في ظل الواقع ” الافتراضي ” الذي نعيشه تكمن مظلومية المسجد الأقصى ..!!
محمد أحمد الحاكم
سرت العادة وفق المنظور الشعبي والرسمي للأمتين العربية والإسلامية حينما يشاهدون أي حادثة عدوانية يقوم بها الكيان الصهيوني تجاه فلسطين أرضاً وشعباً , وبالذات ما تحمله في مكنونها من مقدسات وحرمات جليلة وعلى رأسها ” المسجد الأقصى ” , إلا ويقومون بكشف طبيعة مواقفهم تجاه تلك الحوادث المتباينة بين الحين والآخر , فعلى سبيل المثال نجد بأن الجانب الرسمي في غالب الأحداث يستكفي التظاهر بالاستعطاف والحزن والألم على هذا الشعب , عبر إطلاق العديد من رسائل التنديد والشجب والاستنكار والرفض لتلك الأعمال الصهيونية , رسائل تعدت حدود الواقع الحقيقي لتنتقل بهم إلى واقع آخر أكثر من خيالي , واقع عكس عن منظور الحثالة من قادة العرب والمسلمين بأنه الحل الأنجع والأمثل لمواجهة الكيان الصهيوني المتغطرس ومقاومة أعماله العدائية والاجرامية المتعددة والمتنوعة .
قد يكون الأمر الذي تعمدت في توضيحه أعلاه مألوفاً وغير مستغرب لدى الجميع من شعوب وحكام الأمتين العربية والإسلامية , وأنا في ذلك لا ألومهم على عدم تفاعلهم مع هذا الطرح أو غيره , لكنني ورغم ذلك كله وددت أن أتناول هذا الموضوع مرة أخرى , ليس من باب سرد مجريات الأحداث والمتغيرات التاريخية التي واكبت هذه القضية ولكن من أجل تذكير أنفسنا وأنفس كل الشعوب العربية والإسلامية عن الواقع الافتراضي الذي شاء لنا الكيان الصهيوني بأن يفرضه علينا للعيش فيه , ليكون الواقع البديل عن الواقع الحقيقي الذي يقوم على تجسيد وتعظيم القيم والمثل والمبادئ الإنسانية المزينة بمعاني الحرية والعزة والكرامة , لنستبدلها بالذل والخنوع والارتهان والاستعباد ماحين من أفكارنا وخيالنا أي كلمة ومعنى للحرية والاستقلال .
ما حدث يوم ” الجمعة ” الرابع عشر من شهر يوليو2017م في باحات ” المسجد الأقصى ” من اعتداء صهيوني ضده , والذي نجم عن استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين نتيجة دفاعهم الصادق والقوي عنه , لم يكن من باب المصادفة أومن باب ما تجري عليه العادة من اعتداءات صهيونية تنشب هنا أوهناك , لكنه اعتداء مدروس وممنهج ينم عن رغبة صهيونية بحتة تقوم على إثبات حقيقة وجود الواقع الافتراضي التي استطاعت هذه الصهيونية في صنعه وأن تصيرنا بملء إرادتنا نحو الإيمان به , والقبول للعيش في إطاره , الواقع الذي لم تكتف هذه الصهيونية في أن تقف عند مستوى إثبات وجوده وما سوف يقابله من تصديق وإيمان به , لكنه واقع أرادت أيضاً من خلاله أن تبرز وتثبت من خلاله مدى ومستوى قوة وعظمة ما تحمله الروح الصهيونية من عقلية فذة وصلبة لا تعرف أي معناً من معاني الانثناء أو القهر أو الشعور بالهزيمة والانكسار عند أي ظرف من الظروف والصعاب .
تكمن ماهية وطبيعة ” الواقع الافتراضي ” الذي أستحدثه هذا الكيان , وذلك في حقيقة الرؤية التي أصبح العرب والمسلمون يؤمنون ويهتمون بها في الوقت الراهن مقارنة بما كانوا يؤمنون ويهتمون به في الماضي , فبعد مضي عدة عقود من الزمن استطاع الكيان الصهيوني أن يعيد بلورة وصياغة الرؤية العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية , فبعد أن كانت تنصب نحو المقاومة المباشرة لهذا الكيان الغاصب عبر التحشيد الفكري والسياسي والإعلامي والعسكري , تحورت الرؤية نحو المقاومة غير المباشرة عبر التنديد والاستنكار والشجب والرفض , لينتهي بها المطاف أخيراً نحو الاهتمام بشؤونها وقضاياها الخاصة وعدم الاكتراث بالقضية الفلسطينية شكلاً ومضموناً , وهذا ما تجلى بالفعل من خلال عدم قيام كل الأنظمة العربية والإسلامية باستثناء بعض حركات التحرر والمقاومة إلى حد الآن , وذلك بإبراز ماهية موقفها الحقيقي من هذه الحادثة الصهيونية الاجرامية , ماهية خلت تماماً من التعبير عنها حتى عند أدنى المواقف التي تعتمد على التصريحات المحزمة بإطار الشجب والاستنكار والتنديد , لتكتفي بالصمت والتفرج والإدعاء بانشغالها في تسوية وحل قضاياها الداخلية والخارجية المصطنعة .
قد تكون هذه حقيقة مؤلمة لكثير من الناس , أن يشاهد الحال العربي والإسلامي الوضيع , غير المدرك تماماً لحقيقة المخاطر التي تجري من حوله في ظل هذا الواقع الافتراضي , نتيجة لتعاطيه المبتذل للقضية الفلسطينية وتجاهله المتعمد في معالجتها بصورة أو بأخرى , لذا فأنه وكنتيجة لذلك التعاطي الهزيل لهذه القضية وتجاهله المتعمد , سيجعله واقع الأمر في نهاية المطاف يدرك بأن واقع ذلك الحال سوف يشمله كلياً عاجلاً أم آجلاً , وبأننا سنلاحظ وسنجد عندها على الأقل من لن يستشعر بكنه حاله وعظيم مظلوميته مهما كان صراخه وعويله , لذلك يجب علينا وجوباً لا مناص من الفرار عنه أن نخلع عن كواهلنا ذلك الوهن الذي أصبنا به نتيجة قبولنا العيش في ظل الواقع الصهيوني الافتراضي الذي دخلنا بملء إرادتنا بعد أن تخلينا عن قيمنا الدينية ومبادئنا الأخلاقية وأهدافنا المشروعة الرامية نحو تحقيق الحرية والاستقلال والعزة والكرامة , ونبذ الظلم والطغيان والاستبداد والاستكبار , والتوجه صوب الإستشعار بحقيقة القضية الفلسطينية بغية نصرتها وعدم التخلي عنها مهما كانت الظروف والنتائج التي ستحدث لنا , ولنعلم بأن حال الأمور لا يمكن لها أن تتغير أو تتبدل ما لم تتغير أنفسنا وتصحوا على ضوئها ضمائرنا التي باتت ميتةً نتيجة ما افتقدناه من أحاسيس ومشاعر .