خواطر مكلوم

 

عبدالفتاح البنوس
حتى اللحظة لم أستوعب ما حصل، فمنذ سماعي بالخبر المفجع، ظننت بأنني أحلم وبأن ما بلغني من أخبار عبارة عن أضغاث أحلام، أو مجرد شائعات سرعان ما سيتضح عدم مصداقيتها، حاولت إقناع نفسي بذلك ولكن نبضات قلبي المتسارعة كانت توحي لي بخلاف ذلك، وسرعان ما خارت قواي ولم أستطع حمل قدماي ولم أتمكن من حبس دموعي، كيف لا وقد تأكد لي نبأ مقتل الأخ العزيز والمجاهد البطل أبو عاهد عبدالرزاق عبدالله مرغم، هكذا تجنيا ظلما وعدوانا لا لذنب اقترفه ولا لجريمة اقترفها سوى أن شقيقه دخل في عراك مع أحد أبناء قريته فأرداه قتيلا، فما كان من أقارب القتيل إلا أن قاموا بالترصد لأبي عاهد ومرافقه وصبوا عليهما وابلا من الرصاص ليفارق أبا عاهد الحياة بعد أن فشل الأطباء في إنعاش قلبه الطيب الذي اخترقته رصاصات الغدر والخيانة، فيما لا يزال مرافقه يصارع الموت، إنها شريعة الغاب، وهذا هو سلوك الحيوانات، وهذه هي الثقافة الجاهلية المقيتة التي يمارسها بعض الحمقى والمعتوهين وقليلي الدين، ممن نزع الله الحكمة من عقولهم، وسلب منهم بصيرتهم، وأعمى الشيطان أبصارهم وطمس على قلوبهم، بالله عليكم ما ذنب عبدالرزاق فيما ارتكبه شقيقه من جرم ؟!، بأي ذنب قتلت نفسه المسلمة الطاهرة البريئة هكذا بكل برود ؟!، أي دين وأي شرع يجيز قتل النفس بدون وجه حق؟!.
لم يكن عبدالرزاق شريراً ولا مجرماً، بل كان مجاهداً صادقاً وفياً، ذهب للقتال في تعز وهناك تم أسره من قبل مرتزقة العدوان وفي الأسر تعرض لمعاملة قاسية ولصنوف التعذيب ومورست في حقه ضغوطات نفسية كبيرة، ولكنه ظل صابراً محتسباً مسلماً أمره لله، وبفضل الله أفرج عنه ورفيق له في عملية تبادل ناجحة للأسرى، وعاد إلى ابنه الوحيد وبناته الأربع وزوجته ووالدته وإخوانه، وما هي إلا أيام قلائل حتى عاد للجبهات للدفاع عن أرضه وعرضه بعزيمة أمضى وإرادة لا تلين، عاد عبدالرزاق ورفيقه في الأسر فكانت الشهادة من نصيب الأخير، وكان الحزن رفيق عبدالرزاق؛ لأن رفيقه سبقه في الشهادة، ونال الفضل الكبير والمقام الرفيع، ولم يكن يعلم ما يخفيه له القدر، وما هي إلا أسابيع وإذا به يلتحق برفيقه، سقط شهيداً بعد أن غدر به وقتل مظلوماً، نعم قتل مظلوماً والتحق بركب الشهداء العظماء ونال ما كان يتمناه ولن يحصد القتلة غير البؤس والشقاء والعذاب والعناء في الدنيا والآخرة، غادرنا الشهيد أبو عاهد فجأة، آلمنا رحيله عنا، وأدمت قلوبنا فاجعة استشهاده، الكل في حالة ذهول، والحزن خيم على الجميع، واللعنات تطارد القتلة وستظل تطاردهم من يومنا هذا إلى يوم الدين.
إلتقيته قبل يومين من استشهاده برفقة نجله عاهد، وسمعت منه الثناء المخلوط بالعتب على منشوراتي الفيسبوكية وأخبرني بأنه يشعر بالحزن والحسرة وهو يقرأ بعض المنشورات لأحدهم وذكره بالاسم وقال بأنه يشعر بالحزن جراء ذلك أكثر من حزنه عندما يصله نبأ استشهاد أحد المجاهدين ، كونه كان يرى بأن الخطر يكمن في تلكم الكتابات والمنشورات التي تهدف لشق الصف الوطني وتفكيك الجبهة الداخلية وتصب في خدمة قوى العدوان ومرتزقتهم ، كان رحمه الله منطلقا بعقل، ومتسلحا بثقافة قرآنية شذبت سلوكه وغيرت له مجرى حياته وحولته إلى شخص مغاير تماما، وكان صادقاً ومخلصاً، حاملاً بين أضلعه رغبة جامحة في الانتصار على أحفاد القردة والخنازير صهاينة العرب آل سعود وكل المتحالفين معهم من العرب والعجم، ولكن رصاصات الغدر والخيانة حرمته من معايشة أجواء الانتصار، تلكم الرصاصات التي منحته وسام الشهادة وحملت له معها الحياة الأبدية بإذن الله هناك بجوار الأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
بالمختصر المفيد فاز الشهيد بالشهادة وحاز على الجائزة الكبرى والوسام المستحق، وخسر القتلة وباءوا بغضب من الله وغضب من الناس، وهنا لا بد من التأكيد على أن تراخي القضاء وغياب العدالة والإنصاف وتدخل القبيلة في حرف مسار العدالة، أحد أسباب هذا النوع من الجرائم، ولا بد من صحوة قضائية تردع أعداء الحياة وتنصف أصحاب الحقوق، وتنتصر لمظلومياتهم وعدالة قضاياهم.
رحمك الله يا أبا عاهد وطيب الله ثراك وأحسن مثواك وجعل الجنة سكناك، ولا نامت أعين القتلة الغدارين الجبناء.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

 

قد يعجبك ايضا