استراتيجية الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر
د/ أنيس الأصبحي
ترتبط الأطماع الإسرائيلية في البحر الأحمر، بالأهداف الاستعمارية الغربية والتي تعود إلى الأيام الأولى لإنشاء إسرائيل في قلب الوطن العربي واستمرار دعمها ، وعرقلة نهوض العرب ،والحيلولة دون تقدمهم ووحدتهم. وحتى يوم 16 من مارس سنة 1949م لم يكن لإسرائيل أية حدود أو وجود أو نقاط وصول إلى مياه البحر الأحمر لكن توقيع اتفاقيات الهدنة المشئومة في 24 من فبراير 1949م جعل إسرائيل تتحفز للاندفاع جنوبا لتحتل قواتها لسانا ضيقا على خليج العقبة عند أم الرشراش وقد تم في ما بعد إنشاء ميناء (إيلات) المجاور لميناء العقبة الأردني.
ولقد أفادت إسرائيل من حروبها الواسعة ضد الدول العربية في ادعاء ما يسمى في حينه (حق المرور البري في خليج العقبة وفي مضايق تيران التي تربط الخليج بالبحر الأحمر) مع العلم أن مضايق تيران، تعد مياها إقليمية عربية. وقد ركزت إسرائيل جهودها إبان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م في احتلال شرم الشيخ/ وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية، حصلت إسرائيل على امتياز المرور عبر مضايق تيران وخليج العقبة وباتجاه البحر الأحمر والمحيط الهندي أي إلى آسيا وإفريقيا. وكان لهذا الإجراء دور كبير في نجاحها في توسيع نطاق علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع العديد من دول آسيا وإفريقيا.
وفي 22 من مايو 1967م قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله (1952-1970م)، إغلاق مضايق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية، وطلب من قوات الطوارئ الدولية الموجودة في شرم الشيخ منذ سنة 1956م الانسحاب بعيدا عن الحدود الدولية لمصر، وقد عدت إسرائيل هذا القرار بمثابة إعلان حرب واتخذته ذريعة لشن عدوانها صبيحة يوم 5 من حزيران 1967م. وكان من نتائج هذه الحرب احتلال إسرائيل سيناء والاستمرار في الإفادة من مضايق تيران. وفي حرب 1973م عادت مصر فأغلقت بالتعاون مع الدول العربية(اليمن )المطلة على البحر الأحمر مضيق باب المندب جنوبا في وجه الملاحة الإسرائيلية وذلك في محاولة لكسر نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على ضرورة الاحتفاظ بشرم الشيخ لكن ذلك لم يدم طويلا فلقد ساعدت اتفاقيات كامب ديفيد إسرائيل على التمتع بحق المرور في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر المتوسط وقد عدت تلك الاتفاقيات مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة.
يشير الأستاذ صلاح الدين حافظ في كتابه: (صراع القوى العظمى حول القرن الإفريقي) المنشور سنة 1982م إلى أن البحر الأحمر يتمتع بمزايا إستراتيجية واقتصادية وعسكرية فضلا على انه قام بدور تاريخي في الربط بين الحضارات العربية وإفريقيا وفي العصور الحديثة ونتيجة لما حصل عليه الغرب من مكاسب إثر اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1492م فأن البحر الأحمر صار ميدانا للتنافس بين الدول الكبرى.
وقد عجز العثمانيون الذين سبق لهم منذ مطلع القرن السادس عشر، أن استحوذوا على أقطار الوطن العربي عن مقاومة الغزو الأوروبي، وطبيعي أن البحر الأحمر كان من بين المناطق التي دار حولها الصراع. وقد حرص الغرب على مساعدة الحركة الصهيونية للاستحواذ على فلسطين وباتت إسرائيل منذ 1948م وحتى الآن قاعدة متقدمة للغرب ومما يلفت النظر أن الولايات المتحدة تحاول بشتى الطرق تطويق الوطن العربي ودعم إسرائيل وإثيوبيا بهدف إثارة المتاعب للعرب وضرب فكرة بقاء البحر الأحمر عربيا والترويج لتحويل مضايقه وممراته العربية الواقعة في نطاق المياه الإقليمية إلى ممرات ومضايق دولية.
عبر ديفيد بن غوريون وهو من ابرز قادة إسرائيل وأكثرهم تشددا وسبق له أن أصبح أول رئيس وزراء بعد إنشاء إسرائيل عن أطماع بلاده في البحر الأحمر فقال سنة 1949: (أنني احلم بأساطيل داود تمخر عباب البحر الأحمر !!) ويحلل العقيد الركن عبد الله رشيد عبد العامري في مقالة له نشرها في جريدة (القادسية) العراقية (25 من فبراير 1996م) بعنوان: (الكيان الصهيوني وعسكرة البحر الأحمر) الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه البحر الأحمر فيقول: إن البحر الأحمر يعد من اقصر وأسرع الطرق البحرية التي تربط بين الشرق والغرب. فضلا على امتلاكه خصائص جيوبوليتيكية مهمة نتيجة قربه ومحاذاته البلدان النفطية وبالأخص الخليج العربي والجزيرة العربية.
إن محاولة إسرائيل قبل سنوات للتواجد في البحر الأحمر من خلال احتلال بعض الجزر مثل ( جزيرة دهلك) و(جزيرة أبو الطير) و(جزيرة حالب) و(جزيرة زقر) و(جزيرة أبو علي) وبعض جزر الفرسان بالاتفاق مع أثيوبيا واثنتي عشرة جزيرة تقع معظمها عند مدخل البحر الأحمر في باب المندب وإقامة تحصينات عسكرية فيها هذه المحاولة تجيء طبقاً لما سمي(( بإستراتيجية الاقتراب غير المباشر)) والحرص على تأكيد التفوق العسكري والإفادة من المتغيرات
اليوم تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات على اليمن( لموقعها الجيوسياسي والجغرافي المتميز) يأتي استكمالا لتأمين إسرائيل جيوسياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا وتمددها وهيمنتها إقليميا واختراقها لمنظومة الأمن القومي العربي
وهذه مهمة أوكلت لتحالف العدوان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل تحت رعاية ومباركة الأمم المتحدة من أجل السيطرة على السواحل الغربية والاحتلال لجزره ومؤانئه والتحكم بمضيقه باب المندب وتدويله وهو مطلب إسرائيلي مسبقا.