العدوان والحصار

استهدف مقومات بيئة الاعمال وقضى على الموارد ليصنع البؤس ويوسع من دائرة الفقر

تجاوزا حدود الإجرام بإبادة الملايين جوعا
21 مليون جائع و8 ملايين فقدوا اعمالهم ومليون ومائتا ألف موظف بدون رواتب
تحقيق/ حاشد مزقر
أصحاب المهن الحرة والوظائف الحكومية والخاصة ” الفقراء المقهورون المشردون” – الذين يصل عددهم مع من يتولون مسؤولية إعالتهم إلى النصف من سكان المجتمع اليمني- يتمرغون اليوم في صحارى الحرمان من لقمة العيش بعد مضي أكثر من عامين ونصف على العدوان السعودي الذي تسبب في فقدانهم لأعمالهم بعد قيامه بقصف وتدمير البنية التحتية للدولة وتعطيل أعمال الجهات الحكومية وفرض حصار اقتصادي حاد بنسبة 85 % من الواردات وايقاف الصادرات بشكل كلي ونقل البنك المركزي إلى عدن والاستيلاء على جميع الايرادات والتي كانت تؤمن رواتب مليون ومائتي ألف موظف مدني وعسكري وزيادة على ذلك عمد هذا العدوان الغاشم إلى استهداف القطاع الخاص بتدمير المصانع الإنتاجية كما فعل ذلك بمصانع القطاع الحكومي ..كل ما سبق أدى إلى تدهور الحالة الإنسانية حيث أصبح 21 مليون يمني مهددين بالجوع..
صحيفة (الثورة) تستعرض خطورة تفاقم الوضع الانساني وانعكاس ذلك على حياة ومعيشة الاسر اليمنية.. من خلال هذا التحقيق:
كسرت طائرات العدوان السعودي مرايا أمنياتهم ليس في العيش الكريم رغم أنه من حقهم بل في مواصلة الحياة كيفما كان شكلها فحرمتهم من فرص العمل التي كانوا يعتمدون عليها كليا وذلك بتوقف كامل الأنشطة التنموية في عموم المحافظات وكذا فقدان الكثير منهم لرواتبهم التي كانت تعول اسرهم، أكثر من عشرة ملايين يمني يعملون في القطاع الخاص والقطاع الحكومي والمهن الحرة وضعهم العدوان البربري في خانة الفقراء التعساء المنهكين والمنهوبين من كامل الحقوق إلا من الحق في التنفس ومواصلة الحياة.
ضياع فرص العمل
عبدالفتاح العريض شاب في الثالثة والثلاثين من عمره أصبح تائه الفكر وغارقا في الهموم وتحولت الحياة في نظرة إلى لحظات مؤلمة بعد أن فقد عمله في مصنع المرطبات بصنعاء بعدما قصفته طائرات الاجرام السعودي قبل اشهر وهو الآن لا يملك عملا يؤمن له راتبا شهريا يعينه على الاستمرار في الحياة وبحسب تعبيره وقراءة ملامح وجهه الشاحبة والحزينة فإن الصواريخ التي دمرت المصنع لم تنتزع رزقه ومصدر دخله الوحيد فحسب بل انها جعلت أطفاله الاربعة وزوجته يتمرغون الجوع والألم والفاقة ليعيشون في لهيب المعاناة وتعاسة البؤساء، كما يقول عبدالفتاح: العام الماضي كنت استلم راتبي وبعض مستحقاتي من العمل وأذهب انا واطفالي لشراء احتياجاتنا وكنت اشاهد الفرح والسعادة تملأ قلوبهم وكانوا ينتظرون بكل شغف ولهفة آخر كل شهر من أجل ان يطلقوا العنان لفرحتهم ويعلنوها داخل وخارج المنزل في الشارع وفي الحدائق واليوم ونحن في العام الثالث على العدوان اصبحت عاجزا عن تأمين مستلزمات ابنائي ولو بالقدر اليسير فبالكاد أوفر قيمة رغيف الخبز لهم بعد ان تحولت للعمل كحمال في احد الاسواق وحتى اللحظة يعجز لساني في الرد على اسئلتهم وكثرة إلحاحهم علي بأن اشتري لهم بعض المستلزمات الأساسية والمهمة.
كنت أعيش مع أسرتي أياماً سعيدة ومنذ أول غارة للعدوان الذي أحرمنا من تلك الراحة من حينها وحتى اللحظة وبالنسبة لي فقد أحرمني متعة العيش حتى الممات بعد أن فقدت في هذه الحرب أغلى ما أملك وهما ولداي الأكبر والذي يليه وتركا لي ثلاثة من الأبناء كأيتام سيعيشون بعيدا عن ابويهم هذا ما قاله الحاج إبراهيم والذي يبلغ الستين من عمره وهو من اهالي مديرية حرض بمحافظة حجة الحاج إبراهيم لم يفقد أبناءه وحسب بل مصدر دخله أيضا حيث كان له ثلاثة محلات تجارية تم تدميرها بالكامل إثر قصف طيران العدوان للعمارة التي بها المحلات وكما يقول كان يعمل معه اكثر من عشرة عمال جميعهم فقدوا مصدر رزقهم.
العدوان يرسم المجاعة
عمال الأجر اليومي لم يكونوا بعيدين عن دائرة الجوع والحرمان تلك الدائرة التي رسمتها دول تحالف العدوان واقحمت بداخلها الملايين من البشر هذه الشريحة كانت من اكثر الشرائح الاجتماعية تضررا كونهم يعتمدون على الدخل اليومي.. محمد السريحي شاب في السادسة والعشرين من عمره أنهى دراسته الجامعية وانتهى به الحال إلى أرصفة الأعمال الحرة التي يفترشها الكثير من أبناء المجتمع اليمني كان يوسف يشجب حظه ويرثي لنفسه فهو لم يكن ليقتنع يوما بمهنة كهذه ومع مرور الوقت تبين للشاب أن الحظ التعيس الذي كان قد رضي به رفيقا في حياته لم يرض به إلا بأوقات نادرة فكان يستغرق نصف الاسبوع بحثا عن عمل والنصف الآخر يعمل فيه كمساعد بناء ليوفر لنفسه ولأسرته القوت الضروري في الحياة وبينما هو على هذا الروتين المحبط جاء ما لم يكن بالحسبان حيث فقد نصف ايام الاسبوع التي كان يعمل فيها وذلك بعد أن اجتاح سماء الوطن عاصفة الهدم والقلق “عاصفة الموت” وتسببت في شل الحركة في أغلب محافظات الجمهورية وتوقفت أعمال البناء والانشاء وأغلقت الكثير من المحلات التجارية الصغيرة محمد.. ليس الوحيد في هذه المأساة فغيره الكثير والكثير ممن اكتووا بنار الحرمان الذي سببته طائرات العدوان السعودي فالمقاول حميد الجندبي يتحدث عن عشرات العمال الذين كانوا يعملون معه في المشاريع التي ينفذها للدولة فأصبح بعد أن شن العدوان أولى غاراته الاجرامية متوقفا عن العمل ويشير إلى أن ما يبعث على الحزن أكثر على هؤلاء العمال هو أن أغلبهم ممن تقع على عاتقهم أسر كبيرة يتولون رعايتها في الوقت الذي لا يجدون لأنفسهم أي طريقة أخرى لتوفير احتياجاتهم الضرورية..
فقدان فرص العمل
إبراهيم الوجيه ناشط حقوقي مهتم بالجانب الإنساني يصف لنا واقع ما خلفه العدوان وحصاره على اليمن فيقول: منذ أن نشبت أزمة العام 2011م والأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية تزداد مأساتها يوما بعد يوم ورغم ذلك فإن الكثير ممن يعتمدون على المهن البسيطة على الأقل لم يفقدوا لقمة العيش طوال هذه الفترة وظلوا يصارعون الحياة بإصرار وصمود كذلك استمر الموظفون المدنيون والعسكريون في استلام رواتبهم هذا الوضع توقف بعد أن دشن العدوان السعودي غاراته الوحشية على الأراضي اليمنية والذي تسبب في وقف المشاريع الإنمائية في عموم محافظات الجمهورية وبعد ان تم تدمير البنية التحتية والمصانع الحكومية والخاصة وفرضه للحصار الاقتصادي كما تسبب العدوان في نزوح السكان من مناطق كثيرة في بعض المحافظات وعلى رأسها صعدة وعدن وحجة وهو الأمر الذي أدى إلى شل الحركة وبالتالي أغلقت الكثير من المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد الأجر اليومي للعاملين فيها كل ذلك بالتأكيد أدى إلى فقدان الكثير من أرباب الأسر والشباب العاملين في المهن فرص أعمالهم وباتوا اليوم غير قادرين على مواصلة الحياة خصوصا وأن طبيعة أعمالهم المفقودة لم تكن لتوفر لهم مبالغ مالية يدخرونها لأزماتهم فهي بالكاد توفر لهم المصروف اليومي الضروري ..ويشير الوجيه : تجاوز عدد السكان اليمنيين الذين هم في سن العمل 12 مليون نسمة بحسب الإحصائيات الرسمية نسبة المشتغلين منهم حتى لحظة العدوان السعودي حوالي 35 % فقط أي أكثر من 4 ملايين و200 ألف عامل منهم 473 ألفاً تقريبا من عمال المهن البسيطة و138 ألفاً من عمال المصانع والآلات وحوالي 10 آلاف من الحرفيين و292 ألفا من عمال الأسواق والمتاجر بينما باقي النسبة إما عاطلون عن العمل وهم الأغلب أو غير نشطين، وبعد استهداف العدوان للمنشآت الحكومية والخاصة ارتفع عدد العمال العاطلين عن العمل، حيث تذكر تقارير دولية أن أكثر من 70 % من العمال اليمنيين فقدوا أعمالهم ووظائفهم وعند النظر إلى هذه النسبة ومقارنتها بعدد العمال المشتغلين فإن عدد من فقدوا أعمالهم يصل إلى 3 ملايين عامل وبالتالي تصبح نسبة العمال اليمنيين إجمالا أو من هم في سن العمل ولم يحصلوا على فرصة أو فقدوها بسبب العدوان والحصار الاقتصادي حوالي 90 % .. الجدير بالذكر أن أغلب من فقدوا أعمالهم كانوا من أصحاب المهن البسيطة أو عمال الطبقة الدنيا إلى جانب عدد كبير من موظفي القطاع الخاص وعدد آخر من القطاع العام بعد أن أبعدتهم مليشيات العدوان والمرتزقة من اماكن اعمالهم في المحافظات التي يسيطرون عليها إضافة إلى امتناع حكومة الفار هادي عن صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين والذين من بينهم موظفون إداريون لا يدخلون في نطاق الإحصائيات السابقة لكنهم وبعد قطع رواتبهم اصبحوا في اطار من فقدوا مصادر معيشتهم والذين تقع على عاتقهم مسؤولية إعالة الأسر التي يتجاوز تعداد أفرادها قرابة 27 مليون نسمة.
العدوان وصناعة الموت
اعتبر الدكتور ربيع شاكر المهدي رئيس تحرير صحيفة الشرق الاوسط الجديد اليمن منكوبا على مختلف الصعد فالإحصائيات الناتجة عن العدوان السعودي مهولة وكارثية فهناك عشرات الآلاف من الشهداء الأبرياء أغلبهم من النساء والأطفال وهناك 14 ميناء مدمّراً و 15 مطاراً وما يقارب مليون منزل متضرر بسبب غارات الطيران التي استهدفت ايضا وبشكل مباشر عشرات الأسواق علاوة على تدمير القطاع الصحي كما ان هذا العدوان السافر لم يترك المنشآت الحكومية ودمر المئات منها واستهدف أكثر من 6 آلاف منشأة تجارية إلى جانب المئات من المصانع وما زاد الوضع الإنساني كارثية هو وصول عدد المصابين بالكوليرا إلى ما يقارب نصف مليون مصاب توفي منهم ما يقارب الـ 2000 فالشعب اليمني يموت يومياً بالطيران وبالكوليرا وبالجوع والمرض والحصار زد على ذلك توقف مرتبات الموظفين منذ ما يقارب العام كل هذا خلق أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم بحسب تأكيدات المنظمات الدولية والإنسانية وهذه الأزمة الإنسانية انجبت 8 ملايين طفل مهددين بالموت و21 مليون مواطن جائعين و8 ملايين فقدوا اعمالهم واصبحت اسرهم بلا دخل معيشي فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة الى 80 % .
خطورة الوضع الإنساني
تقارير عديدة لمنظمات دولية تحدثت عن تفاقم الوضع الانساني في اليمن بسبب تدهور الحالة المعيشية للمواطنين وضياع فرص العمل التي كانت تؤمن الحد المتوسط لحياة آلاف الأسر اليمنية وعكست تقارير منظمة مكافحة الجوع ومنظمة أكتد ومنظمة ميرسي كور ومنظمة النرويجية للاجئين ومنظمة رعاية الأطفال ومنظمة الإغاثة العالمية الألمانية مدى خطورة الوضع الإنساني في اليمن وهو ما تضمنه تقرير نشرته مؤخرا الأمم المتحدة والتي أعلنت من خلاله عن حاجة (70 % من سكان اليمن) الى المساعدات الإنسانية من بينهم 10 ملايين شخص بحاجة ماسة الى مساعدات منقذة للحياة .

قد يعجبك ايضا