التخطيط الحلقة المفقودة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لليمن

التخطيط عملية بحث ودراسة ومتابعة وتقييم وتحليل للظواهر والمؤشرات المستنبطة من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع وبصورة مستمرة أي أنه عمل فني دقيق يتطلب كوادر فنية متخصصة قادرة على تفعيل وتنشيط عمل التخطيط والمتابعة والتقييم داخل وزارة التخطيط وفروعها باعتبارها الجهة المسئولة بحكم القانون عن التخطيط والمتابعة على مستوى السلطة المركزية والسلطات المحلية وإعداد التقارير الشهرية والدورية والسنوية عن المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأثرها على المجتمع والدولة وعلى برامج التنمية واقتراح المعالجات المناسبة ورفعها لأصحاب القرار السياسي لأخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرارات تجاه القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية .
ونتيجة لضعف دور وزارة التخطيط وفروعها في جانب التخطيط والمتابعة والتقييم بسبب غياب الرؤية التخطيطية لدى قيادات وزارة التخطيط المتعاقبة وخاصة بعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية بين الشطرين في عام 1990م والتي شهدت انهيار منظومة التخطيط الاشتراكي والترويج للقطاع الخاص كمسئول عن التنمية بدلا عن الدولة واعتقد كثير من الساسة في العالم الثالث ومنها اليمن أن التخطيط لم يعد له أهمية في إدارة الدولة والتحكم بالموارد وتنظيم استخدامها الاستخدام الأمثل وبما يحقق أهداف التنمية وعدالة التوزيع فقد أدى ذلك إلى عشوائية التخطيط وتشتيت لجهود التنمية ومواردها وانحراف مؤشرات التنمية وضعف مخرجاتها والانشغال بمشاريع الخدمات الأساسية للتجمعات السكانية في قمم الجبال وبطونها في الوديان والسهول وهي تجمعات متفرقة تزيد عن 140 ألف تجمع جميعها بحاجة إلى مشاريع الخدمات الأساسية اللازمة لتهيئة البيئة المناسبة لاستقرار السكان المتعسكرين في قمم الجبال وبمقارنة تكلفة هذه المشاريع الخدمية مع العائد الاقتصادي للتجمعات السكانية نجد أنها تشكل عبئ وعالة على الاقتصاد وبالذات في المناطق الجبلية التي أصبحت مستهلكة أكثر مما هي منتجة وطاردة لرأس المال بسبب ندرة الأرض وضعف فرص العمل وضياع للفرصة البديلة في بناء القطاعات الإنتاجية وإنشاء المدن الحديثة لاستيعاب الزيادة السكانية والحد من الصراع على الأرض في المناطق الجبلية بمعنى آخر عدم التركيز على مناطق الإنتاج وخلق فرص العمل واستقطاب الشباب .
اليمن برغم مرور أكثر من أربعين عاما على تجربة التخطيط مازال يعاني من حالة الجهل والفقر والمرض ومن حالة البطالة وبنسب مخيفة ومقلقة لمستقبل اليمن ويواجه تحديات ومخاطر عديدة داخلية وخارجية تهدد أمن واستقرار المجتمع من هذه المخاطر التطرف والإرهاب في أوساط الشباب العاطلين عن العمل الذين أصبحوا يشكلون قنابل موقوتة لإثارة الرعب والخوف وقطع الطرق وتخريب المصالح العامة للسكان وذلك بسبب ضعف مخرجات التعليم الموجه لبناء الإنسان وتنمية مهاراته وقدراته وغياب دور الدولة في احتضان الشباب وتوعيتهم بأهمية الانتماء للوطن والعمل من أجل النهوض بقدراته وتوفير فرص العمل المناسبة لتشغيل الشباب وإبعادهم عن الأفكار الضارة وأساليب الانحراف ومن المخاطر الأخرى التي لا تقل أهمية عن الإرهاب التوسع بزراعة القات واستهلاكه والأضرار الناتجة عنه على صحة الإنسان وضياع أوقات الشباب وعلى الأرض الزراعية وعلى المياه والبيئة وعلى الأمن الغذائي حيث أصبح السكان يعتمد على الاستيراد الخارجي وبنسبة تزيد عن 90 % من الاحتياجات الغذائية وهذا خطر يتهدد أمن الغذاء في ظل الصراعات الدولية و الإقليمية ومخاوف نشوب الحرب و انعكاس ذلك سلبا على الاستيراد وتعرض البلاد لأزمة غذائية حادة تضاعف من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية .
لقد أثبتت معظم الدراسات العلمية فشل اليمن في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتردي الأوضاع وانتشار مظاهر الفساد في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب غياب السياسات التخطيطية وتعاظم الصراعات السياسية والقبلية التي ضاعفت من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأدت إلى تراجع المؤشرات العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في الإنتاج والادخار والاستثمار والاستهلاك بسبب ضعف مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي وركود النشاط الاقتصادي حيث تراجعت مساهمة قطاع الزراعة والري من 22% عام 1991م إلى 13% عام 2010م وفي الصناعات الأستخراجية ظلت مساهمته ثابتة في الناتج المحلي عند نسبة 13% وفي الصناعات التحويلية تراجعت مساهمة القطاع من 9% عام 1991م إلى 5% عام 2010م وفي الخدمات الكهربائية والمياه تراجعت المساهمة من 1% عام 1991م إلى 0.7% عام 2010م وهذا يبين ضعف وهشاشة مساهمة القطاعات الغير نفطية في النشاط الاقتصادي الذي يعتمد حاليا على العائدات النفطية وبنسبة تزيد عن 60% في الموازنة العامة وفي الصادرات 95% من إجمالي الصادرات فأين التخطيط وأين التنمية ¿ مع العلم بأن اليمن مازالت بكر في جميع القطاعات وفرص الاستثمار واعده بشكل كبير في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية واستغلالها مرهون بوجود دولة النظام والقانون التي تأخذ بنظام التخطيط والمتابعة ذات المرجعية الواحدة لتحديد أولويات التنمية في بناء الاقتصاد وتطوير قطاعاته الإنتاجية والخدمية لأن التنمية لا تقاس بعدد المباني و المنشآت التي يتم تنفيذها وإنما تقاس بمؤشرات التغير في معدلات النمو للقطاعات الإنتاجية والخدمية من حيث الزيادة في إنتاج السلع والخدمات وزيادة حجم الادخار والاستثمار ورفع المستوى المعيشي للسكان وهذا ما لم يحدث في تاريخ اليمن الحديث الذي تضاعف سكانه ولم تتضاعف إنتاجيته وما زال يناضل من أجل الوصول إلى دولة النظام والقانون التي تحفظ له حريته وكرامته ويكافح من أجل القضاء على مظاهر الفقر والجهل والمرض التي تتضاعف في أوساط المجتمع ويبحث عن الأمن والاستقرار الضامن الحقيقي لنهضة اليمن وتطويره .

قد يعجبك ايضا