كفاية عدوان
محمد ناجي أحمد
ثلاث سنوات من الدماء اليمنية التي تسفح في الطرقات والبيوت والمنازل التي تقصف فوق رؤوس ساكنيها ،وفي صالات العزاء والأفراح ،إلخ ثلاث سنوات وضريبة الحرب يدفعها اليمنيون ،وجلها من دماء اليمنيين المدنيين ،الآمنين في بيوتهم ومدنهم وقراهم وأسواقهم ومدارسهم .
ثلاث سنوات والعدوان مستمر في جبروته وغيه ،ومصمم على “يمننة الحرب” أسوة بما صنعته الولايات المتحدة الأمريكية ،حين أرادت “فتنمة الحرب “في حربها على فيتنام ،وذلك بإبقاء جيوشها في الثكنات والمعسكرات ،مكتفية باستخدام الطائرات لقصف الفيتناميين والمقاومين لعدوانها واحتلالها . لكن ثوار فيتنام هاجموا الأمريكيين في معسكراتهم ،وأوقعوا خلال سنوات 61/1964م بالأمريكيين خسائر فادحة ،بلغت 400 ألف ،وبسنوات تقارب حرب السنوات الثلاث يشن فيها العدوان الأمريكي السعودي وتحالفهم على اليمن .
جميعنا يعلم أن الحرب في اليمن في جوهرها إقليمية /دولية ،فلماذا لا نيمنن الحل عن طريق يمننة السلام ،بأن نعود إلى السياسة ،فما الحرب إلاّ امتداد لها ولأهدافها .
فلنعد جميعا إلى كلمة سواء بيننا ،ألا نفرط بسيادة وكرامة وثروات اليمن ،أرضا وبحرا وجوا ،لنعد إلى كلمة سواء أساسها حرمة الدم اليمني ،وأرضه ووحدته الجغرافية والسياسية …
فلنعد التفكير والتوافق حول شكل الدولة وطريقة إدارتها ،وصناعتنا للقرار السياسي ،وتعاطينا مع الثروة الوطنية …
لننطلق من الممكن السياسي حتى نوقف هذا الانحدار والهرولة نحو هاوية التشظي للهوية الوطنية الجامعة ،ليعود الصراع بيننا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ،حتى نستطيع أن نخرج بحلول توافقية ترضي الجميع بالحد المشترك ،بدلا من تحريف مسار الصراع باتجاهات مناطقية وجهوية ومذهبية ،فهذا المسار التفتيتي مآلاته كارثية وزلزال يسهم في تفكيك كل عرى التماسك الوطني .
إن الوطنية الجامعة التي أنجزتها الحركة الوطنية قامت على أسس وأهداف يأتي على رأسها :الوقوف ضد الاستعمار والاستعباد ،فاليمني لا يقبل ضيما وظلما من أخيه اليمني ،فكيف بغاز يستهدف ثروة الوطن الاستراتيجية المتمثلة بجزره وبحاره وأرضه وجوه .
فلنحول موقعنا الجغرافي إلى نعمة يستفيد منها الوطن ،بدلاً من أن نسهم بتحويله إلى نقمة علينا ،ومدخلا لاستعمارنا ،وانتهاك كرامتنا .
جوهر الأزمة في اليمن اقتصادية ،تتمثل بشحة الموارد وسوء استخدامها ،والفساد الذي صوره البعض على أنه “ملح التنمية “فلماذا لا نجتمع لمعالجة جوهر الصراع بتنمية اقتصادية واجتماعية ،بدلا من القفز على جوهر القضية الاقتصادية والاجتماعية .
نحتاج إلى أن نجتمع على كلمة واحدة هي بناء الدولة اليمنية القوية بمركزها ،والحيوية بمكوناتها …
لنجتمع ونعالج ما ترتب على الحرب من كوارث اجتماعية واقتصادية وسياسية .
نحتاج إلى سنوات ليست بالقليلة إذا عقدنا العزم على أن نستعيد عافية هذا الوطن الممزق بأهوائنا ،والمحاصر بطوق إقليمي ودولي لا يريد لليمن إلاّ أن يكون جغرافية أمنية ،وممرا لمصالحه وأطماعه ،وكينونات متناحرة ،تنطلق من تعدده لتنال من وحدته .
فلنحول تعددنا إلى ثراء يعضد من وحدتنا ،ولنحول تنوعنا إلى سياج يحمي لحمتنا الوطنية .
أما آن لصوت السلام أن يصد ماكينة القتل ،أن يرمم جدار كينونتنا الوطنية ،كي يزهر الوطن بتنوعه وتعدده واحدا وحدويا ،بتنمية مستقلة ،وقراره الوطني المنطلق من سيادته وكرامته وحريته .
ولأن السلام في اليمن لا يمكن أن يصنع دون التوافق على صيغة وطنية مبنية على العيش والتعايش المشترك مع دول الجوار ،والمصالح الدولية –فإن الواجب يفرض علينا أن نناقش هذا الموضوع بشفافية ،وبقدرات وخبرات ورؤى تسهم في الوصول إلى سلام مبني على الشراكة لا على الاستلاب والتبعية …