استطلاع / عبدالباسط النوعة
في سوق الملح الممتد على مساحة واسعة من مدينة عريقة ( صنعاء القديمة) تستوقفك قلعة شامخة البنيان من الخارج بنقوش بديعة وزخارف جميلة وبناء متقن بيد أن الخارج يدل على إهمال متراكم وعبث متواصل حملته السنون لهذا المعلم الفريد القابع وسط سوق الملح تلك هي سمسرة محمد بن الحسن بن القاسم التي كانت تحتل مكانة مرموقة قديما ولعبت دوراً هاماً في الحياة الاقتصادية لليمن بشكل عام فقد كانت بمثابة البنك المركزي وظلت لعقود طويلة من الزمن وهي تمارس هذا الدور وتحتل هذه المكانة وكانت تسمى بيت المال إلا أن الحالة التي وصلت إليها هذه السمسرة تبعث على الأسى والحزن.
التدهور يتزايد
الثورة زارت السمسرة قبل أيام قلائل وكانت قد زارت هذا المعلم قبل عدة سنوات ولاحظنا كم كان الفرق واضحا فقد ازدادت الحالة الإنشائية تدهورا في هذا المبنى التاريخي بشكل اكثر من ذي قبل خاصة مع الإهتزازات القوية التي حدثت لهذا المعلم المتهالك اصلا والمدينة بشكل عام جراء الاستهدافات القوية والغارات الشديدة التي استهدفت مدينة صنعاء القديمة وجبل نقم ومحيط المدينة القديمة من قبل طائرات العدوان الغاشم .
كان ولازال التجول في هذه السمسرة محدودا جدا ولا يمكن أن يصل الزائر إلا بالكاد إلى جزء بسيط من الطابق السفلي بقية الاجزاء باتت مدمرة ومتهدمة والتجوال فيها خطر للغاية ومع ذلك تجولنا في ما بقي من أرجائها وحالة الأوضاع السيئة للسمسرة والحالة الإنشائية المتدهورة لهذا المعلم الجميل أن نصل إلى مختلف أرجائها التي لا زالت قائمة.
النقوش والزخارف هنا وهناك وأكوام من الركام والخراب تطمر أجزاء من السمسرة تهدم أجزاء كبيرة منها وما بقي ينتظر دوره قيمة معمارية وتاريخ عريق يطمر ويدفن منذ سنوات كثيرة والصمت والإهمال اللامبالاة هي العناوين التي تتعامل بها الجهات المعنية مع هذا المعلم التاريخي الجميل والذي لم يبق من جماله سوى بعض النقوش والجدران الخارجية والبوابة الشامخة وما دونها تآكل وأندثر بفعل السنين.
.أثناء دخولنا إلى السمسرة وجدنا أحد الناس أخبرنا بأن السمسرة على هذه الحالة منذ سنوات طويلة وزاد الأمر تعقيداً وتدهورا مع غارات العدوان الحاقدة وهناك انهيارات حدثت وتساقط لبعض الجدران لوحظت خلال الغارات من الناس.
تعرضت هذه السمسرة في عام 1948م لحريق هائل أتى على أجزاء كبيرة من ملامحها وبعدها تم ترميمها ولكن للأسف تعرضت مرة أخرى للنهب والعبث أثناء ثورة 26 سبتمبر لأنها كانت بمثابة البنك المركزي بيت المال ولهذا كانت مطمعاً لكل الناس حتى أنها بعد الثورة لم تسلم من أطماع بعض الناس الذين كانوا يحاولون بسط أيديهم عليها وعلى الفراغات التجارية المحيطة بها ولهذا تم تحويلها إلى قسم شرطة لحمايتها وحراستها.
وعود الترميم لم تنفذ
السمسرة تتكون من أدوار ثلاثة تهدمت فوق بعضها في معظم الجهات إلا أن أجزاء منها لازالت قائمة أردنا الصعود إلى تلك الأدوار التي لازالت قائمة إلا أن التحذيرات كانت قوية لنا بعدم الصعود لأن المكان غير آمن ويمكن أن تتهاوى بنا الجدران.
ونتذكر أننا وعقب زيارتنا السابقة لهذه السمسرة قصدنا وزارة الثقافة والتقينا بوزيرها آنذاك وهو الدكتور عبدالله عوبل والذي أكد أن هذه السمسرة تعد من أبرز مقومات مدينة صنعاء القديمة وهي معلم تاريخي هام جداً يتعرض للاندثار منذ سنوات طويلة والآن تسعى وزارة الثقافة إلى ترميم هذه السمسرة التي باتت في وضع سيئ للغاية الأمر الذي يتطلب إمكانيات كبيرة تفوق قدرات وزارة الثقافة والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية.
وأوضح انه لا بد من الإسراع في ترميم هذه السمسرة قبل أن يندثر ما بقي منها وان وزارته وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية ستعملان على إعداد دراسة تقييمية للسمسرة وما تحتاج إليه وسيتم البحث عن تمويل وكلنا أمل في تجاوب الكثير من الجهات لاسيما أمانة العاصمة.
إلا انه وللأسف الشديد لم يحدث مما قاله الوزير شيء فالسمسرة ظلت على حالها ولم ترمم ولا حتى تعد الدراسات والمخططات للترميم ولو لا عناية الله وقوة البناء ومتانته لكانت هذه السمسرة قد اندثرت قبل سنوات كما يقول المختصون في هيئة الحفاظ والذين أكدوا أن وضع الهيئة قبل العدوان لم يك أفضل من وضعها بعد العدوان فمشروع الترميم لهذا المعلم التاريخي الهام يحتاج إلى إمكانيات مالية تفوق بكثير قدرت الهيئة .
شواهد الفن المعماري
فقد أوضحت أمة الرزاق جحاف وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية أن الحالة الإنشائية للسمسرة تضررت بشكل كبير نتيجة الاهتزازات القوية التي تسببت بها طائرات العدوات الغاشم ؛ معبرة عن أسفها الشديد للحالة المزرية جداً التي وصلت إليها سمسرة محمد بن الحسن على حد تعبيرها حيث تؤكد أنها ذكرت بهذا الاسم عند الهمداني..
وقالت: هذه السمسرة كانت فعلا من أجمل السماسر الموجودة ومازالت هناك شواهد تؤكد هذا الكلام, ولكن وضعها الآن للأسف الشديد مخجل سواء بالنسبة لوزارة الثقافة والهيئة أو حتى لأمانة العاصمة والدولة بشكل عام معظمها مهدم وآثار الحريق واضحة وأكوام من الركام.
وأشارت إلى أن سمسرة محمد بن أحسن كما يطلق عليها بعض المؤرخين أن الحالة المزرية والتدهور والإهمال الذي تعانيه متراكم سنوات طوال .
طريقة البناء فريدة
وهذا ما أوضحه المهندس المعماري المتخصص في المدن التاريخية ياسين غالب: إن سمسرة بن الحسن بن القاسم عمرها يزيد عن( ٣٦٥) عاماً والإهمال فيها قديم يبلغ عمره أكثر من 60 عاما وهي تعاني أوضاعا معمارية سيئة وتدهورا متواصلا مستمرا طوال تلك السنين.
وأشار إلى أن السمسرة بنيت بطريقة هندسية رائعة وبمواد قوية يأتي على رأسها حجر الحبش القوي ولولا الحريق الذي تعرضت له ربما كانت في حالة جيدة حتى الآن ولما وصلت إلى الحالة الراهنة.
وقال: السمسرة بمثابة حصن منيع مفتوح إلى الداخل وهي قيمة تاريخية عظيمة تعرضت للإهمال من قبل الجهات المعنية التي لا يوجد لديها رؤية للحفاظ على التراث بشكل عام وما يزيد الأمر تعقيداً أكثر من السابق هو دخول العديد من الجهات الحكومية في هذا الجانب (هيئة الحفاظ على المدن التاريخية – قطاع المدن التاريخية والآثار في وزارة الثقافة – أمانة العاصمة ناهيك عن الجهة المالكة والتي يعتقد بأنها أما الأوقاف أو أملاك الدولة والراجح أنها الأخيرة كل تلك الجهات المتداخلة ربما زادت الطين بله وشتت القضية.
وبدورنا نوجه نداء إلى الجهات المختصة وتحديدا هيئة الحفاظ على المدن التاريخية بتقييم الوضع في هذه السمسرة وإعداد تقرير هندسي بحالتها الراهنة سيما بعد غارات العدوان على صنعاء القديمة وهو أقل ما يمكن أن تقوم به الهيئة التي ندرك جيدا وضعها المالي المزري وشحة إمكانياتها ليس في ظل العدوان التي زاد وضعها ووضع موظفيها سوءا ولكن منذ سنوات طوال في ظل ضعف الوعي لدى قيادات الدولة والحكومات المتعاقبة سيما بعد مطلع الألفية الثالثة بأهمية التراث وضرورة الاهتمام بالجهات المختصة بهذا التراث .