حسب النظام
عبدالكريم احمد الديلمي
“حسب النظام” , “لا مانع وحسب النظام” , وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن نفس المعنى, والتي أصبحت دارجة بل ولا تكاد تخلو أي معاملة إدارية من هكذا أوامر, مع أني لا أفضل تسميتها أوامر.
فكثيراً ما نشاهد ونقرأ هذه الجملة وغيرها في كثير من المعاملات الإدارية, فإذا كان لديك معاملة أو قمت بتقديم مذكرة أيا كان غرضها للمسؤول الإداري الأول في أي جهة, من المحتمل انك ستشاهده يكتب هذه الجملة, فماذا تعني “حسب النظام” وهل من الضروري كتابتها في كل المعاملات والتوجيهات؟ وفي حالة عدم كتابتها, هل يعني ذلك مجازاً تجاوزاً للنظام؟ وهل الحرص على كتابتها في كل أمر يتضمن الهروب من المسؤولية أو عدم المعرفة الإدارية, أو عدم معرفة النظام نفسه؟ وإذا كان يفترض بأن المدير وجميع العاملين يعرفون النظام ويطبقونه بشكل يومي ومنذ سنوات, إذن فلماذا يتم كتابتها؟ في هذه المقالة ساحاول قدر الإمكان الإجابة عن كل التساؤلات السابقة.
“حسب النظام” تعني ان يتم إكمال المعاملة أو التنفيذ وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها في الجهة أو المؤسسة.”حسب النظام” أو “لا مانع حسب النظام”, لا غبار عليها إن كان يقصد بها تطبيق الأنظمة واللوائح، وأن الموافقة هي موافقة مبدئية بشرط ألا تؤدي إلى تجاوز تلك الأنظمة، ولكن الإفراط في استخدامها بهدف عدم تحمل المسؤولية يجعلها مفرغة من مضمونها، لتغدو مجرد «كليشة» أو بصمة توضع على المعاملات ولكنها لا تحمل أي توجيه محدد للموظف الذي وُجِّهت له عبارة لا مانع حسب النظام!
ويروى من باب الطرافة أن هذا النوع من الإداريين لو أراد رد السلام أو تشميت عاطس أو السماح لأحد موظفيه بدخول “الحمام” لسبق ذلك كله أو بعضه عبارة لا مانع حسب النظام؟!
وإذا ما تم عرض حل استثنائي على مسؤول من جماعة “لا مانع حسب النظام” لموضوع يقع ضمن صلاحيته لاعتماده بطريقة استثنائية لصالح العمل، فإنه يتمسك حتى آخر رمق بعبارة “لا مانع حسب النظام”، فإذا جاءت المعاملة إلى الجهة التنفيذية لن تستطيع إنهاء إجراءاتها لأن العرض يتطلب موافقة استثنائية والتوجيه يعطي موافقة “حسب النظام”، وعندها يدور بين الموظف التنفيذي وبين صاحب المعاملة جدال خفيف أو عنيف، لأن صاحب المعاملة يظن أنه يستطيع اكمال المعاملة بحسب التوجيه “حسب النظام” بينما يرى الموظف -ومعه حق- أن كلمة حسب النظام قد نسفت طلب الاستثناء.. وأعادت المعاملة إلى نقطة الصفر، وكان يجب على ذلك المسؤول أن يُقرر إن كان موافقاً على طلب الاستثناء فيكتب على المعاملة عبارة «لامانع».. فقط لاغير، أو يكون غير موافق فيكتب عليها توضيحاً صريحاً يتضمن عدم موافقته على طلب الاستثناء, ولكن ذلك ما يحصل في الحياة الإدارية بسبب عدم الرغبة في تحمل المسؤولية ربما لعدم الجدارة بها أصلاً.. وكم من الأمور والمعاملات تتعطل أو يلعب بها الموظفون التنفيذيون -على كيفهم- لأن صاحب القرار في إدارتهم لا يريد تحمل أية مسؤولية.
وقد يرى البعض ان من يستخدم “حسب النظام” في كل التوجيهات التي يصدرها إنما هو عاجز عن اتخاذ القرار ، ويستخدمها الواثق بأن من حوله سينفذها (حرفياً) ، وبالتالي توحي بأنها تقول للموظفين : انجزوا هذه المعاملة على راحتكم..
ومن ناحية أخرى يمكن ان يُنظر لاستخدام هذه الجملة من منظور عدم الوثوق في المنفذين, بحيث أن كتابتها تلزم الموظف ان يلتزم بالإجراءات القانونية الرسمية, بحيث أن عدم كتابتها قد توحي للموظف ان يقوم باتخاذ إجراءات غير رسمية أو غير قانونية لإكمال المعاملة.
المحزن أنها جملة “حسب النظام”هي الأكثر تردداً على الأوراق ، والمفرح أنها تضعف وتصاب بالهشاشة ، ثم تتكسر وتتلاشى أمام صاحبة الفخامة.. اعني أمام كلمة “يتم” , “يُصرف”… التي فيها قوة وبريق آسر ، لا أحد يستطيع الوقوف أمامها ، أو حتى يحاول وضع العراقيل في مجراها ، لذا يحبها الكثير من الناس ويبتهجون حين يرونها تزين أوراق معاملاتهم ، وأظن أنها ستستمر “حسب النظام” معنا إلى ما بعد عصر التكنولوجيا ، ويستخدمها الموظف والمسؤول عندما يمرّ بمأزق فني صعب.. أي يستخدمها إذا كان لا يفقه شيئاً في الإجراءات ، ويريد أن ينهي المشكلة على نحو يحفظ ماء وجهه ، فهي جملة لا فائدة منها ، ولا داعي لها البتة ، لأنها أشبه بالجريمة الفادحة على الاوراق الرسمية ، والسبب في ذلك أنه ليس هناك من يسير على (حسب غير النظام).. وكفى!
والأمر الآخر, عندما تخرج المعاملة من مكتب المسؤول الأول بعبارة “حسب النظام” يقوم المدراء الآخرون بكتابة “للعمل بحسب التوجيه” وهكذا تمر المعاملة من مدير إلى مدير بهذه العبارة إلى ان تصل إلى المختص “قاعدة الهرم الإداري” لينفذ التوجيهات فهو أكثر شخص يعرف النظام, وبدلاً من هذا كله, وبدلاً من مرور المعاملة لعدد كبير من المدراء, ينبغي أن تقدم المعاملة للمستوى الإداري الأوسط بدلاً من انتظار المسؤول الأول ليكتب “حسب النظام”.
من المعروف أن الإدارة علم وفن في الوقت عينه, وجاءت العلوم الإدارية لمساعدة ومساهمة دعم الجانب الفني، لتصبح الإدارة مزيجاً متناغماً بين العلم والفن، ومع هذا يغفل كثيرون الجانب الفني كونه العنصر الإبداعي، ويتم التركيز على الجانب العلمي الذي يتسم غالباً بالجمود ولكنه أساساً في بعض العمليات الإدارية.
في الوزارات والجهات الحكومية غالباً يتم تعيين بعض المسؤولين في المناصب القيادية في الإدارات العليا والوسطى دون وعي واهتمام بالجانب الإبداعي في العمل الإداري، وهنا تكمن أغلب المشكلات الإدارية التي تظهر للسطح نتيجة اختلال في وعي ومعرفة الممارسة الإدارية, ويمكن أن يقدم أي شخص نصيحة لأي مسؤول بأنه إذا تورط في أي معاملة يكتب عليها: لا مانع حسب النظام! فهذه الجملة تبين انه لا يمانع وفي الوقت نفسه المعاملة تسير حسب النظام، وهكذا يحمي نفسه إدارياً ومالياً من أي عواقب! فإذا كانت الأوامر الصادرة من المناصب القيادية تسير وفق العبارة أعلاه فهذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى مدراء وقيادات بل روبوتات آلية!
وفي الأخير, في اعتقادي أن إصدار التوجيهات يجب أن يكون واضحاً وصريحاً, ويوضح للمنفذين ماذا يعملون, والمدير الفذ هو من يستخدم “حسب النظام” في المعاملات الروتينية التي تتطلب إجراءات رسمية وقانونية, أما حل المشاكل فيتطلب إجراءات أخرى, وقد تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية, ولا ينطبق عليها عبارة “حسب النظام”
مدرس بكلية العلوم الإدارية جامعة ذمار