
محمد أحمد المؤيد
يعد التعليم الابتدائي والأساسي والثانوي من أهم مراحل البناء للأجيال المتسلحة بسلاح العلم والمعرفة , وكما أن التعليم القيم والبناء هو ذخيرة المجتمعات المتطلعة للمستقبل ذي الطابع الجميل والخالي من الفوضى والعشوائية والذي بدوره يفضي إلى حياة مليئة بالسعادة والأمل المنشود الذي يسعى إليه كل أب وأم ورئيس ومرؤوس , لأن بناء الأجيال يبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع من حولهم الذي لا شك أن عامل الثقافة الاجتماعية يلعب دوراً رئيسيا في بناء الشخصيات والعقول للأفراد والمجتمعات على حد سواء.
ولذا فكثيرة هي الأخطاء والهفوات التي للأسف تقع فيها كثير من وسائل التعليم والتثقيف كالمعاهد والمدارس والمنتديات الثقافية والاجتماعية , وبخاصة تلك التي تدعى بالقطاع الخاص , والتي من خلال ما ظهر لنا في الآونة الأخيرة من سنين الحرب , أنها قد كشرت أنيابها وصارت تنهش في قوت ومصادر دخل الأسر من دون جدوى من ناحية الجودة التعليمية والتثقيفية , كونها صارت أي المدارس والمعاهد الخاصة تحديداً تتقمص دور (المقاول) الذي لاهم له إلا إنجاز المهمة الموكلة إليه ويسيل لعابه إلى المال وكفى , وخاصة عند غياب (المهندس) أي الرقابة الحكومية للتعليم في المدارس كالمرشدين والمقيمين والمنسقين والمشرفين فعندها تكون الفرصة سانحة للعب في خانة الجودة والمقاييس (للمواد الأسمنتية) للجودة التعليمية والتثقيفية , وهنا تحصل الطامة الكبرى فقد تسقط لا سمح الله بناية أو دار أو منزل ويصير ضحية العمل لذلك المقاول أسرة أو اثنتان , ولكن التعليم ورداءة جودته يفتك بجيل بأكمله فيصير ضحيته مجتمع بأسره ,لأنه بكل بساطة يتخرج منه الدكتور والمهندس والمبرمج والممرض وغيرها من المجالات والميادين التي تزخر بها الحياة بشكل عام ولها دور لا يستهان به في تقدم أو تأخر الشعوب في مستوى حياتهم العامة والخاصة.
فالتعليم هو ركيزة أساسية لا يستهان بها في الحياة , كون الجهل هو من يتقمص الإهمال في الجانب التعليمي والذي لا شك يحل محل العلم الجهل عند التقصير , وهو ذاته الشيء الذي أثار حفيظتي خلال هذه الأيام وما تقوم به غالبية المدارس الأهلية للقطاع الخاص على وجه التحديد , التي لم تكتف باستغلال الوضع التعليمي لصالحها , وخاصة في ظل الحرب وعبر استقطاب المدرسين الأكفاء بحجة المال والمرتب وجعلهم يعملون لديها وبالمقابل اهمال المدارس الحكومية , حيث انساب غالبية الطلاب إلى المدارس الخاصة وهو ما أضاف معاناة للأسر إلى جانب وضع الحرب وخاصة الاقتصادية منها .
وبسبب استقطاب وغياب المدرسين عن المدارس الحكومية صرنا نرى تدفق الطلاب والطالبات من المدارس بشكل أفوج متتابعة وغير منقطعة لساعات , فمنذ الساعة العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهراً وهم يتدفقون خروجاً منها , وتسألهم ما الذي يجري ؟ فيردون حينها لا يوجد كادر تعليمي والجدول خالٍ من المدرسين الملتزمين بجدول الحصص . ليس هذا وحسب ولكن الذي أذهلني هذه الأيام تحديداً حادثة الانتهاء من العام الدراسي , الذي أرى أنه من متى بدأت الدراسة حتى يكتمل العام الدراسي , وليس هذا ما أعني , ولكن الذي أعنيه تحديدا وجود دعوات للآباء والأمهات والأسر لحضور حفلات في صالات مستأجرة خارج المدارس لطلاب لايزالون في المراحل الابتدائية والأساسية والثانوية وبدعوى اجتيازهم الصف بنجاح , وهو ذاته ما غدت المدارس الحكومية تطبقه مع صف ثالث ثانوي حتى قبل اجتيازهم الامتحانات الوزارية , وهل كانت هناك دراسة قد أثخنت العقول بالعلم حتى يقال احتفال , بل واحتفال بماذا !! بالخيبة والتخرج من صفوف لا تتعدى تنمية العقول بمناهج هشة في عالم اسمه المدرسة وليس الجامعة , لأن المدرسة والاحتفال يا مدراء المدارس يصل بالطالب إلى مرحلة الاكتفاء عند حد المدرسة , لأن هدفه هو الاحتفال وستتوقف هممهم عند حد لا يكون فيه مشقة وتعب كالاحتفال بالدراسة في المدارس , لكنه عندما يصل إلى مرحلة التعليم الجامعي يكون حينها قد أشبع رغبته من الاحتفالات , وليس لديه أي عزيمة حتى يصير إلى الاحتفال بالتخرج الأكاديمي , الذي هو ما نريد أن نعلن عنه كاحتفال , لأن اسمه احتفال وليس ضحكا على الذقون وتغطية خيبة التعليم بخيبة الاحتفال ومحاولة لشد الناس للإنفاق على توافه ومن دون جدوى وخاصة مع الوضع الاقتصادي الرديء للبلاد والعباد , إلا اشباع وبذخ في خزينة المدارس الخاصة بالمال والطلاب الجدد مع رداءة في التعليم.
..ولله عاقبة الأمور..