كتب/ صادق هزبر –
البوساني والبديجي والمنصوري أشهر أنماط “المنمنمات” الفضية في اليمن
امتاز الحرفيون اليمنيون بالمهارة في إنتاج الحلي من الذهب والفضة ومارسوها منذ عصور موغلة في القدم حيث تم اكتشاف حلي أثرية تعود إلى العصور السبئية والحميرية صْممت بتصاميم مختلفة كحلي الزينة أو تعاويذ صنعوها من مواد ومعادن مختلفة ورسموا عليها الكثير من الزخارف والنقوش الدقيقة كما كانت مصوغاتهم تْقدم هدايا للآلهة وتيجان للملوك وأوسمة ونياشين للقادة وتقول الأخت أمة الباري محمد العاضي رئيسة فريق مسح وتوثيق الحرف اليدوية في مدينة صنعاء القديمة في الجزء الأول من الكاتب التوثيقي: لقد تميزت المنتجات الفضية اليمنية بأناقة التصميم ودقة الصنع وجمال الشكل.
وتعتمد في زخرفتها على المنمنمات والنقوش الزخرفية مما جعلها تْدخل البهجة إلى النفس وتشبع رغبتها الروحية في تلمس مواطن الجمال ولذلك كان لابد أن يتوفر في الصائغ الحس الفني إلى جانب المهارة الحرفية وهما السببان اللذان جعلا الصياغة التقليدية اليمنية تواكب حركة تطور المجتمعات على مر العصور وتشبع ذوق خاصة الناس وعامتهم وتقدم لنا القطع الأثرية والموروثات التاريخية شواهد مادية على قدم احتراف اليمنيين لحرفة صياغة الفضة حيث ذكر الأخ عبدالله الثور في كتابه (اليمن قبل الإسلام) أن امبراطور القسطنطينية في القرن السادس الميلادي أرسل وفداٍ لمقابلة الملك الحميري وحينما قابله وجده يقف على عربة تجرها أفيال وهو يرتدي في معصمه أساور من الذهب.
أما القاضي العلامة المؤرخ محمد الأكوع الحوالي فيذكر أن النقود اليمنية الحميرية المصكوكة من الذهب الخالص نْقشِ على بعضها صورة ملك يضع مئزراٍ منسوجاٍ من الذهب حول خصره ويضع أساور ثمينة في ذراعية وقد عْرفت الفضة في نقوش المسند بـ(صرفن) (الصريف) والصريف يعني الفضة الخالصة النقية.
ولا ترصع الحلي اليمنية كثيراٍ بالأحجار الكريمة وإن كان العقيق اليماني والمرجان الطبيعي يحتلان المرتبة الأولى في إضافتهما لبعض العقود واللبات واللوازم يليهما أحجار الكرب والعنبر الطبيعي والشيح.
لمحة علمية تعريفية عن الفضة
تعرف الفضة في حالتها الأولية بأنها معدن أبيض جميل يستخرج من الأرض مثل بقية المعادن ويتميز في حالته الأولية بلونه الرمادي ويكون على هيئة أسلاك صغيرة مماثلة في هيئتها لشكل خصلات الشعر.
ولا يوجد معدن خام الفضة منفرداٍ وإنما يكون مخلوطاٍ ببعض المعادن مثل الرصاص والحديد والنحاس.
وتعتبر الفضة نقية إذا كان نقاؤها يصل إلى نسبة 999 وهي درجة خلوها من الشوائب.
أما تذويبها فيتم عند صهرها في درجة حرارة 900 درجة (فهرنهايت) وعند ذلك يتم صبها في قوالب ويميل لونها إلى اللون الرصاصي وتصبح سبائكها لينة وسهلة الثني وتتطلب بعض أنواع الصياغة خفض عيار الفضة إلى عيار 925 أو 850 أو 750 وذلك بإضافة نسبة من النحاس إليها لتخفيف ليونة الفضة وإكسابها صلابة تسهل عملية تشكيلها والتعامل معها وتحدد النسبة التي يتم إضافتها من النحاس بمقدار 92.5% فضة 7.5% نحاس لتتحول بهذا المزج إلى سبائك قابلة للطرق والسحب للحصول على أعلى نسبة جودة في الصياغة وعملية المزج هذه ضرورية في حالة تجهيز الفضية لعملية الصياغة لأن الفضة النقية 100% لايمكن تشكيلها بسبب شدة ليونتها.
خواصها الكيميائية
أما من ناحية خواص تركيبها الكيميائي فتعتبر الفضة عنصراٍ فلزياٍ أبيض اللون لامعاٍ مرناٍ مقاوماٍ للأكسدة يتحد بالأوكسجين في حالة الانصهار ثم يطرده بعد التبريد.
وقد اشتهرت اليمن بنوعين من الصياغة التقليدية أولها صياغة الحلي بأنواعها المختلفة من الفضة النقية والمعدلة وثانياٍ صياغة ونقش أعمدة الخناجر والجنابي والثوم (التوز) وصدورها.
أنواع وأنماط صياغة الحلي اليمنية التقليدية
صياغة النمط البوساني
وهو نسبة إلى قرية بوسان في محافظة صعدة.
يعتبر النمط البوساني في صياغة الحلي المصنوعة من الفضة أرقى أنواع الصياغة وأغلاها ثمناٍ ذلك لأن أسلوب الصياغة البوسانية متميزة عن غيرها حيث يشترط في الصائغ امتلاكه لمهارة فنية عالية عند تشكيله للحلية ليتمكن من تنفيذ الزخارف النباتية والهندسية بالغة الصغر وذلك باستخدام الجرور الرفيعة فقط حيث يقوم بتنفيذ زخارف على درجة كبيرة من الدقة والنعومة بطريقة تشبيك الجرور وتداخلها دون أن يسندها على (البترة) وهي تسمية لصفيحة الفضة التي تشكل خلفية تستند عليها الزخارف المنفذة في غير نمط الصياغة البوسانية.
ولعل أهم مايميز النمط البوساني أن جميع الحلي التي أنتجت وفقاٍ له تمت صياغتها من الفضة النقية المعدلة فقط بنسبة لا تتجاوز 10% من خام النحاس وتكون نسبة الفضة من 90% إلى 95% وذلك لسهولة تشكيلها على هيئة زخارف نباتية.
صياغة النمط البديجي
يأتي هذا النمط من التصميم في الدرجة الثانية بعد البوساني من حيث نسبة نقاء الفضة –وإن كان لا يقل عنه جمالاٍ- لدقة التصميم والمهارة الفنية التي تميزت بها الحلي والثوم البديجية.
ويختلف النمط البديحي عن البوساني في كونه يعتمد أسلوب زخرفة الفضة وتشكيلها باستخدام الجرور المفتولة في تنفيذ الزخارف التي يتم تشكيلها بترتيبها فوق صفيحة الفضة (البترة) وتلحميها.
وكذلك تستخدم في صياغة النمط البديجي قوالب التشكيل مثل: (المصدقة والدمغة) بطريقة الصب والطرق.
صياغة النمط المنصوري
يأتي هذا النوع من الصياغة في المرتبة الثالثة من حيث نقاء الفضة وفي مرتبة مساوية للبديجي من حيث الدقة الفنية في الزخرفة والنقوش. ويرجع (تاريخ هذا النوع من الصياغة إلى حوالي (القرن الرابع عشر الهجري).
صياغة النمط الشدادي
لم نجد معلومات كافية عن هذا النوع من الصياغة ولكن معظم من رجعت إليهم كانوا يؤكدون لنا أنه نسبة لبني شداد وهي قرية من أعمال خولان صنعاء وتمتاز صياغة النمط الشدادي –حسب تأكيدات الأخ محمد الفقيه – بوجود نجمة سداسية مع استخدام شذرة سداسية والسابعة في وسطها وهي على شكل رباعي وترص في الحلية هكذا: نجمة ثم شذرة ثم نجمة.
أدوات الصياغة التقليدية المِخúرِطِة والدمغة والمصدقة والجاز والدِمúغِة والسفلة والمقص والكلابة والفراص وكلاب خاصة بالجروار وملاقيط مختلفة الأحجام لالتقاط القطع الصغيرة ومبارد مختلفة الأحجام والاستخدامات ومطرقة صغيرة وكلابات والمنفخ.
ويتكون المنفيخ التقليدي من الأجزاء التالية: علبة النحاس والمنفخ والبراخو مضغطة القرضي وحزام الجروار.
مسميات الجزئيات المكونة للحلي الفضية التقليدية
دْقة قْحاط توت بوساني توت بديجي ووسط وطرف ومحفظة محفظة بوساني تخريم ومحفظة شكل بوساني تعلق على العسيب محفظة خاصة بالجيش مزينة بالهلالات والنقوش تفتح من أعلاها لها غطاء نصف دائري يغلق بقفل من الداخل.
محفظة بوساني على شكل مثلث فضة يتوسط الشكل المزخرف فص من الزجاج وعلى الخلف وضع اسم صائغها مزامير وأقراط وحوت ونمائم وعنابش ورفارف العملات النقدية.
*المصدر – كتاب مسح وتوثيق الحرف اليدوية بصنعاء القديمة .. الصادر عن الصندوق الاجتماعي للتنمية..