صورة موحشة للتحايل والغش‮ ‬يقوم بها شياطين الإنس


لقاء/حسن شرف الدين –
مع حلول شهر رمضان المبارك‮ ‬يتنافس التجار في‮ ‬عرض بضائعهم بمختلف أنواعها لجذب أكبر عدد من المستهلكين والتجار صنفان الأول وهو النادر‮ ‬يبحث عن الكسب الحلال والصنف الآخر‮ ‬يرى في‮ ‬رمضان فرصة لتسويق بضاعته المغشوشة وجني‮ ‬الأرباح‮ ‬فمنهم من‮ ‬يعمل على الكسب الحلال ومنهم من‮ ‬يعرض البضاعة الكاسدة في‮ ‬المخازن‮.‬
‮”‬الثورة‮” ‬التقت بخطيب الجامع الكبير بالروضة أمانة العاصمة الأستاذ حسين أحمد السراجي‮ ‬الذي‮ ‬تحدث في‮ ‬اللقاء حول رأي‮ ‬الشرع لاستغلال بعض التجار لشهر رمضان وإنزال البضائع المنتهية وما‮ ‬يجب عليهم وعلى المواطنين خلال شهر رمضان‮.. ‬فكانت الحصيلة التالية‮:‬

‮• ‬بداية‮.. ‬بعض التجار‮ ‬يستغلون إقبال الناس على البضائع قبل رمضان بأيام فيقوموا برفع الأسعار وإنزال البضائع المنتهية والمهربة‮.. ‬ما رأي‮ ‬الشرع في‮ ‬ذلك¿
‮- ‬إنه مما‮ ‬يؤسف له أن موسم الطاعة الذي‮ ‬تصفد فيه الشياطين‮ ‬ينطلق شياطين في‮ ‬أشكال بشرية‮ ‬يسمون التجار‮ ‬يمارسون ما تخجل منه شياطين الجان والحاصل من واقع الحال هو إستغلال حاجة الناس للشراء في‮ ‬رمضان ورفع الأسعار وتسويق البضائع المنتهية وقريبة الإنتهاء‮.‬
من الجدير قول إن الإسلام لا‮ ‬يرضى لمجتمعه أن‮ ‬يعيش أبناؤه فيه عيشة الوحوش التي‮ ‬لا‮ ‬يحكمها دين ولا عقل‮ ‬‮ ‬ولا أن‮ ‬يتغالب الناس فيه بالمكر والخديعة والنوايا الخبيثة‭, ‬كما الإسلام أيضاٍ‮ ‬في‮ ‬تشريعاته لا‮ ‬يستكثر على التجار أن تكون لهم تجاراتْهم الرابحةº لكنه جعل لها طرقاٍ‮ ‬مشروعةِ‮ ‬لا‮ ‬يْهضم بها حقْ‮ ‬الضعيف‮ ‬ولا‮ ‬يؤكل مالْه بالباطل ولا أن‮ ‬يسلك التجار طرق الكسب وتنمية الثروات بحيل الكذب والغش والخديعة والاحتكار‮.‬
أن في‮ ‬الأمر دلالة على‮ ‬غياب الوازع الديني‮ ‬فهؤلاء التجار في‮ ‬الواقع حين‮ ‬يعيشون بهذا الأمر من‮ ‬غياب الرحمة والوازع الديني‮ ‬والأخلاق الآدمية والقيم الإنسانية والضمائر الحية فإنما‮ ‬يثبتون للآخرين أنهم‮ ‬يجعلون الدين لباساٍ‮ ‬متى ما شاءوا لبسوه وفي‮ ‬أحايين أخرى‮ ‬يخلعونه‮ ‬‭, ‬فلا دين ولا رحمة ولا إنسانية ولا ضمائر حية‮.‬
يأبى الله ورسوله على عبده وابن دينه والمنتسب إليه أن‮ ‬يكون هذا حاله‭, ‬هذه الحال تتبرأ منها الإنسانية والطباع البشرية فكيف بالرسالات السماوية والتعاليم المحمدية التي‮ ‬رقت بالإنسان إلى المصاف العالية وجعلت منه نموذجاٍ‮ ‬خالداٍ‮ ‬للإنسان القويم وكانت شريعة الإسلام آخرها حيث ترقِت بكينونة هذا المخلوق نحو الإيثار والبذل والتضحية والإنفاق والعطاء الذي‮ ‬لا حدود له‮.‬
شريعة هذه مبادئها لا‮ ‬يمكن أن تكون في‮ ‬صف محتكر‮ ‬غاش خائن مستغل مخادع لله ورسوله‭, ‬يعيش كأنه لا‮ ‬يوجد في‮ ‬الكون سواه ويتعامل مع الآخرين بشريعة الغاب التي‮ ‬لا‮ ‬يحكمها دين ولا عقل‮.. ‬والله تبارك وتعالى‮ ‬يقول‮ : (‬يِأِيْهِا الِذينِ‮ ‬آمِنْواú‮ ‬اتِقْواú‮ ‬اللِهِ‮ ‬وِكْونْواú‮ ‬مِعِ‮ ‬الصِادقينِ‮)‬‮ ‬وفي‮ ‬موطن آخر‮ ‬يقول تعالى‮: (‬إنِ‮ ‬اللِهِ‮ ‬يِأúمْرْكْمú‮ ‬أِن تْؤدْواú‮ ‬الأمِانِات‮ ‬إلِى أِهúلهِا‮) ‬فالتقوى والصدق والأمانات مما افترض الله على عباده ومنهم التاجر الذي‮ ‬رفع النبي‮ ‬صلى الله عليه وآله مكانته بقوله‮ : ” ‬التاجر الأمين الصدْوق مع النبيين والصديقين والشهداء‮”.‬
وعلى العكس من ذلك التهديد النبوي‮ “‬من احتكر طعاماٍ‮ ‬أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه‮”‬‭, ‬والوعيد الرباني‮ “‬من دخل في‮ ‬شيء من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم كان حقاٍ‮ ‬على الله أن‮ ‬يقعده بعظم من النار‮ ‬يوم القيامة‮”.‬
ضوابط اخلاقية
• ‬هل‮ ‬يجوز للتجار أن‮ ‬يأخذوا ربحاٍ‮ ‬بنسبة‮ ‬100٪‮ ‬من الثمن التكلفة ¿
‮- ‬وجهة النظر الشرعية لا تجيز للإنسان إلا أن‮ ‬يكون منصفاٍ‮ ‬معتدلاٍ‮ ‬رحيماٍ‮ ‬رفيقاٍ‮ ‬في‮ ‬بيعه وشرائه‭, ‬الإسلام وضع ضوابط أخلاقية للسوق والإقتصاد فالحق جل وعلا خاطب رسله بالقول‮: (‬يِا أِيْهِا الرْسْلْ‮ ‬كْلْوا منِ‮ ‬الطِيبِات‮ ‬وِاعúمِلْوا صِالحٍا إني‮ ‬بمِا تِعúمِلْونِ‮ ‬عِليمَ‮)‬‮ ‬وخاطب أهل دينه بالقول‮: (‬يِا أِيْهِا الِذينِ‮ ‬آمِنْواú‮ ‬كْلْواú‮ ‬من طِيبِات‮ ‬مِا رِزِقúنِاكْمú‮) ‬وحين‮ ‬يتجاوز الربح الحد المعقول‮ ‬يكون قد جانب طريق الطيب من الرزق وحاد عن سبيل الرحمة والإيمان‮ .‬
ثم هذا الأمر‮ ‬يدل على قسوةُ‮ ‬وجبروتُ‮ ‬وجشعُ‮ ‬غالب في‮ ‬التاجر الذي‮ ‬هذا هو حاله وهذا الحال‮ ‬ينافي‮ ‬السلوك الإسلامي‮ ‬والإنساني‮ ‬‭, ‬وينافي‮ ‬السلوك الخالد لقول الحق في‮ ‬وصف نموذج الإيثار الخالد‮: “‬ويطعمون الطعام على حبه مسكيناٍ‮ ‬ويتيماٍ‮ ‬وأسيراٍ‮” ‬السلوك الذي‮ ‬جسده آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعظام من الصحابة الذين امتدحهم الله في‮ ‬كثير من آياته‮.‬
يجب أن‮ ‬يكون الربح معقولاٍ‮ ‬يراعي‮ ‬حالة الناس المعيشية ومدخولاتهم الإقتصادية وما لم‮ ‬يكن كذلك فقد استحق قول حبيب الله صلى الله عليه وآله‮ ” ‬من لا‮ ‬يرحم الناس‮ ‬لا‮ ‬يرحمه الله‮ ” .‬
القلوب القاسية التي‮ ‬لا تعرف الرحمة ولا الشفقة ليست قلوب المؤمنين الصادقين‮ ‬إذ النبي‮ ‬صلى الله عليه وآله وسلم قال‮: “‬لا تنزع الرحمة إلا من شقي‮” ‬نسأل من الله اللطف‮.‬
وباء
• ‬ماذا عن التحايل في‮ ‬الوزن والنوعية والجودة ¿
‮- ‬من حقارة الدنيا وضعف الإنسان أمام هوى نفسه وطمعه قيامه بما ذكرت ومما‮ ‬يبلغنا في‮ ‬هذا الأمر أنه لم‮ ‬يعد حكراٍ‮ ‬على كبار التجار فصغارهم‮ ‬يمارسون العملية كجزء من الشطارة والفهلوة كما‮ ‬يقولون بل وصل الوباء للباعة المتجولين‭, ‬غش وخداع بطرق ملتوية وأساليب متعددة تفوق التصور أحياناٍ‭, ‬تتصور في‮ ‬أحايين بأن من خدعك وغشِك شيطان حقيقي‮ ‬في‮ ‬صورة بشرية‮.‬
بعض التجار والموردين وذوي‮ ‬الصناعات‮ ‬يمارسون التحايل والغش البواح من مصدر الصناعة سواء كان محلياٍ‮ ‬أو خارجياٍ‮ ‬‭, ‬بينما‮ ‬يقوم بعض صغار التجار بالعملية في‮ ‬محلاتهم ومعاملهم‮.. ‬هناك صور موحشة لعمليات التحايل في‮ ‬الأوزان والنوعيات والجودة ومصادر الصناعة فاق خلالها شياطين الإنس الخيال في‮ ‬التخطيط والترتيب والفهلوة‮.. ‬هؤلاء إما جهلة لا‮ ‬يعرفون وبال ما‮ ‬يصنعون أو‮ ‬يعلمون جزاء عملهم ويعتقدون أنهم شْطِار قد انخدعوا بإمهال الله وستره وحلمه مع ما‮ ‬يتعرضون له من نكبات ومصائب في‮ ‬أنفسهم وأبنائهم وأزواجهم وأموالهم ولكنهم لا‮ ‬يعتبرون وكما‮ ‬يقال ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين‮.‬
بدوري‮ ‬أخاطبهم مذكراٍ‮ ‬بوعيد الله وتهديده‮ “‬ويل للمطففين‮. ‬الذين إذا اكتالوا على الناس‮ ‬يستوفون‮. ‬وإذا كالوهم أو وزنوهم‮ ‬يخسرون‮. ‬ألا‮ ‬يظن أولئك أنهم مبعوثون‮. ‬ليوم عظيم‮. ‬يوم‮ ‬يقوم الناس لرب العالمين‮” ‬وقول النبي‮ ‬الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم‮ “‬من‮ ‬غشنا فليس منا‮”.‬
اسراف
• ‬بالمقابل هناك أسر تسرف في‮ ‬الشراء واقتناء أصناف‮ ‬غذائية زائدة عن حاجتهم‮.. ‬ماذا تقول لها¿
‮- ‬لقد وضعت‮ ‬يدك على أمر هام وخصوصاٍ‮ ‬تغذية رمضان لدى جميع الصائمين‭, ‬هناك اهتمام كبير بتحصيل مصاريف رمضان لدى جميع الشرائح والطبقات‭, ‬وهناك إسراف في‮ ‬الشراء بشكل عجيب‮ .‬
المؤكد ومن خلال التجربة أن الصائم‮ ‬يريد ويتمنى ويتخوِر كل ما‮ ‬يرى فيشتري‮ ‬اللحم والفاكهة والخضروات والحلويات والمشروبات فإذا ما أفطر أكل القليل والبقية مصيرها القمامة وهذا هو الإسراف بعينه على قاعدة‮ (‬كل ما اشتهينا اشترينا‮) ‬والله تعالى‮ ‬يقول‮ “‬ولا تسرفوا إنه لا‮ ‬يحب المسرفين‮” ‬فمن‮ ‬يلاحظ براميل القمامة في‮ ‬رمضان‮ ‬يجدها طافحة بأنواع المأكولات في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬لا‮ ‬يجد الفقراء شبع بطونهم‭, ‬أتمنى على جميع الصائمين التوقف ملياٍ‮ ‬أمام هذا ليكون في‮ ‬حسبانه فيتجنب الوقوع في‮ ‬المحظور‮.‬
نصيحة
• ‬ماذا تنصح التجار ¿
‮- ‬أقول لهم أن‮ ‬يتقوا الله في‮ ‬خلق الله ويحذروا من قتل الناس ببضائعهم فلئن سلموا في‮ ‬الدنيا من الحساب فلن‮ ‬يسلموا‮ ‬يوم الوقوف بين‮ ‬يدي‮ ‬الله العدل الحكيم فاليوم دنيا وغداٍ‮ ‬آخرة و”من‮ ‬يعمل مثقال ذرة خيراٍ‮ ‬يره‮. ‬ومن‮ ‬يعمل مثقال ذرة شراٍ‮ ‬يره‮”. .‬
• ‬أخيراٍ‮.. ‬ما هي‮ ‬رسالتكم¿
‮- ‬رسالتي‮ ‬دعوة لتصحيح المسار وتقويم الإعوجاج من الجميع تجار ومواطنين كما هي‮ ‬للعلماء والدعاة لجعل رمضان الفرصة والدورة الربانية لمراجعة النفس وكبح جماح الهوى الذي‮ ‬أوصلنا لحال لا‮ ‬يسر عدواٍ‮ ‬ولا صديقاٍ‮.. ‬لنتراحم‭, ‬لنتفقد الفقراء والبؤساء والأرامل والأيتام‭, ‬لنكسو العاري‮ ‬ونطعم الجائع ونصل الرحم ونتجاوز الخلافات والصراعات والإحن‮.. ‬ليكن رمضان كما أراده الله لنا طاعة وعبادة وقياماٍ‮ ‬وذكراٍ‮ ‬ورحمة وشفقة جميعها ابتغاء مرضاة الله ونزولاٍ‮ ‬عند مقتضى أمره ونهيه‭, ‬لتزداد أرصدتنا في‮ ‬بنوك الله فالحسنة بعشر أمثالها والله‮ ‬يضاعف لمن‮ ‬يشاء والشقي‮ ‬من جاءه رمضان ولم‮ ‬يْغفر له كما جاء عن الصادق المصدوق الأمين صلى الله عليه وآله‮.. ‬نسأل الله عز وجل التوفيق والهداية وأن‮ ‬يجعلنا ممن‮ ‬يستمعون القول فيتبعون أحسنه‮. ‬

قد يعجبك ايضا