الفساد.. وشبح الفقر
أحمد يحيى الديلمي
حينما ننظر إلى مشاكل البلاد القائمة حالياً ، لاشك أن الأمر يثير اهتمامات عديدة ويضع علامات استفهام كثيرة عن الماضي وماذا أنجز وكيف تم التعامل مع ما تم إنشاؤه من مؤسسات كفيلة بإيجاد المعالجات المناسبة لكل ظرف من الظروف .
في هذا الصدد ومقارنة مع الحال التي وصلنا إليها بفعل العدوان الهمجي السافر لابد أن نمعن النظر في الواقع ومكوناته وسنجد أن هناك حلولاً سريعة وناجعة وآلياتها موجودة محكومة بقوانين ولوائح يسهل التعاطي معها ووضع النقاط على الحروف من ذلك :
* صندوق الضمان الاجتماعي
هذا الكيان القائم بذاته والمزود بكافة اللوائح المنظمة يتطلب إعادة النظر في قوام موظفيه العاملين به وتقويم سلوكياتهم إضافة إلى كشوفات الأسر المستحقة للضمان لتصحيح الأخطاء والتجاوزات والعشوائية عبر الفحص والتحري لإيجاد قاعدة بيانات دقيقة تحدد فئات الفقراء والمستحقين لحالات الضمان بعيداً عن الوساطات والمجمالات والأتاوات وبذلك يتم تحديد هذه المساعدة في كل منطقة على أسس سليمة ، لأن الفكرة في الماضي تحولت إلى هبات للمتنفذين والمشايخ والوجاهات الاجتماعية بهدف شراء الولاءات ، حتى الفقراء كان الواحد منهم لا يحصل على بطاقة الضمان إلا بعد أن يقدم رشاوى لنفس المتنفذين باعتبار أنهم أصحاب الحل والعقد والأمر بيدهم ، وهذا ما جعل أكثر من 70% من الفقراء بعيدين عن هذا العطاء ومحرومين منه رغم أنهم طالبوا وتم ابتزازهم من نفس المتنفذين ، لكنهم وصلوا إلى طريق مسدود نتيجة تراكم الأخطاء و أتباع أساليب ملتوية ، بحيث كان أحياناً الشيخ الواحد يحصل على مائة حالة ويضع أمامها أسماء وهمية ثم يوكل من يقوم باستلامها وكلهم أغنياء لا يحتاجون إلى هذا العطاء ، والفقراء المساكين المحتاجين يتسكعون في الشوارع ، وهذا ما يؤكد أهمية تصحيح قاعدة البيانات ، لن نحتاج إلى ابتداع آليات جديدة ، بل بالآليات الموجودة التي تم إبطالها في الفترات الماضية لكي تمرر الأساليب الأخرى المؤدية إلى انتفاعات انتهازية ، وإذا تم تصحيح الطريقة وتم البحث وفق معلومات ميدانية حقيقة فإن شبكة الأمان الاجتماعي ستتحول إلى مصدر للإصلاح ومكافحة الفقر بالفعل ، أو على الأقل الحد منه بإيصال هذا العطاء للمعوزين أصحاب الفاقة المحرومين .
* صندوق دعم الإنتاج الزراعي والسمكي :
هذا هو الكيان الآخر الذي تم التلاعب به وتوجيه مسارات عمله وعطائه إلى مسارات مخالفة تماماً للهدف الذي أنشئ من أجله ، بالعودة إلى سجلات الصندوق وبرامج الدعم والإقراض يتضح لأي متابع أن هناك حقائق مفزعة تؤكد أن المليارات المدونة ذهبت إلى جيوب حمران العيون أصحاب الشوارب الطويلة ، والغريب أن هذه الممارسات كانت تتم بأساليب منظمة وممنهجة أساسها صرف مدخلات للزراعة والثروة السمكية في شكل مضخات وحراثات وأسمدة وقوارب للصيد يبقى وجودها في السجلات فقط ، ولم يثبت أنها ذهبت إلى الواقع أو وصلت إلى المزارع أو الصياد لأن المستفيدين كانوا متنفذين وأصحاب جاه ، وفي الطرف الآخر التجار الذين كانوا يستلمون الأوامر ويشترونها بمبالغ زهيدة وتدون على أنها صرفت كما هي عليه مدخلات زراعية أو سمكية وفي الوسط يقف السماسرة من العاملين في الصندوق الذين يقومون بتنظيم السجلات وتثبيت صرف الحالات بمقتضى الأوامر المرفقة ، وعلى هذا الأساس كان يتم التلاعب بالمليارات مقابل الحديث عن إنجازات كبيرة ومشاريع زراعية وسمكية لا وجود لها إلا في ذهن من كتبها ، وهنا يكمن الخلل .. والمطلوب تخطي هذه الاختلالات والعمل وفق معايير وضوابط حقيقية تضمن وصول الدعم إلى المزارعين والصيادين لتشكل أهم حافز لهم تحثهم على زيادة الإنتاج بالذات من الحبوب بأنواعها المختلفة والفواكة والخضروات ، إضافة إلى تطوير مصائد السمك وآله الاصطياد ، ووضع برامج فعلية للتسويق لمعالجة الاختلالات في السعر عند زيادة العرض وقلة الطلب كما يحدث في منتجات الطماطم مثلاً في بعض المواسم ، وهذه وسيلة لزيادة معدلات الإنتاج المحلي وتحسين أوضاع المواطنين .
* الجمعيات الزراعية
للأسف هذا الأسم جميل ومنمق ويبعث على الأمل لمن يسمع عنه ، أما الواقع فهو مزرٍ جداً ، تحولت هذه الجمعيات إلى مواقع للسمسرة واستقطاب المساعدات الدولية والاستفادة من الإعفاءات الجمركية لما يقال أنها مدخلات زراعية ، فالمعنى جميل والفكرة أجمل لكن الممارسات للأسف كلها تؤكد ما وصل إليه الحال من نهب وسلب وابتزاز غير طبيعي ومنطقي ، للأسف تحولت هذه الجمعيات إلى دكاكين للبيع والشراء وابتزاز الفلاحين المساكين ، فحتى ما يجود به الآخرون من الخارج لهذا الفلاح الذين يشفقون عليه تأخذه هذه الجمعيان وتعيد بيعه بالمال لهذا الفلاح .. يا أخوة الحال مزرٍ جداً بات يستغل باسم الثورة و الجمهورية وتحسين حال المواطن والمواطن آخر من يعلم .. كل شيء موجود على أرض الواقع ولا يحتاج إلى تعب بل يحتاج إلى ذهنيات واعية تعرف كيف تصل إلى الحقائق وتعيد النظر بأفق إيماني صادق لا بعقلية المباهاة و البحث عن المناصب وسرد منجزات لا وجود لها .. أرجو أن تأخذ الأمر حقه من الاهتمام من قبل الجميع ففي النهاية كلنا يمنيون ويهمنا أمر هذا الوطن .
كما قلت هذه النماذج تؤكد أن الآليات موجودة والمطلوب فقط تصحيح مسار عملها وإيجاد الضوابط الكفيلة بتنظيم التعاطي والتعامل اليومي للتأكيد على أن مرحلة شرعنة النهب والاستحواذ المدعوم بقرارات سياسية قد انتهت ، وأن تلك الأمزجة التي تغلبت على كل شيء وحولت مؤسسات الدولة إلى مرتع للفساد والإفساد قد غادرت مواقعها وهذه أولى مؤشرات العدالة الاجتماعية المجسدة لتعاليم الشريعة الإسلامية ولابد من الاهتمام بهذه الجو انب كي يحس المواطن بأهمية التحول ، أما ما يجري اليوم فهي تصرفات عشوائية أكثر فساداً من الماضي ، بل ودخول أشخاص حلبة التنفيذ بعيدين كل البعد عن المفاهيم الإدارية والأنظمة والضوابط المطلوبة للتصحيح ومحاربة الفساد ، لذلك فإنهم بقصد أو بدون قصد يتحولون إلى مظلة للفساد ويشرعنون أساليب أكثر همجية من الماضي، والمظلومون هم الفقراء والفلاحون وصيادو السمك الذين لم تصل إليهم حتى الآن إلا جعجعة الكلام والخطابات الرنانة ، أما حالهم فقد أزداد سوءاً ومعاناتهم تفاقمت جداً لأن أعمال المفسدين وأصحاب الضمائر الميتة تواكبت مع نفس الأشخاص من قراصنة الفساد ومافيا الأراضي ومن تتحكم بهم شهوة الأخذ فقط واستباحة كل ما هو للدولة استناداً إلى فتاوى أصدرها من لا يخافون الله وكانوا يسمون أنفسهم علماء ، فقد أصدروا فتاوى أن الحرام هو ما يصعب أخذه ، أما ما سهل أخذه فهو حلال مباح وإن كان مملوكاً للآخرين أو للدولة ، أما الدولة فحدث ولا حرج عن ما نهب عليه .. للأسف بفتاوى علماء كبار “اقول علماء تجاوزاً ” فأعمالهم أكدت أنهم غير ذلك “إنا لله وإنا إليه راجعون”
وهذا يتوجب ملاحقة المفسدين حيث ما كانت مواقعهم الإدارية ، فهل تعي حكومة الإنقاذ هذا ؟! وهل تعي قيادة المسيرة أن الأمر يتفاقم من يوم إلى آخر ؟! والصعوبات تتراكم أكثر فأكثر والمواطن يراوح مكانه .. ولولا أن روح الصمود متوغلة في أعماقه ويعرف أن العدو الذي يتربص بالجميع ظالم وجبار ومنتقم وغدار لما اضطر إلى السكوت ، لكنه يسكت على مضض والمعنيين بالأمر يشبعونه خطابات رنانة ومواعيد عرقوبية لم تصل حتى إلى أدنى مستوى من المعالجة الصحيحة ، وهذا يتطلب أن يكون المسعى صادقاً والآليات مأمونة للإسهام في إيقاف حالة النزيف والعبث بأموال الدولة ، والإبقاء على نفس الأغنياء والمتنفذين وأصحاب النفوذ والسماسرة والوسطاء في مكانهم الذي اعتادوا عليه يستغلون كل شيء لصالحهم ، ويحاولون تسخير مؤسسات الدولة والقوانين والأنظمة لصالح رغباتهم المشبوهة ، وكل هذا عائد إلى فساد المنظومات الإدارية فهي تضاعف هم الفقير وتزيد الأثرياء ثراءً .
أعتقد أن الأمر بات واضحا والمطلوب خطوات جادة تخفف من حدة الفقر وتحقق التكافل الاجتماعي بمعانيه الإنسانية ومؤشرات تأثيره الكفيلة بتعزيز الصمود ومواجهة العدوان ، ما لم فإن الأمر سيظل على ما هو عليه وسيظل المواطن يئن ويشكي والأغنياء يزدادون غناً و السماسرة يزدادون نهباً ، وكلنا في النهاية نتحدث عن محاربة الفساد والإفساد ، يا هيئة الفساد وهيئة الرقابة أين أنتم من كل هذه الأشياء المزرية !!؟ رغم أنها ظاهرة للعيان وتمارس في وضح النهار وأنتم تتحدثون عن تقارير وخزعبلات وحلول لا تخرج عن كونها للتغطية واستهلاك الوقت ، بالذات من هيئة الرقابة التي توقعنا أنها ستعمل شيئاً باعتبارها شعبية بحتة وتمثل امتداداً للثورة لكنها للأسف تحولت إلى ظاهرة صوتية ، وتنطبق عليها المقولة المعروفة “تمخض الجبل فولد فأراً ” لقد شبعنا من الفئران ومللنا منظرها الممقوت ، نريد أعمالاً حقيقة تبيض الوجوه وتخفف عن المواطن وتعيد للمواطن ما نهب عليه من أموال وتعيد إليه كرامته .. فهل يعي هؤلاء !!؟ اللهم هل بلغت .. اللهم فاشهد ..