معاقو العدوان.. مأساة وتحدٍ وطني

> رويدا العروس: قنبلة عنقودية بددت كل أحلامي وجعلتني رهينة شبح الإعاقة
> عمار: غارة استهدفت منزلنا ليستشهد أفراد أسرتي وأنا حي ومعاق
> حمران: 3800 معاق جراء العدوان والعدد في تزايد.. الحاجة ماسة للرعاية والتأهيل
> بن حفيظ: علاج المعاقين من أهم أولويات وزارة الصحة ونعمل على تخصيص ودعم مراكز خاصة لعلاجهم وتأهيلهم

تحقيق/ أسماء البزاز
ما ان دقت ساعة الصفر معلنة الحرب العدوانية الشرسة على بلادنا في السادس والعشرين من مارس 2015م من قبل العدوان السعو أمريكي بدأت المآسي الإنسانية تخيم في منازل اليمنيين ، وكل يوم تزداد أرقام الشهداء والجرحى والمعاقين وتشتد التداعيات الإنسانية التي تضغط على اليمنيين ومعيشتهم في ظل استمرار عدوان وحصار جائر بكل المقاييس الإنسانية والمعايير الدولية.
ونظرا لاستمرار العدوان وحصاره الظالم الذي دخل عامه الثالث قفزت أرقام المعاقين في ظل منع وصول الأدوية والمستلزمات الطبية وتفاقمت المعاناة وتطلب الأمر أن يتحول العمل الميداني من عمل فقط في الميدان إلى عمل مؤسسي يعنى بالمعاقين ورعايتهم وتأهيلهم من خلال جهد جماعي رسمي ومجتمعي ..الثورة تسلط الضوء على أوضاع معاقي العدوان..ما هي معاناتهم..وماذا يقدم لهم؟
رويدا ذات الخمسة عشر ربيعا، فتاة بعمر الزهور ، كانت بشوق ولهف تستعد ليوم زفافها، وتحلمُ بفستانٍ أبيض تكونُ فيه مكتملةَ الجمال وبأبهى حُلة لتدخلُ بيتها الجديد.
وقبل موعد زفافها وبدلاً من أن تُزف وتدوس على أطراف فستانها الأبيض داست رويدا على “قنبلةٍ عنقودية” بعثرت الحلم الوردي وبترت ساقها.
رويدا فتاة قروية من رازح كانت تقضي وقتها مع صديقتها في جمع الحطب ورعي الأغنام وتسلق الجبال. كانت حياة رويدا بسيطة وسعيدة ولكنها تحولت الى تعاسة بعد ان فقدت ساقها وتوقفت عن ممارسة حياتها الطبيعية.
واليوم قالت رويدا الجريحة بألم وغصة محال أن يميحها الزمن: الحمدلله ..أُلغي عُرسي، ولكن أصبح لدي رجل صناعية ، فسقطت دمعةٌ نقيةٌ على حروفها كقطرات الندى على زهرة لم تتجاوز الخمسة عشر ربيعا.
معاق آخر سلب العدوان منه قدمه اليسرى و منزله وجميع أفراد أسرته
عمار اليوسفي (8 سنوات) ، لم يعلم عمار أن القدر يخفي له ألماً وجرحاً عميقاً سيعيش معه طيلة عمره، ففي السادس والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، استهدفت غارة منزل عمار التي فقد فيها أسرته المكونة من والده ووالدته وأخته وأخيه.
كانت عائلة عمار تستعد لأداء صلاة المغرب وبعدها تناول العشاء ولكن الغارة كانت أسرع فسلبت من عمار عائلته قبل الصلاة وقبل العشاء. سُلبت من الطفل عمار السعادة, فقد فقد رجله اليسرى وتُرك وحيدا لا أحد يعتني به.
بعد الغارة، تم إسعاف عمار إلى المستشفى القريب من منزله المدمر في الحديدة مديرية المراوعة وتم هناك بتر رجله.
عمار قصة من مئات القصص التي حدثت بسبب العدوان وبحاجة ماسة للمساعدة.
وفي زاوية أخرى من هذا البلد المكلوم جراء هذا العدوان الغاشم سرعان ما تحولت الضحكات إلى صرخات ، بعد ان هطلت الشظايا كمطرٍ غزير على منطقة نقم بعد استهداف الجبل بقنبلة عنقودية راح ضحيتها أكثر من 89 شهيدا و 290 جريحا وفقا للمصادر الرسمية, حيث كانت فيها مناسبة متواضعة بمناسبة قدوم مولود جديد.
ذهبت أسماء(35) عاماً مع طفليها لتبارك لصديقتها ارتزاقها بالمولود الجديد. لم يخطر ببالها أن هذه الزيارة ستسبب لها حزنا دائماً. كان منزل صديقتها قريباً جدا من جبل نقم. كانت سعيدة مع صديقتها وجميع الأطفال من بينهم طفليها يلعبون في الغرفة المجاورة. سرعان ما تحولت تلك الضحكات إلى صراخ .. أطفالي.. هرولت أسماء بخوف إلى الغرفة المجاورة لكن شظايا الصواريخ أسرع منها حيث سلبتها طفليها وعينها اليمنى.
تم إسعاف الجميع للمستشفى و تمت معالجة الجرحى من بينهم أسماء التي فقدت عينها ولكن بدون فائدة فقد تمنت لو أنها رحلت مع أطفالها.
الأم المفجوعة
وأما المعاقة حمدة الأم التي فُجعت في زوجها و أحفادها الثلاثة ، بعد ان كانوا في منزلهم آمنين ، المنزل من الطين وسقفه من قش يقع في حباب صرواح قرية معزولة عن السياسة و معزولة عن بهرجة الأرض لم يكن مغرياً ذلك المنزل الصغير بل كان لرجل لا أرض يملكها ولا وظيفة لديه سوى رعي عشر من أغنامه وتجميع الحطب ليبتاعها فوق سيارة هيلوكس.
كانت يداه تغزلان الحكايات وتولد من معصمه روايات جديدة وأصابع تتشقق دما لتجني الريال ، يبزغ الفجر كعادته في حباب وفي ذلك البيت الصغير لتجد الكل يتسابق لإطعام الأغنام وجمع الحطب الزوجة والأب والأبناء.
وفي مطلع هذا العام 1-1-2017 في الوقت الذي تحتفل كل شعوب العالم الآخر بمراسم الدخول للسنة الجديدة كانت طائرات العدوان في اليمن ترتب لاحتفال آخر وتقدم الغارات هدايا تبعثر أجساد الأطفال وآبائهم لتحولهم إلى دمى ممزقة منهم من فارق الحياة ومنهم من أصابته الجروح ، ومنهم من عاش أسير الإعاقة. ..
في السياق أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان على لسان وكيل قطاع الطب العلاجي ان حصيلة الضحايا المدنيين جراء العدوان بلغ أكثر من 28 ألفاً و450 شهيداً وجريحاً ومعاقاً .
وأشار إلى أن إجمالي الإعاقات ألف و650 إعاقة.
مؤسسة الجرحى
من جانبه أوضح رئيس مؤسسة الجرحى قاسم الحمران أن آخر الإحصائيات التي وصلت المؤسسة من مصادر معتمدة عن المعاقين تقول أن إجمالي عدد المعاقين وصل 3800 منها 240 حالة شلل رباعي وحوالي 800 تعرضت لإصابة في الدماغ أدت إلى حالة شلل نصفي و 840 حالة بتر و 600 حالة من الإعاقات السمعية و 530 حالة من الإعاقات البصرية كما أن هناك 380 حالة إصابات في العمود الفقري أدت إلى شلل في الأطراف السفلية و 450 إعاقة عصبية وأوتار. وأضاف “هذا ما هو مثبت لدينا واحتمال أن يكون العدد قد تزايد وهذا مما لا شك فيه مادام العدوان مازال قائما ومستمراً على هذا البلد الحبيب”.
وقال حمران أن المؤسسة تقوم بتقديم الخدمات للمعاقين ورعايتهم، وتوفير كافة احتياجاتهم من تغذية وأدوية ومستلزمات طبية خاصة بالمعاقين بالإضافة للأجهزة المساعدة من عربات سريرة وكهربائية وغيرها، وكذلك تأهليهم وإعادة دمجهم في المجتمع وتحريرهم من إعاقتهم.
وبين حمران أن لدى المؤسسة مركزاً خاصاً بالمعاقين في مستشفى السبعين كما لديها إدارتين للمعاقين في ذمار وصعدة.
مشيرا إلى أن المؤسسة بالتعاون مع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين و مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي قامت بتقديم الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي والتدريب والتأهيل للمعاقين وتوفير المستلزمات الخاصة بهم حيث تم توفير 3250 عكاز أبط ومرفق و 55 عربية كهربائية و 380 عربية سريرية وعادية و1000 فرش هوائي ، بالإضافة إلى كوننا نوفر كافة الأدوية لهم في ظل الحصار وانعدام الأدوية، عبر كادر صيدلاني متخصص ويتم إيصال الدواء للمستفيدين في المستشفيات ودور الرعاية ومراكز المعاقين ومتابعة الخطة العلاجية لهم في كافة المحافظات.، حيث وأنشأت المؤسسة 30 صيدلية داخل المستشفيات بأمانة العاصمة والمحافظات وتقوم الصيدليات بتوفير جميع أدوية ومستلزمات العناية المركزة والحالات الحرجة والحالات المتوسطة.حيث توفر الأدوية النفسية والعصبية والمستلزمات الاستهلاكية اليومية.
دعم نفسي ومعنوي
وزير الصحة العامة والسكان الدكتور محمد سالم بن حفيظ أكد ضرورة دعم ورعاية المعاقين نفسيا ومعنويا وتخفيف معاناتهم وأهمية تحمل الجميع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية في رعايتهم وإحاطتهم بكل وسائل الرعاية حتى يتماثلوا للشفاء .
وأوضح أن علاج الجرحى والمعاقين من أهم أولويات وزارة الصحة حيث تعمل على تخصيص ودعم مراكز خاصة لعلاجهم وتأهيلهم جسديا ونفسيا .
مشيرا إلى أنه تم تخصيص جزء من منحة البنك الدولي لتقديم خدمات الرعاية النفسية للجرحى والمتضررين من العدوان ، لافتا إلى أنه يتم العمل مع منظمة الصحة العالمية لضمان استمرار تشغيل 13 مستشفى مرجعياً و 10 مستشفيات مركزية لتتمكن من تقديم الرعاية الطبية لجرحى ومعاقي العدوان في جميع محافظات الجمهورية .
المعاقون في أولوية اهتمام القيادة السياسية
وكان للمجلس السياسي الأعلى اهتمامه البالغ بهذه القضية الإنسانية والوطنية حيث أشاد رئيس المجلس السياسي الأعلى في تصريح سابق له بعظمة ومكانة المعاقين ودورهم سواء قبل أو بعد الإعاقة.
وقال أن الشيء الجميل والمدهش هو ما يحمله المعاقون من نفسيات راقية وقلوب قوية تجعلهم يهتفون بنفسيات راقية وثبات أكثر من كثير من الأصحاء بما يدل على عظمة القيم التي يحملها الجرحى والمعاقون من أبنائنا وإخوتنا “.
مؤكدا على الثقة الكبيرة التي يشعر بها الجميع تجاه الجرحى والمعاقين وما يمكنهم أن يقدموه في سبيل الوطن لأنهم تجاوزوا إعاقة الحركة بتجاوزهم لإعاقة الفكر وسيمنحهم الله النور ليبذلوا ما يستطيعون في سبيل الوطن وعزة اليمن وكرامته .
ووصفهم بالشهداء الأحياء الذين لا يزالون يبذلون عطاءهم المستدام لهذا الشعب والأمة ، والحكومة معنية بهم ورعايتهم والمبادرة الدائمة بجعلهم في أولوياتها عبر أجهزتها المختصة وكل حسب اهتمامه ومجال عمله كون الاهتمام بهذه الحالات جزءاً رئيسياً من تعزيز صمود الجبهة الداخلية ” وأنه من المهم العناية بأسرهم وبما يجعل من هذا الواجب حافزا لكمال المبادرات في سبيل الله والوطن والشعب، وإن أي تقصير في هذه الجوانب هو خدمة للعدوان ” .

قد يعجبك ايضا