محطات في تجربة حركة التحرر الوطني الفيتنامية “1”

عبدالجبار الحاج

الجغرافيا والموقع لأي بلد أو منطقة يجعل من هذا البلد أو ذاك محل اطماع المحيطين على مر العصور أو الأقوياء البعيدين كما هو حال عصرنا..
فقد كانت فيتنام محل أطماع وغزوات واحتلال فقد تعرضت للاحتلالات الهندية والصينة والمغولية وطائفة من الدول القوية الطامعة .
إن الموقع الاستراتيجي الذي حباه الله به أي بلد أو منطقة قد تكون فيتنام وقد تكون اليمن أو مصر أو كوبا .على سبيل المثال .فإنه ما لم تدرك شعوب هذه البلدان أهميتها ومواردها وتتسور بكل أسباب القوة للدفاع عن مجالها وتتسلح بكل أسباب الاستغلال الأمثل لمواردها ومواقعها تظل هذه المناطق والشعوب تدفع أثمان موقعها دون ان تنال من نعمة الموقع توظيفا واستغلالا ورفعا للقوة وتوسعا لمجال أمنها القومي في مداه الجغرافي الكامل .
من المهم الإشارة إلى أصل التسمية للمنطقة بالهند الصينية تأتي من تناوب محن التاريخ وتتابعها أكان ذلك من أحداث التاريخ الوسيط أو القديم ووقوع فيتنام مرات لا حصر لها بيد الغزو والاحتلال القادم من جارتيها الحضارتين الكبريين الصين والهند ..وتلك التسمية، فيما جرى استخدامها وتطبيقها على الجغرافيا في المرحلة الامبريالبة الاستعمارية مرات مختلفة وفق دواعي ومسوغات الحاجة فالتسمية قد استخدمت لفترات طويلة للجغرافيا التي تضم خمس فيدراليات أرادتها فرنسا أن تضم ثلاث فيدراليات تضم جنوب ووسط وشمال فيتنام إضافة إلى لاووس وكمبوديا ومرات اهرى ولفترات وجيزة استخدمت على منطقة الجنوب الفيتنامي.
ثم إن الحاجة الموضوعية للخوض في التجربة الفيتنامية مرده من التشابه في بعض الوجوه .
فبلد فقير وبلد ذو اقتصاد زراعي متخلف وسكان من الريف الفلاحي الفقير ..ثم هي بلد صغير وكثافة سكانية فستون مليوناً في الخمسينيات ينحشرون في مساحة لا تتعدى 331 ألف كيلو متر مربع وعرضة للاحتلالات والغزوات والوصاية وأنظمة مغروسة تقيم على الولاء منذ الملكيات وحتى الجمهورية في جنوبها على وجه الدقة
وهي مع ذلك بلد ذات مسافات تعد بآلاف الكيلومترات على الساحل الممتد شرقا وجنوبا منها وجزر وخلجان .
أوجه الشبه مع اليمن :
ولأن اليمن تعيش اليوم وضعا تاريخيا مشابها لحالة فيتنام منذ الأربعينيات واليمن تواجه مرحلة تاريخية لا يمكن ان تستعيد جغرافيتها وحضورها الطبيعي إلا بأن تتخذ من تجربة الثورة والوحدة والتحرر والسيادة في فيتنام مجالا للتعلم والاستفادة والقياس عليه في أمد النضال ..فمفاهيم التحرير والسيادة والوحدة في تحربة فيتنام وفي تطبيقاتها على الممارسة العملية الميدانية تشكل دقة في القياس عليها، فموضوع السيادة مثلا اتخذت قيادة فيتنام ان تتعامل بحساسية بالغة إذ لم تقبل أي إملاء مقابل دعم في محنتها حتى أنها اختلفت بحدة مع الصين أو السوفييت إلى درجة ترفض فيها الحصول على الدعم السخي مقابل أي املاء حتى أنها اصطدمت مع الصين وواجهت حربا محدودة مع الصين أو أنها آثرت العلاقة مع يوغسلافيا جوزيف بريز تيتو على ان تقبل مجرد إيحاء من السوفيت . وواجهت ذات المعضلة ابان الخلاف الصيني السوفيتي في السبعينيات .
انني ابذل قصارى جهدي في تأصيل جهد استراتيجي، فنحن اليمنيون طال الوقت ام قصر مضطرون للأخذ به والاتعاظ والدرس بما يلائم خصوصية الحالة اليمنية الراهنة التي تواجه فيه طغيان العدوان والاحتلال ومع وجود اطراف سياسية تتهاوى يوما بعد يوم في ميدان ودهاليز التسويات الخيانية والتفريطية علها تحظى بالقرب فقط من حظوة العدوان ورضاه ومنحها سلطة تحت رحمته واحتلاله المباشر .
قال فو نجيين جياب :
( عقب نجاح الثورة، أدرك الحزب خطر عدوانية الاستعماريين الفرنسيين، حتى في إعلان الاستقلال، وقسمهم على ذلك. وطولب الحزب برفع درجة الاستعداد، وحث الشعب على التأهب للدفاع عن الوطن. لقد اشتعلت الحرب العدوانية للاستعماريين الفرنسيين في سايجون، بينما لم تكن سلطة الشعب قد قويت شوكتها بعد. وواجهتها صعوبات جمة في كلّ المجالات. فضلاً عن التهديدات الخارجية المحدقة بها؛ فلا تزال اليابان تملك قوات ضخمة؛ وجيش شانج كاي شيك، لا يزال متمركزاً في الشمال، ويبذل أقصى جهده لإطاحة سلطة الشعب. أما في الجنوب، فالقوات البريطانية، احتلت البلاد حتى خط العرض 16، وحاولت مساعدة الفرنسيين وحثهم على توسيع نطاق حروبهم.
كذلك، كان توقيع الاتفاق المبدئي، في 6 مارس 1946م، بين فرنسا وقواتنا، نتيجة لهذه السياسة الصحيحة والإستراتيجية الموفقة. وبموجب موافقتنا، أمكن جزءاً من الجيش الفرنسي التمركز في مواقع معينة، في فيتنام الشمالية؛ لكي يقدم العون لجنود شانج كاي شيك.
وبمقتضى الاتفاق المبدئي، نفذنا سياسة “صنع السلام من أجل التقدم إلى الأمام” في البداية وكان سبب ذلك وجود عناصر إيجابية مبشرة في الحكومة الفرنسية. ولكن كان من الضروري التصدي للاتجاه الإمبريالي الفرنسي، الذي كان أصحابه أعداء لشعبنا كلّه، ويصرون على استمرار الغزو والاحتلال الفرنسي. ومن ثَم، كان لا بدّ من توحيد الشعب الفيتنامي بأسره: جميع الطبقات الثورية والعناصر الوطنية؛ بهدف دعم الجبهة الوطنية المتحدة، وتوسيع نطاقها. وقد حقق حزبنا نجاحاً كبيراً في سياسة توحيد الشعب. لقد وضع الرئيس هوشي منه شعاراً أساسياً: “الوحدة، الوحدة، الوحدة الشاملة. النجاح، النجاح، النجاح التام ) .
عقب الاجتياح الياباني الشامل في شرق وجنوب شرق آسيا عام 40م وخروج فرنسا المهزومة من فيتنام بالاحتلال الياباني إذ وقعت جراء الاحتلال الياباني لتضع فرنسا بما في ذلك عاصمتها باريس تحت الاحتلال وإعلان حكومة فيشي الموالية للألمان من جهة ومن ثم إعلان حكومة المنفى برئاسة ديجول . واثر هزيمتها تلك كان خروجها من فيتنام خلال فترة الاحتلال الياباني أمرا وقرارا فوق إرادة فرنسا .
ثم ان قضية تحرير فيتنام من الاحتلال أكان الياباني أو الفرنسي عقب استسلام اليابان وهو الاحتلال الفرنسي الجاثم على ارض وشعب فيتنام منذ القرن الثامن عشر أو وضع فيتنام تحت الاحتلال والانتداب الفرنسي في التاسع عشر إلى حين انخراط هوشي في خضم معركته كانت مسألة تحرير فيتنام وتوحيدها هي قضية هوشي منه الأولى ..
أسس هوشي منه .في هونج كونج الحزب الشيوعي الفيتنامي عام 1930م كإطار لتنظيم وخوض معاركه السياسية أو تلك المتصلة بحروب التحرير الوطنية الطويلة الأمد . وهكذا صارت وامتدت مسافتها الزمنية كما قدرها هوشي منذ البداية إنها معركة طويلة ..

 

قد يعجبك ايضا