المستعمر البريطاني “بالأمس” والسعودي -الاماراتي “اليوم”وجهان لعملة واحدة

الباحث والكاتب السياسي الدكتور يوسف الحاضري لـ”ٹ”:

¶ نفس سياسة التدمير الممنهج والقصف العشوائي لإخضاع الشعب اليوم استخدمها الانجليز في جنوب الوطن
كما سقط رهان المستعمر في تغريب التعليم بالماضي سيسقط اليوم
أثبتت ثورتا 14 أكتوبر و21سبتمبر السقوط الأخلاقي للأمم المتحدة
يسعى المستعمر دائما إلى تمزيق الأوطان لكن في نهاية المطاف ينتصر أصحاب الأرض
لقاء/ محمد مطير
تعرف الثورات بأنها عبارة عن تحرك شعبي لأبناء المنطقة الجغرافية المعنية بالثورة لتغيير واقعهم السياسي أو الاقتصادي أو الديني أو تغييرهن جميعا ، وقد تكون ضد حاكم ينتمي للأرض نفسها, مثل ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م, حيث ثار الشعب لتغيير الحاكم ونظام الحكم، أو ضد حاكم دخيل لا ينتمي للأرض وجاء بجحافله العسكرية ليبسط نفوذه على الأرض مستغلا ثرواتها وأرضها لصالح وطنه الأصل مثل ثورات الوطن العربي منتصف القرن الماضي, ومنها: ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963م, ضد الاستعمار البريطاني وهذه الأخيرة هي الأكثر انتشارا وحدوثا كفطرة إنسانية ترفض البقاء تحت حكم وسيطرة الغير ممن يستغلهم ويستغل أرضهم وثرواتهم ، وهناك ثورة تقام ضد الحاكم الذي ينتمي للأرض ولكنه يخدم الدول الأخرى على حساب الأرض والإنسان الذي ينتمي إليه ويسمى غالبا (الحاكم العميل), والذي تتدخل معه بالقوة الدول التي هو عميل معها لتحمي سلطته, وهذا ما حصل في ثورة الـ21 من سبتمبر2014م ، فهل هناك ترابط بين ثورتي 14 أكتوبر و21 سبتمبر؟ وما أوجه التشابه والتباين بينهما؟ وماذا يعني الاحتفال بثورة أكتوبر والجنوب اليمني تحت الاحتلال؟ وهل هناك تشابه في أعمال المستعمر البريطاني قبل 54 عاماً والمستعمر السعودي الإمارتي اليوم؟ وكيف كان موقف الأمم المتحدة من ثورة الماضي وكذا ثورة الحاضر؟ هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها الكاتب والباحث في الشؤون الدينية والسياسية الدكتور يوسف الحاضري, في سياق اللقاء الصحفي التالي:
ماذا يعني الاحتفال بيوم الـ 14 من أكتوبر, خاصة وعدن اليوم تقبع تحت الاحتلال الأجنبي من جديد؟
– يوم الـ 14 من أكتوبر 1963م كان يوما عاديا مثل بقية الأيام، ويعد الاحتفال به من منطلق قدسيته الثورية, لتحرك الجماهير في جنوب اليمن, لطرد المحتل الأجنبي المتمثل (ببريطانيا العظمى), والتي بسطت سيطرتها على تلك المناطق عبر احتلالها في يناير 1839م, والذي استمر حوالي (125عاما) حتى الـ14 من أكتوبر1963م, وبهذا اليوم انطلقت شرارة الثورة من جبال ردفان ، ولهذا السبب نال هذا اليوم قدسيته في قلوب أبناء جنوب اليمن خاصة واليمن ككل عامة فأصبح عيدا رسميا يحتفل به اليمنيون كل عام منذ تلك اللحظة وحتى اليوم، ولكن اليوم يثار تساؤل بلا إجابة وهو: هل مازال هذا اليوم يمتلك نفس القدسية التي كان يمتلكها قبل سقوط هذه المناطق تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني بثياب سعودي إماراتي في يوليو 2015م ؟
ظل الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن نحو (قرن وربع القرن) ما السبب من وجهة نظرك باختصار؟
– كما هو معروف للجميع أن الأهداف العامة والخاصة لأي احتلال لا يخرج عن الاستفادة من ثروات الأرض المحتلة وتطويع شعبها للخدمة, وتستخدم الدول المحتلة كل الطرق والأساليب لضمان بقاء سيطرتها أطول فترة ممكنة, من خلال الاستفادة من تجارب تاريخية سابقة أدت لخروج المحتل بسببها، ولعل أهمها تلك الأساليب والتحركات هي ما تتعلق بالبنية الدينية والفكرية والثقافية والمجتمعية لتلك الشعوب. لذا لم تغفل بريطانيا في فترة احتلالها لجنوب اليمن أن تشتغل على هذه العوامل الهامة فاستطاعت أن تبقى كثيرا (قرن وربع القرن) من خلال تعاملها بتركيز ودهاء على هذه الأمور التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان، فسعت إلى التعميم العام للمناهج الدراسية في كل المناطق, لضمان إبقاء الشعب تحت سيطرتهم الفكرية, والثقافية, والدينية, والسياسية . وقد راهنت على تغريب التعليم لتضمن جيلا جديدا يأتي بعد 30 أو 40 عاما يتنكر بشكل كبير لهذه العوامل فيصبح أكثر خضوعا من الجيل السابق, وهذا ما يحاول المستعمر اليوم القيام به من خلال فرض الحصار الاقتصادي ونقل البنك المركزي إلى عدن مما أدى إلى توقف المرتبات … ولكن العملية التعلية ستستمر وستنجح بفضل تكاتف الخيرين من أبناء والوطن…
من المعلوم أن عدن شهدت تطوراً ملحوظاً من قبل المحتل على حساب إهمال المناطق الأخرى كليا, لماذا؟
نعم سعت بريطانيا لأن تنمي المناطق الهامة استراتيجيا كمدينة عدن وميناءها الاستراتيجي عالميا, فوفرت فيها الخدمات, ونظمتها, وأنشأت شبكات صرف صحي, ومياه, واهتمت بملاهي السكان, وشواطئها, وملاعبها الرياضية, حتى أن نادي التلال الرياضي أول نادٍ عربي ينشأ تقريبا في 1902م, حيث يعتبر من أقدم وأعرق الأندية عالميا, وهو نادي ريال مدريد الأسباني ، وبالمقابل أهمل المستعمر وبشكل كبير جدا بقية المناطق المحتلة, لأنها لم تكن ذات جدوى اقتصادية له, وإنما استخدمها كحزام حامٍ للمناطق الإستراتيجية, وكخط أول للدفاع عنها من اي غزوات تأتيها من جهة تلك المناطق, كمحافظتي لحج والضالع اللتين تحدان أراضي اليمن الشمالي (في تلك الأيام) من جهة تعز وإب, ومحافظة أبين التي تحد محافظة البيضاء, ومحافظتي شبوة وحضرموت اللتين تحدان محافظة مارب, وهذه المناطق شكلت حزاما أمنيا لسواحل جنوب اليمن التي احتلتها بريطانيا ، فاستفادت منها ولكن أهالي هذه المحافظات لم يستفيدوا من الاحتلال لا على المستوى التنموي, ولا على المستوى الاقتصادي…
كانت بداية التحركات الشعبية والشرارات الثورية قد انطلقت من مناطق الحزام الأمني المهملة من قبل المستعمر, لماذا؟
– كما هي وضعية أي مستعمر عبر التاريخ حيث يسعى دائما إلى الاهتمام بموطن الأصل من خلال استغلال الأراضي المحتلة خاصة عندما تكون الأرض التي احتلها متجذرة عبر التاريخ ومرتبطة بشعبها ارتباطا مصيريا لم تتغير كينونيتها على الإطلاق كما نتكلم عن (اليمن) ، فازداد الظلم والطغيان على أبناء المناطق الجنوبية خاصة المناطق التي استخدمتها بريطانيا كحزام حامٍ للمناطق الإستراتيجية حيث كان الوضع المأساوي يزداد فترة بعد أخرى, لذا نجد أن بداية التحركات الشعبية والشرارات الثورية انطلقت منها، هذا من جانب, ومن جانب آخر, أنه نشأت حركات تحررية مناهضة للاحتلال في جنوب اليمن, خاصة في المناطق الأكثر إهمالا من الاحتلال البريطاني خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فقوبلت بالقمع العسكري لها, مما دفع بكثير منهم للجوء إلى المملكة المتوكلية اليمنية (اليمن الشمالي آنذاك), والتي مازالت محتفظة بقيمها ومبادئها وفكرها وثقافتها, فانعكس ذلك إيجابا على النفسية الثورية للثوار ، لذا نجد ان انطلاق شرارة تحرير الجنوب جاء بعد حوالي عام من ثورة 26 سبتمبر في الشمال .
هل كان للمستعمر أعوان من أبناء الوطن يقفون معه لمحاربة ثوار 14 أكتوبر 1963م كما هو اليوم؟
– لقد ناضل الشعب اليمني في جنوب اليمن خلال فترة ثورته التي بدأت في 14 أكتوبر1963م وانتصرت بخروج آخر جندي من الأراضي اليمنية في 30 نوفمبر 1967م, بعد حوالي4 سنوات من النضال والتضحيات, التي استخدم الثوار فيها شتى الوسائل والأساليب في سبيل ذلك, فقاموا بعمليات فدائية, وبتحركات مسلحة, ومواجهات عسكرية, وتمردات مؤسسية وعسكرية, سقط على إثرها أكثر من 2100 شهيد ، ولم يكن الجيش البريطاني فقط الذي يدافع عن بقائه كمحتل, بل استخدمت بريطانيا مرتزقة من أبناء الوطن وشكلت منهم جيشا ليقاتل في سبيلها وحفاظا على مصالحها مستخدمة مصطلحات ورؤى مختلفة تدعي أن هذه الحركة الثورية ليست في صالح الوطن والمواطن, وأن من مصلحتها بقاؤها تحت السيادة البريطانية ، وهذا ما وجدناه اليوم خلال هذا العدوان. وأيضا كان هناك مرتزقة ينتمون إلى الأرض نفسها, ويحملون جنسيات يمنية, يطلق عليهم جيش الجنوب العربي , وبهذا يتضح لنا لماذا تسعى شرذمة اليوم للانفصال وإطلاق نفس المسمى على الدولة المنفصلة الجديدة: دولة الجنوب العربي, ومن وراء هذه التحركات للمستعمر. ولكن وبعد أن شعر المرتزقة ممن يطلق عليهم الجيش الاتحادي أو جيش الجنوب العربي, قرب خروج المحتل أنضم إلى الثورة والثوار بعد 4 سنوات من محاربتهم ومعاداتهم وذلك في 5 نوفمبر1967م ، وهذا ما سنجده حاصلا عند اقتراب انتصار اليمن على التحالف السعودي الأمريكي الإماراتي الصهيوني والذي أصبح قاب قوسين أو ادنى, فهل يعي المرتزقة ذلك؟.
هل هناك تشابه في أعمال المستعمر البريطاني قبل 54 عاماً والمستعمر السعودي الإمارتي اليوم؟
– استخدمت بريطانيا مرتزقة من دول أخرى تقبع تحت احتلالها, تحت مسمى الجيش البريطاني, لذا رأينا الإفريقي (عاجي وسوداني وغيرهم) وأيضا رأينا الهنود يتواجدون جميعا في المناطق المحتلة, لحماية المندوب السامي وحكومته, عوضا عن المواجهات العسكرية المباشرة خلال النضال الثوري ، وهذا ما نشاهده اليوم من قيام التحالف باستئجار جيوش ومرتزقة في عدوانهم على اليمن؛ الهادف إلى قمع ثورة الـ21 من سبتمبر . وكذلك استخدمت بريطانيا جنيف كمحطة للمحادثات بين ثوار الـ14 من أكتوبر وبريطانيا ، والآن قد استخدمت مرتين كمحطة للمحادثات بين ثوار الـ21 من سبتمبر ومرتزقة العدوان كما لجأ المحتل البريطاني إلى سياسة التدمير الممنهج, والقصف العشوائي للممتلكات, والقرى, والمدن, لترهيب المجتمع, لتمنعه من إيواء أو مساندة أو الانضمام إلى الثوار, ولكن كل ذلك لم يفلح ولم يؤت تأثيره ، وهذا ما نشاهده اليوم خلال العدوان على اليمن من قبل دول التحالف بقيادة السعودية وما تقوم به من قتل وتدمير وحصار . والأهم من ذلك أن بريطانيا كانت قد جزأت الجنوب إلى عشرات السلطنات والإمارات, ثم أنشأت تجمعاً فيدرالياً إتحادياً أسمته (إتحاد الجنوب العربي) منطلقة من الإدعاء بأن مصلحة الوطن هي هذه التشكيلة الجغرافية, ولكنها تلاشت جميعها بعد جلاء آخر محتل من ارض الوطن ، وهذا ما تسعى إليه دول التحالف وأمريكا وبريطانيا نفسها من تجزئة اليمن إلى 6 فيدراليات متناحرة تمهيدا لتقسيمها ولكنها أيضا ستبوء بالفشل والخسران كما باءت من قبل .
تقييمك لموقف الأمم المتحدة من ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963 وثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م؟
– عكست ثورتا الـ 14 من أكتوبر والـ21 من سبتمبر بطء التحرك الأممي تجاه قضايا الأوطان الفقيرة ، حيث أن الصمت المطبق اليوم من قبلها تجاه ما يتعرض له اليمن منذ 934 يوما كان نفس الصمت المطبق عليها خلال ثورة الـ14 من أكتوبر حيث ظلت متفرجة على تلك المجازر والكوارث التي قامت بها بريطانيا ومرتزقتها في الجنوب لأكثر من 700 يوم فلم تعترف بمشروعية تحرك الشعب المسلح ضد بريطانيا إلا في 1965م.
هل يوجد ارتباط فكري بين ثورة 14 أكتوبر وثورة 21 سبتمبر؟
– ارتبط فكر الثورتين خلال فترة التحدي الأكبر (عدوان بريطانيا سابقا وعدوان التحالف حاليا) بالتركيز الحذر على المرتزقة في الداخل فسعت دائما (ومازالت ثورة 21 سبتمبر تسعى حتى اللحظة) للقضاء على اي محاولة داخلية قد تضر بالتحرك الثوري ضد المعتدين ويستفيد منها المعتدي .
ما هي دروس ثورة 14 أكتوبر التي يجب على ثورة 21 سبتمبر الاستفادة منها؟
– خلال فترة 54 عاما منذ انطلاقة ثورة الـ14 من أكتوبر حصلت عدة متغيرات وأحداث جعلت من هذه الثورة أن تصل في يوليو 2015م إلى آخر محطاتها لتلفظها بدخول أول محتل إلى نفس الأرض من نفس المكان الذي خرجت منه ، ولعل أهم هذه الدروس هي :
– التذكير المستمر تذكيرا عمليا وفكريا وثقافيا للشعب ولأبنائه ولأحفاده بأسباب قيام الثورة وكيف الوضع قبل قيامها والتضحيات التي قدمت لأجلها وكيفية المحافظة عليها ، فلو قام الثوار بنقل هذه الأحداث عبر كل وسائل التواصل مع المجتمع سواء الإعلام أو المسرح أو عبر التعليم أو عبر الأفلام, لما وصلنا اليوم إلى جيل عكس جيل 1963م, يرى في المحتل الأجنبي محررا ومساندا ومحبا ليقعوا في الفخ بسهولة.
– استيعاب درس أنه لن يفيد الوطن إلا أبناء الوطن أنفسهم وأن الشعوب دائما قوية ومنتصرة وتمتلك عقولاً يمكنها أن تنهض بالأوطان دون الحاجة للدول الاستعمارية الكبرى حتى وإن تقربت إليهم لابسة ثياب المحب الناصح تارة أو شاهرة سلاح القاتل المرعب تارة أخرى ، فالأرض تبقى للشعب مهما كانت التضحيات ، فلو لم تلجأ انظمة ما بعد الاستقلال إلى دول أخرى كالإتحاد السوفييتي ثم تلجأ في هذه الفترة لدول الخليج (مندوبي أمريكا وبريطانيا في المنطقة ) لكانت بقيت مستقلة قوية, ولما كانت سقطت بيد الاحتلال مرة أخرى وبأيدي أبنائها هذه المرة والذين يتسابقون إلى تقديم دمائهم حفاظا على هذا الاحتلال .
– تكثيف الدروس للأجيال وتغذية كتبهم وعقولهم بأن الدول الاستكبارية العالمية الإجرامية دول تقوم على أساس استعباد الشعوب واستغلال ثرواتها, وينطبق الوضع على وكلائها من حكام العرب ، ونشر فكر الحب والمؤاخاة بين أبناء الوطن الواحد شماله وجنوبه شرقه وغربه, بالاستناد على العدالة الاجتماعية الحقيقية لكي لا ينتج لنا جيل يرحب بالعدو الخارجي ضد الأخ الداخلي, كما حصل في يوليو 2015م عندما سقط الجنوب بمساندة أيدي ابنائه في يد الاحتلال البريطاني الأمريكي بثياب سعودي إماراتي.
كلمة أخيرة؟
– في الأخير أطرح على الجميع سؤالا “هاما” فيه الكثير من الصراحة والمكاشفة: الـ14 من أكتوبر والـ30 من نوفمبر اكتسبا مكانتهما وقدسيتهما من تحرك الشعب ضد المحتل الخارجي ، لذا ستزول المكانة والقدسية هذه بزوال السبب ، فهل الوضع الحالي في الجنوب يعطي مؤشراً على انتهاء هذه القدسية والمكانة لتلك الأيام؟ فننتظر حتى يتم التحرك الثوري ضد المحتل فنجعل ذلك اليوم بديلا ليوم الـ14 من أكتوبر, ويوم خروج آخر محتل من اليمن يوما بديلا لـ30 من نوفمبر ، فهل احتفالاتنا هذه عبارة عن احتفالات على أطلال مضت أم احتفالات حقيقية ؟

قد يعجبك ايضا