الثورة/قاسم الشاوش
أحيا اللبنانيون أمس الذكرى الـ74 للاستقلال الذي يصادف الـ22 من نوفمبر من كل عام وسط ترقب للاجواء وغموض حيال مستقبل البلاد خاصة بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أعلن تراجعه عن استقالته التي كان قد أعلنها من العاصمة السعودية الرياض التي اجبرته على تقديم الاستقالة بهدف جر لبنان إلى مواجهة سياسية خطيرة قد تؤدي إلى التصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي إضافة إلى إعطاء إسرائيل الاذن بالحرب على لبنان.
وتأتي هذه الاحتفالية للمرة الأولى بعد عامين ونصف من سد الفراغ الرئاسي الذي شهده لبنان وجاء بعد تفاهمات سياسية خلطت الأوراق وأعادت النظر بالاصطفافات السياسية.
شهدت الاحتفالية عرضاً عسكرياً بحضور الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري.
وقال الحريري خلال مشاركته أمس الأربعاء باحتفال عيد الاستقلال الوطني، إنه عرض استقالته على الرئيس اللبناني ميشال عون وتمنى علي التريث في تقديمها لمزيد من التشاور في خلفياتها السياسية “فأبديت تجاوبا”.
وألقى الحريري من القصر الجمهوري في بعبدا كلمة مكتوبة قال فيها: “في هذا اليوم الذي نجتمع فيه على الولاء للبنان واستقلاله كانت مناسبة لشكر الرئيس على عاطفته النبيلة وعلى حرصه الشديد على الوحدة الوطنية ورفضه الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف. وأتوجه من رئاسة الجمهورية بتحية تقدير وامتنان إلى جميع اللبنانيين الذين غمروني بمحبتهم وصدق عواطفهم، وأؤكد التزامي التام بالتعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته من الحروب والحرائق وتداعياتها على كل الصعد”، وتابع قائلا : “عرضت استقالتي على فخامة الرئيس الذي تمنى علي التريث في تقديمها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها فأبديت تجاوبا مع هذا التمني، أملا في أن يشكل حوارا يعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب”.
وأضاف الحريري: “أخص بالشكر الرئيس نبيه بري الذي أظهر حكمة وتمسكا بالدستور والاستقرار في لبنان وعاطفة صادقة تجاهي شخصيا. إن وطننا يحتاج في هذه المرحلة من حياتنا إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر، لذلك علينا الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية وعن كل ما يسيء إلى العلاقات مع الأشقاء العرب.
ويعتبر هذا اليوم تخليداً لذكرى حكومة الاستقلال الوطنيّة، التي سعت وناضلت لإطلاق سراح رئيس الجمهوريّة في ذلك الوقت بشارة الخوري، ورئيس الحكومة اللبنانيّة رياض الصلح، إلى أن تمّ لهم ما أرادوا في صباح الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1943م، وتحقيق الاستقلال الكامل بعد جلاء الانتداب الفرنسي عن أراضيه.
تاريخ استقلال لبنان
في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد أن بدأت فرنسا تسترسل بالطغيان والسيطرة على المراكز الحساسة مما جعل الحكومة اللبنانية سنة 1943م تتقدم إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع. وفي 21 أيلول من السنة نفسها فاز الشيخ بشارة الخوري وأصبح رئيسا للجمهورية وألف حكومته رياض الصلح وأعلنوا الاستقلال التام وحولت مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي واعتبر هذا القرار تحديا “ساخرا” للمفوض السامي مما جعله يأمر بتعليق الدستور وأرسل ضباطا إلى رئيس الجمهورية فاعتقلوه مع رياض الصلح وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين مثل عادل عسيران، كميل شمعون، عبدالحميد كرامي وسليم تقلا وحجزوهم في قلعة راشيا. عندها قام رئيس المجلس النيابي آنذاك صبري حماده وبعض النواب باجتماع مصغر في قرية صغيرة هي بشامون وألفوا حكومة مؤقتة ورفع العلم اللبناني الذي تكون من ثلاث أقسام الأحمر، الأبيض وفي الوسط ضمن اللون الأبيض شجرة أرز خضراء.
ومع شعور اللبنانيين بأن الانتداب الفرنسي تحول إلى احتلال، وفوز الشيخ بشارة الخوري برئاسة الجمهورية بتاريخ 21 أيلول 1943م وتأليف حكومة برئاسة رياض الصلح أعلن الاستقلال التام، وعمدت الحكومة الجديدة إلى اعتماد اتفاق غير مكتوب بين المسيحيين والمسلمين، يعبر عن صيغة عيش مشترك بين اللبنانيين ضمن لبنان الحر المستقل. وقد انبثق هذا الميثاق من خطاب بشارة الخوري، ومن البيان الوزاري الذي ألقاه رياض الصلح أمام النواب.
وتضمن الميثاق المبادئ الآتية:
– لبنان جمهورية مستقلة ترفض الحماية الاجنبية او الانضمام الى أي دولة عربية.
– لبنان وطن لجميع اللبنانيين على تعدد طوائفهم ومعتقداتهم وهو جزء من العالم العربي.
– لبنان موطن الحريات العامة يتمتع بها اللبنانيون على أساس المساواة.
– يتخلى المسلمون عن المطالبة بالوحدة أو الاتحاد مع الشرق العربي، وفي المقابل يتخلى المسيحيون عن المطالبة بالحماية من الغرب الاجنبي.
إحالة مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي
واعتبر في حينها تحديا للمفوض السامي الذي علق الدستور وأمر باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين أمثال عادل عسيران وكميل شمعون وعبدالحميد كرامي وسليم تقلا واحتجزهم في قلعة راشيا. فقام رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة وبعض النواب باجتماع مصغر في بشامون جنوب بيروت وشكلوا حكومة موقتة ورفع العلم اللبناني، فأعلن الاستقلال بتاريخ 22 تشرين الثاني 1943م وأطلق المعتقلون وتم الاعتراف به في 1 كانون الثاني 1944م وتم جلاء القوات الفرنسية في 31 كانون الأول 1946م وفي عام 1947م انتسب لبنان إلى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة وتميز تاريخ لبنان منذ الاستقلال بتقلبات سياسية متكررة وفترات من الاستقرار والتزعزع المتوالية، كان أبرزها:
حرب 1948م:
وبعد مرور سنتين على الاستقلال شارك الجيش اللبناني في حرب 1948م ضد القوات الإسرائيلية، وقد أدت الحرب إلى تهجير الفلسطينيين الذين نزحوا إلى لبنان والتجؤوا إلى مخيمات اللاجئين في كل المناطق اللبنانية.
حرب 1967
اندلعت حرب 1967م بين الكيان الإسرائيلي من جانب ومصر وسوريا والأردن من جانب آخر وأدت إلى استيلاء الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان. ودفعت ببعض الفلسطينيين بتأسيس فصائل مقاومة عرفت بالفدائيين. وكان للفدائيين متحمسون في المخيمات الفلسطينية في لبنان وبين المسلمين والفلسطينيين. وكان أول شهيد للمقاومة هو اللبناني خليل عز الدين الجمل الذي أجج الحماس عند اللبنانيين المسلمين لمناصرة العمل الفدائي.
اجتياح الكيان الإسرائيلي للبنان 1982م:
وفي 6 حزيران 1982م، قام الکيان الإسرائيلي باجتاح لبنان واحتل بيروت في محاولة لإيقاف القوات الفلسطينية من مهاجمة الأراضي الفلسطينية المحتلة. تدخل العالم لإيقاف العمليات مما دفع الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا لإرسال قوت فصل.. وخلال هذا الاجتياح وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا وبرزت المقاومة الإسلامية في لبنان “حزب الله” وبدأت بتأسيس مجموعاتها القتالية ضد الكيان الإسرائيلي.
المقاومة الإسلامية
وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان أنشأت المقاومة الإسلامية في لبنان قيادة مجموعات عسكرية قامت بتنفيذ العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان والبقاع الغربي بجدية وفعالية عالية. وقامت المقاومة بتوجيه ضربات موجعة للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان والميليشيات العميلة والتي عرفت بميليشيا انطوان لحد.
وفي ذات السياق استطاعت المقاومة الإسلامية ان تواجه عدوانا إسرائيليا واسعا عام 1993م على كل قرى الجنوب وكانت المعادلة تقضي باستمرار انهمار الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة طالما استمر العدوان الإسرائيلي. بعدها وفي عام 96م حققت المقاومة الإسلامية نصرا آخر بعد عدوان نيسان عندما حاول الکيان الإسرائيلي تغيير معادلة الصواريخ وبعد عمليات وضربات متوالية اضطر جيش الاحتلال لإخلاء مواقعه في منطقة جزين عام 99 م كمقدمة للاندحار عن جنوب لبنان بشكل شبه كامل عام 2000م، مع بقاء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر تحت الاحتلال، واحتفاظها بعدد من الأسرى اللبنانيين وأجساد الشهداء.
حرب تموز 2006م وهزيمة الكيان الإسرائيلي:
وفي عام 2006م ومع نمو قوة حزب الله العسكرية وتنفيد الأخير لعملية اسر جنديين لمبادلتهما بالأسرى وأجساد الشهداء، تذرع الکيان الإسرائيلي بالعملية وقام باعتداء غير مسبوق على لبنان مستهدفاً المدنيين والبنى التحتية، ودارت حرب لمدة 33 يوما أظهرت خلالها المقاومة تفوقا كبيرا في البر والبحر والجو وصدت الهجوم الإسرائيلي الذي لم يحقق هدفا اعلنه وهو الوصول إلى مياه نهر الليطاني.
وبعد 33 يوما انسحبت القوات المعتدية واضطر عدد من القيادات العسكرية إلى الاستقالة وبينهم رئيس الأركان موشيه يعالون، وصولا إلى استقالة رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي ايهود اولمرت على خلفية تقرير فينوغراد عن الحرب على لبنان وتبين في خلاصته عدم استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب وتضارب القرارات والهزيمة.
ولا يزال اللبنانيون حتى يومنا هذا يحتفلون بعيد الاستقلال ليعلنوا أن لا مكان للمحتل على أراضيهم ومؤكدين ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وأن عهدا جديدا بدأ مع بروز المقاومة الإسلامية التي كبدت الكيان الإسرائيلي خسائر فادحة وطردت الجماعات التكفيرية من أراضيها في الآونة الأخيرة. فمجد لبنان سيؤرخ عزا واباء بفضل دماء جيشه الباسل ومقاوميه الذين سقطوا دفاعا عن الوطن وحاربوا الانتداب الفرنسي والكيان الإسرائيلي وطردوا التكفيريين.