عبدالباسط النوعة –
● تزخر مدينة صنعاء القديمة بالكثير من العادات والتقاليد الرمضانية التي لا زال الجزء الأعظم منها يعمل به حتى اليوم وإن كانت العديد من تلك العادات والتقاليد قد اندثرت وأخرى على وشك الإندثار.
في الأسطر التالية نسلط الضوء على بعض العادات الرمضانية في مدينة صنعاء القديمة من خلال المشاهدات التي عايشناها عن قرب في هذه المدينة الرائعة.
عندما تتجول قبيل العصر في صنعاء القديمة خلال شهر رمضان تجد حراكا وحيوية من النادر جدا وجودها في أحياء أو مدن أخرى مساجدها القديمة مكتظة بالمصلين وتتعالى أصوات »الدريس« لتصل اصداؤها إلى الخارج حيث المارة من الذاهبين والآتين كل له وجة وهدف يسعى إليه كما تعد الأسواق أكثر الأماكن المزدحمة بالبشر رجالا ونساء كل يبحث عن ما يثري به مائدته الرمضانية من صنوف المأكولات والحلوى الصنعانية الشهيرة وبعدها تأتي مرحلة السكون أناس يتجمعون مع بعضهم في تجمعات صغيرة أو كبيرة يتبادلون اطرافاٍ من الحديث الممتع والمثير أو أي حديث يساعدهم على تجاوز الوقت وبلوغ المغرب وهنا ترى حراكا واسعا لاستقبال المغرب حتى يدق المدفع أو يعلو صوت الأذان وكل الناس أو معظمهم في المساجد حول موائد الإفطار تقام في المساجد وتتكون هذه الموائد التي تتشكل بتعاون الناس كل يحضر من منزله ما يراه مناسبا للإفطار والمائدة عادة تتكون من التمر والشفوت والحلبة الحامضة والسلطة.
تغير الحياة الصنعانية في رمضان
● وهنا يقول عبدالخالق عكارس من حارة الفليحي تتغير الحياة الصنعانية تماما في شهر رمضان ويقتلب الليل إلى نهار والنهار إلى ليل وهناك الكثير من العادات التي لا زلنا نحرص على اقامتها فقد تم توارثها عن الأجداد منها التجمع في حلقات أو موائد للإفطار في المساجد وإن كان البعض لم يعد محافظا على هذه العادة وأصبح يفضل الإفطار في منزله أيضاٍ نحرص على القيام برحلات خاطفة لزيارة الأهل والأقارب وتبادل زيارات العشاء مع بعضنا البعض أيضا تلاوة القرآن قبيل الفجر وما بين الظهر والعصر وأيضا قبيل المغرب ايضا ومن ناحية المأكولات يقول عكارس صحيح هناك الكثير من الأصناف دخلت إلى المائدة الرمضانية ولكن لا زالت بعض الأصناف التقليدية لها حضور في المائدة الصنعانية في رمضان ومنها على سبيل المثال الفتوت والذرة والحلبة.
سوق الملح مزار رمضاني هام
● من جانبه يقول الأخ يحيى عبدالله مفرح بائع بهارات في سوق الملح: إن الإقبال يزداد بشكل كبير على البهارات في شهر رمضان وترى اناسا يأتون إلى سوق الملح من أماكن بعيدة للتسوق لا سيما تلك المناطق في خولان وهمدان وغيرها وهذا عادة ورثوها عن اجدادهم فتجدهم يتركون أسواقا ومحلات قريبة منهم تبيع البهارات ويأتون إلى سوق الملح .
وأوضح »يحيى« أن سوق الملح في شهر رمضان يكون مزدحماٍ إلى أقصى حد لا سيما في أوقات ما بعد العصر وما بعد العشاء حتى منتصف الليل.
مضيفا أن الإقبال على البهارات وأبرزها الحلبة واللبن والحوائج بمختلف أنواعها والقرفة والكمون والحبة السوداء وغيرها كثير يكون الإقبال على شرائها في العشر الأواخر من شعبان فترى كل المحال التي تبيع البهارات مزدحمة ولا تخلو من مشترين وهكذا طوال شهر رمضان المبارك وإن كانت تخف في العشر الأواخر من الشهر الكريم.
وذكر كمال اليمني من حارة باب اليمن عادة أخرى وهي أن بعض أهالي صنعاء يقومون بزيارات إلى مناطق خارج صنعاء القديمة مثل سنحان همدان والبعض ايضا لا سيما كبار السن تجدهم يعتكفون في المساجد فقط للصلاة والعبادة وقال: كان أهالي صنعاء القديمة من قبل يعتبرون شهر رمضان المبارك محطة للاستغفار والذكر والتعبد واكتساب الأجر وزيادة العبادة والارتباط بالمساجد وحلقات العلم وتلاوة القرآن ولكن خفت هذه الأشياء إلى درجة كبيرة لا سيما عند الشباب ومن يكبرهم بالسن إلى سن الخمسين واصبح الكثيرون ينظرون إلى رمضان بأنه موسم للأكل ومتابعة المسلسلات ومضغ القات في جلسات مقيل أصبح الكثير منها يخلو مما كانت عليه المجالس في مدينة صنعاء القديمة من قبل وإلى وقت قريب كانت مجالس المقيل حافلة بالذكر وتلاوة القرآن وقراءة الكتب القيمة ذات الفائدة العظيمة وغيرها.. أما الآن للقات والمحادثات العادية فقط.
عادات مندثرة
● وتقول الأخت أمة الرزاق جحاف الخبيرة في مجال العادات والتقاليد الصنعانية إن صنعاء القديمة كانت تملك الكثير من العادات الرمضانية الجميلة جدا ولكن معظمها انقرض منها عادات خاصة بالأطفال فقد كان الأطفال بصنعاء القديمة وبمساعدة من الكبار يعملون على بناء »ديم« من الطين في نهاية شهر شعبان وهذه البيوت تستخدم في رمضان للأطفال يفطروا فيها بدلا من المساجد التي أصبح الأطفال هذه الأيام يفطرون فيها وهذا يجعل المساجد في مواجهة مع بقايا الأطعمة التي يخلفها الأطفال وراءهم أثناء الأفطار كذلك كانت تستخدم هذه »الديم« للعب أيضا وممارسة الألعاب الشعبية التي انقرض الكثير منها كذلك كان الأطفال بعد كل عشاء على موعد مع حكايات وقصص الجد أو الجدة أيضا كان الناس قبيل العصر يخرجون إلى التنزه في بساتين ومقاشم صنعاء القديمة وكانت النساء في أغلب الأحيان تشارك في هذه العادة وقبيل المغرب بوقت كاف يعدن إلى المنازل لتحضير العشاء الذي كان بسيطا يحوي اصنافا قليلة وليس كما هو اليوم المائدة الرمضانية وغير الصنعانية تحوي الكثير والكثير من أصناف المأكولات.
عادات لا زالت حاضرة بخفوت
● وأضافت جحاف أيضا من ضمن العادات تبادل الأطعمة والمشروبات بين الجيران وهذه لا تزال موجودة ولكن على نطاق ضيق ايضا كانت النساء تتعاون فيما بينها لا سيما في اعداد ما يسمى »اللحوم« وهي من الأشياء الهامة في شهر رمضان ربما في الكثير من المدن اليمنية ونظرا لما تتطلبه عملية الإعداد من وقت وجهد كبيرين فقد كانت نساء صنعاء في الحارات أو مجموعات كل يوم تكلف واحدة بإعداد اللحوم وتوزيعها على النساء الأخريات وهكذا حتى نهاية الشهر أيضا هناك أكلات خاصة في رمضان لا تظهر إلا خلال هذا الشهر ومنها الحلبة الحامضة والفتوت والذرة والأخيرتان يفضل تناولهما في وقت السحور ايضيا الحليب لقدرة تلك الأصناف على مقاومة الجوع أيضا فتة الحلبة البيضاء وجبة هامة في رمضان وهي مقاومة للعطش كذلك معظم أهالي صنعاء القديمة يستخدمون شراب »القديد« وهو عبارة عن نقيع المشمش المجفف وذلك أثناء الإفطار كذلك صنف آخر لا يوجد إلا في رمضان وهو الخل البلدي الذي كان يصنع على نطاق واسع عند الكثير من الأسر في صنعاء القديمة ويباع في الأسواق ولا يزال يصنع عند بعض الأسر ولكن على نطاق محدود.
التسمية اندثرت
● ومن العادات التي كانت تقام في رمضان ولكنها لم تعد تقام ما يسمى »التمسية« حيث يتجمع الكثير من الأطفال في الحي والحارة وتحديدا العشر الأواخر من الشهر الكريم ويغنون جميعا وبصوت عال أغان معينة منها:
يا مساء جيت أمسي عندكم
يا مساء واسعد الله المساء
والأهاالي يعطونهم إما حلويات أو نقود ومن يرفض اعطاؤهم يعرض نفسه للانتقاد بالأغاني.
وأشارت إلى أنه في شهر رمضان تقوى الصلات الاسرية في صنعاء القديمة حيث لا بد للأسر التي تفرقت وسكنت في منازل منفصلة أن تجتمع مرتين أو ثلاث مرات على الأقل في المنزل الكبير أو منزل العائلة للعشاء واحيانا السمرة والسمرة كانت في صنعاء القديمة أوقات خاصة للنقاش والأدب وقراءة الكتب وتلاوة القرآن مع التفسير ولكن هذه العادة خفت كثيرا وكذلك كانت هناك عادة اختفت تماما وهي أن الأسر قبيل الذهاب إلى السمرة تجتمع كل أسرة لقراءة سورة ياسين إما على شكل أدوار واحد تلو الآخر حتى تكتمل أو قراءتها بصوت واحد وهذا كل يوم وبعدها يذهب الجميع إلى السمرة.
وأكدت أن الفضائيات قضت على الكثير من العادات والتقاليد الجميلة منها الاستمتاع إلى الأناشيد والموالد النبوية وهذا العادة كانت موجودة في صنعاء القديمة في مجالس الرجال وكذا مجالس النساء.
الحلويات الصنعانية
● وعن الحلويات يقول أحد بائعي الحلويات الصنعانية يوسف عبدالله فايع أن الإقبال على الحلويات يزداد وبشكل كبير خلال شهر رمضان المبارك لا سيما الرواني والقطايف والشعوبية والبقلاوة وحتى أنه في كثير من الأحيان يكمل الكمية التي لديها ولا يزال الطلب موجوداٍ وبدرجة كبيرة جدا.
وهنا تقول أمة الرزاق جحاف إن الحلويات الصنعانية معظمها ذات أصول تركية ولكن وحسب قانون الأيبو حول الملكية الفكرية والذي تنص إحدى مواده على أنه إذا استخدم زي شعبي أو موروث سواء ملبوس أو مأكول في شعب لمدة خمسين عاما فيعتبر ذلك الموروث جزءاٍ من تراثه الفلكلوري وبالتالي فالرواني والقطايف والشعوبية والبقلاوة التي دخلت مع الاتراك إلى اليمن اصبحت جزء لا يتجزء من موروث اليمن وهذه الحلويات الصنعانية لا زالت موجودة في تركيا وتحمل نفس المسميات ولعل اقبال الناس عليها في رمضان خلال شهر رمضان عادة متوارثة وذلك لأنها تعوض الجسم عما يفقده من سكريات خلال ساعات الصوم الطويلة.