تجربة حركة التحرر الوطني الفيتنامية . ( 10 )
عبدالجبار الحاج
من المهم تسليط الضوء على التطورات السياسية التي كانت تحث فيها فرنسا الخطى بالحاح، عازمة على الوقوف على أمرين متناقضين في آن معا ، فأما الظفر بالمعركة الأخيرة أو التجهز للانسحاب المذموم والمذل كما رأينا في استسلام قائد معركة ديان بيان فو في مايو 54 وهو ما تناولناه في حلقة سابقة من استعراضنا لتلك المعركة الفاصلة .
في موازاة استعار المواجهات بين ألفيت منه والفرنسيين وتحديدا حول منطقة ديان بيان فو ، كانت فرنسا تسابق الزمن محاولة الركوب على فرسين ..
كانت تراهن على نجاح خطتها المحبوكة على أغراء قد يجر الفيت منه إلى الفخ المنصوب وهو الفخ الذي أدركه جياب وحوله إلى مرقب يسقط فيه الفار الفرنسي بكل جيوشه المتعدد الجنسيات من المرتزقة الأجانب والمحليين .. وتلك الخطة التي أغوت الفرنسيين في حيلة أغراء جياب و محاولة استدراجه إلى الفخ التي قلبها جياب إلى كاسا من العلقم تجرعتها فرنسا سما وذاقت مر الهزيمة التي مثلت إيذانا بأنتها الهيمنة الاستعمارية الفرنسية ليس في فيتنام وحدها بل في مختلف مناطق العالم ..
* تطورات سياسية في مؤتمر جنيف وفي مختلف عواصم الدول المشاركة في المؤتمر وفي مسار متوازي مع المعارك العسكرية الضارية في منطقة ديان بيان فو ..
في فبراير 1954، أثناء لقاء وزراء خارجية الدول الأربع (الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، في برلين،
بذلت فرنسا كلّ ما في وسعها؛ لإدراج مشكلة الهند الصينية في المباحثات السابقة على مؤتمر جنيف؛ بهدف إيجاد تسوية سياسية عاجلة للحرب الفيتنامية. وعلى الرغم من أنه كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن توافق على هذا الطلب نتيجة لتهديد فرنسا بالانسحاب من مجلس الدفاع الأوروبي ، فقد أصدر مجلس الأمن القومي الأمريكي بياناً حثّ الإدارة الأمريكية أن تستخدم كل الوسائل الممكنة، للتأثير في الحكومة الفرنسية، حتى لا تنهي الصراع بشروط واتفاقيات تتعارض مع الأهداف الأمريكية الأساسية». واختتم بيانه بإضافة تأكيد واضح «أن وجود نظام غير موال للغرب، في فيتنام سوف يحوّل البلاد، في النهاية إلى يدي هوشي منه، والشيوعيين، من دون أيّ فرصة لإحلال الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة المتحدة بريطانيا محل فرنسا في المنطقة».
في أبريل 1954، كتب الرئيس آيزنهاور إلى ونستون تشرشل يخبره أن فرنسا يجب أن تمنح فيتنام الجنوبية الخاضعة لباو داي استقلالاً حقيقيا . حتى لا يبدو التدخل الأمريكي في منطقة الهند الصينية نوعاً من الاستعمار وأنه يجب على حلفاء واشنطن الغربيين ولا سيما بريطانيا العظمى، إظهار استعدادهم لمشاركتها، عسكرياً، في تدخّلها المباشر؛ لأن هذا «سوف يقدم مبرراً أخلاقياً حقيقياً للمغامرة، حتى لا تبدو المغامرة مثالاً فظاً للاستعمار الإمبريالي». وجنباً إلى جنب مع ضغطها على الحلفاء، أعدت واشنطن استعداداتها الفعلية للتدخل المسلح، فعلياً. )
وقد تمخضت مفاوضات جنيف، بعد تعثّر، بقرارات، حاولت التوفيق بين وجهات النظر، أدرجت في وثيقتَين:
الأولى: اتفاقية وقف إطلاق نار، وقعتها فرنسا وفيتنام الشمالية، في 20 يوليه .
(كانت هناك اتفاقية مماثلة، فيما يخص لاوس وكمبوديا).
الثانية: تصريح ختامي، لم يوقعه أحد وصدر بطريقة لا تجعله محضراً للمؤتمر بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة الصين الشعبية في توقيع وثيقة دولية.
لم يوقع اتفاقية الهدنة، بين فيتنام الشمالية والقيادة العسكرية الفرنسية لجيوش فيتنام الجنوبية ولاوس وكمبوديا الملكية، سوى هذَين الطرفَين، بصفتهما المتحاربين الرئيسيين في الساحة. ولم ترِد أيّ إشارة فيها إلى دولة، تسمى فيتنام الجنوبية، أو فيتنام الشمالية؛ وإنما اقتُصر على الإشارة فقط إلى جمهورية فيتنام الديمقراطية؛ ودولة فيتنام الفرنسية، برئاسة باو داي .
وسوف ترفض حكومة فيتنام الشمالية الاعتراف ببنود هذه الاتفاقية، فيما بعد أثناء تفاوضاتها مع الأمريكيين؛ متعللة بأن حكومة باو داي لم تكن شرعية ولم توقع الاتفاقيات بنفسها وقعها عن الجانب الفرنسي الجنرال هنري دلتيل نيابة عن الجنرال بول إيلي رئيس هيئة الأركان الفرنسية. ووقعها عن الجانب الفيتنامي (تاكوانج بو ) ، نيابة عن الجنرال فونجوين جياب وزير الدفاع. وقد تضمنت الاتفاقية 27 بنداً تفصيلياً، كان أهمها ما يلي:
1. وقف إطلاق النار، وتحديد خط الهدنة جنوب خط العرض 17 . وهو تحديد مؤقت إلى أن يمكن توحيد البلاد، بعد إجراء استفتاء وانتخابات عامة؛ كما نص التصريح الختامي.
2. إعادة تجميع القوات المتحاربة وتنظيمها، في منطقتَين رئيسيتَين: الفيتنامية شمال الخط المذكور، والفرنسية جنوبه. مع وضع برنامج زمني لعمليات التجميع في الأقاليم والمناطق الداخلية، في فترة لا تجاوز ثلاثمائة يوم، من تاريخ سريان الاتفاقية.
3. منع الطرفَين من الحصول على إمدادات حربية من الخارج، بقصد تعزيز قواتهما؛ وعدم إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في فيتنام؛ والحظر على شطرَي فيتنام الانضمام إلى الأحلاف العسكرية.
4. منع استخدام أيٍّ من المنطقتَين منطلقاً لاستئناف عمليات عدائية أو انتقامية، فردية أو جماعية ولتجنّب ذلك، يتعين المسارعة خلال 25 يوماً، من تاريخ سريان الاتفاقية إلى سحب أيِّ قوات أو إمدادات أو مؤن، من منطقة خط وقف إطلاق النار المحددة.
5. تحديد يوم 18 مايو 1955 موعداً أخيراً، لانتقال المواطنين الفيتناميين إلى المنطقة، التي يرغبون العيش فيها؛ على أن يدير الشؤون المدنية في كِلتا المنطقتَين، الطرف صاحب القوات، التي تتجمع فيها.
6. تكوين لجنة رقابة دولية ، ثلاثية، تضم ممثلين للهند، وبولندا، وكندا؛ يرأسها المندوب الهندي. تتولى الرقابة على تنفيذ الاتفاقية، والإشراف على الانتخابات العامة في شأن توحيد شطرَي فيتنام.
7. لا يُسمح لأيِّ شخص، عسكرياً كان أو مدنياً بعبور خط وقف إطلاق النار، إلا بتصريح خاص، واضح، من اللجنة المشتركة.
أمّا أهم نص، تضمنه البند 14 من الاتفاقية، فيقرر ضرورة إجراء استفتاء في فيتنام، في 20 يوليو 1956 لتوحيد شطرَيها على أن تتشاور سلطاتهما في ذلك، بدءاً من 20 يوليو 1955. وأعلن البيان الختامي للمؤتمر أنطوني إيدن ، وزير خارجية بريطانيا، الذي رأس جلسته الختامية.
في الجلسة الأخيرة لمؤتمر جنيف، في 21 يوليو 1954، تلت رئاسة المؤتمر النتائج التي توصل إليها المؤتمر، وتتكون من وثيقتَين:
الأولى: تتعلق بترتيبات وقف إطلاق النار، وفصل القوات. وهي الوثيقة الوحيدة، التي وقعت في 20 يوليو. وتشمل اتفاقات عسكرية، بين القيادة الفيتنامية العسكرية والقيادة الفرنسية العسكرية لجيوش فيتنام الجنوبية ولاوس وكمبوديا الملكية. ولم يوقع هذه الاتفاقية سوى طرفَين، الفرنسيين والفيتناميين؛ بصفتهما المتحاربَين الرئيسيين في الساحة. أما وفود فيتنام الجنوبية ولاوس وكمبوديا، فلم يطلب أحد توقيعها. عن الجانب الفرنسي، وقع الجنرال ديلتيل، نيابة عن الجنرال إيلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة. وعن الجانب الفيتنامي، وقعها تاكوانج بو، نيابة عن الجنرال وزير الدفاع.
الثانية: وتمثل الجانب السياسي. جاءت على شكل بيان ختامي للمؤتمر. وهذه لم يوقعها أحد. وجرى التصويت عليها بطريقة «تفقد الأعضاء» ولم يعترض عليها سوى الوفد الفيتنامي الجنوبي. أما الوفد الأمريكي، فقد أبدى تحفظه فقط!
وفي الجلسة الختامية أخذت الوفود الحاضرة علماً بأن الاتفاقية العسكرية، قد وقعها الطرفان المتحاربان.
الاتفاقية العسكرية
اهتمت الوثيقة العسكرية بمسائل ترتيب وقف إطلاق النار، وشؤون فصل القوات، والشروط العسكرية للمرحلة التالية. ويمكن إيجاز بنود الاتفاقية في الموضوعات التالية، التي نصت عليها:
– الموافقة على وقف إطلاق النار، وجعْل خط العرض 17، شمالاً، خطاً للهدنة العسكرية.
– إعادة تجميع القوات المتحاربة وتنظيمها، في منطقتَين رئيسيتَين: الفيتنامية، شمال الخط المذكور؛ والفرنسية، جنوبه
– وضع برنامج زمني لعمليات التجميع في الأقاليم والمناطق الداخلية، في فترة لا تتجاوز 300 يوم.
– منع إنشاء قواعد عسكرية جديدة، أو إدخال تعزيزات عسكرية، أو أشخاص، أو أسلحة أو ذخائر أو تجهيزات.
– منع استخدام أيّ من المنطقتَين منطلقاً لاستئناف عمليات عدائية، أو سياسية عدوانية؛ ومنع الإجراءات الانتقامية: الفردية والجماعية.
– عدم إنشاء قواعد عسكرية أجنبية، أو انضمام أيّ من المنطقتَين إلى تحالف عسكري؛ مع تحديد السلطة الإدارية المؤقتة في كلّ منطقة.
– تشكيل لجنة رقابة دولية ، تشرف على تنفيذ وقف إطلاق النار. وتضم ممثلين عن الهند وبولندا وكندا، على أن يرأسها المندوب الهندي.
– تحديد 18 مايو 1955 موعداً أخيراً لانتقال المواطنين الفيتناميين إلى المنطقة، التي يرغبون في العيش فيها؛ على أن يدير الشؤون المدنية في كلّ من المنطقتَين الطرف صاحب القوات، التي تتجمع فيها.