الشهيد الملصي … وعظمة الشهادة
عبدالفتاح البنوس
العقيد حسن عبدالله الملصي ، القائد العسكري المحنك ، رجل المهمات الصعبة ، للبطولة عنوان ، وللشجاعة والبسالة والإقدام والتضحية والفداء قدوة يشار إليها بالبنان ، يعشق وطنه كعشقه لأرضه وعرضه ، المسؤولية عنده تكليف لا تشريف ، ومغرم لا مغنم ، لا يتخلف عن أداء الواجب الوطني متى ما دعي إلى ذلك ، ومتى رأى أنه يجب عليه التحرك كمواطن يمني ، منذ التحاقه بالكلية البحرية في التسعينيات وهو ينشد لوطنه الرفعة والعزة والشموخ والسمو ، وعقب تخرجه كان الضابط الأكثر انضباطاً والأكثر رغبة في كسب العلوم والمهارات والمعارف ، والأكثر حرصا على ترجمة كافة العلوم والمهارات القتالية والعسكرية التي درسها في الكلية ، وهو ما عزز من قدراته القتالية وصقل موهبته العسكرية الأمر الذي أهله لقيادة كتيبة مكافحة الإرهاب بالقوات الخاصة ، حيث كان الرجل المناسب في المكان المناسب وتمكن خلال فترة وجيزة من تأهيل وتدريب المئات من الجنود ، ونجح في ترك بصماته في الكثير منهم ، وظل على هذه الوتيرة إلى أن شن أحفاد مردخاي آل سعود عدوانهم الهمجي الإجرامي على بلادنا ، حيث هالته مشاهد القتل البشعة والمجازر والمذابح التي يرتكبها هؤلاء الأوغاد ، فقرر التحرك للثأر من القتلة هناك داخل العمق السعودي .
لم يأخذ الإذن من أحد للقتال دفاعا عن الوطن وللثأر من قتلة النساء والشيوخ والأطفال ، فالقسم العسكري الذي أداه والعقيدة القتالية التي تربى عليها ، والروح الوطنية التي يمتلكها ، حرّكته فكان من أوائل القادة العسكريين الذين التحقوا بجبهات الحدود لتأديب آل سعود ، وهناك سطر الشهيد الخالد في القلوب حسن الملصي المكنى ( أبو حرب ) ملاحم وبطولات ، سيسجلها المؤرخون في سفر العظماء ، وستخلد في ذاكرة الزمن ، هناك داخل العمق السعودي ، رسم مخططات المعارك والإقتحامات ، ووضع الخطط للتقدم والمداهمات وكان في مقدمة الصفوف مقاتلا جسورا وفارسا مقداما ، لم تخفه الطائرات ولم ترعبه الدبابات والمجنزرات ، بل كان هو مرعبها ومصدر خوفها ، فكان بمثابة المهندس لجبهات الحدود ، وظل المطلوب الأول لآل سعود بعد أن ذاع صيته ، ووصلت تأثيرات بطولاته وملاحمه إلى مسامعهم عبر جنودهم في جيش الكبسة ، ظل متنقلا بين الجبهات الحدودية مقاتلا ومدربا ومعلما لرفاقه الذين نهلوا من نبعه وساروا على نهجه الجهادي الخالي من كافة أشكال التمظهر والرياء والسمعة .
عرض عليه منصب قائد حرس الحدود ولكنه رفض ذلك ، وفضل القتال في الجبهات ، إيمانا منه بأن المناصب وأهلها عرض دنيوي زائل ، ولا بقاء إلا للأعمال الصالحة ، فكان الجهاد منصبه ووظيفته ورتبته ، وكانت جبهات الحدود ميدانه الذي لطالما صال فيه وجال ، إضافة إلى مهاراته العسكرية وحنكته القيادية فقد كان محاضرا مقنعا رغم بساطة طرحه ، وتواضع وشعبية لغته الخالية من التصنع والتكلف ، فكانت كلماته ملامسة للوجع ، تدخل القلوب دون استئذان ، لكونها مشبعة بالصدق والبراءة ، أصيب لأكثر من مرة وكان يتألم ويحزن كثيرا عندما يسقط أي شهيد من رفاقه ، كونه سبقه للشهادة ، والتي كان ينظر إليها باعتبارها مدعاة للفخر والإعتزاز ،وكان من أشد التواقين لمعانقتها مدافعا عن أرضه وعرضه ، وهي الغاية التي تحققت له ونالها وفاز وظفر بها في الـ 22من سبتمبر من العام الماضي بعد مشوار نضالي حافل ،خلد به اسمه في سفر العظماء ، ليظل الشهيد الملصي الملهم لكل المجاهدين والقدوة لكل الباحثين عن العزة والكرامة والخلود والعظمة .
بالمختصر المفيد، ومما لا شك فيه ان الفراغ الذي أحدثه غياب الشهيد الملصي لن يعوض ،ولكننا على يقين بأن من تربوا على يديه ونهلوا من نبعه وتثقفوا بثقافته وساروا على نهجه ، لقادرون بإذن الله على مواصلة مسيرته واقتفاء أثره والسير على خطاه حتى يتحقق النصر بإذن الله ، وستظل روحه الوطنية ملهمة للمقاتلين من جيشنا ولجاننا للثأر من قتلته والانتقام منهم على كل ما أجرموه في حق شعبنا ووطننا .
الرحمة والمغفرة والخلود للشهيد حسن الملصي وكل الشهداء الأبرار ، والخزي والعار للخونة والعملاء والمرتزقة والمتقاعسين عن الدفاع عن وطنهم وشعبهم ، ولا نامت أعين الجبناء يا أبا حرب .