الغش.. بين الإرادة المطلوبة.. وسوء الإدارة

قبل أن يتحول الى ثقافة عامة..

¶ الغابري: عوامل تربوية ومجتمعية ساهمت في تحول الغش من مشكلة إلى ظاهرة

مدير مركز امتحاني:
– 500 ريال يومياً للفرد المراقب.. لن يمنع الغش
– بالإمكان مواجهة الغش باختيار مراقبين يتصفون بالأمانة والنزاهة ومتابعة اللجان
طلبة:
مقررات دراسية صعبة مقابل معدلات مرتفعة.. مقارنة تؤكد تفشي الغش
تحقيق/ سارة الصعفاني

لا ترتقي الشعوب ولا تتقدم الأوطان إلا بالتعليم الجاد فكيف يكون واقع بلد لم يعد فيه الغش مجرد مشكلة بل ظاهرة في محافظات وقرى حيث الغش يعلن عن نفسه بإشراف بعض المعنيين بمنعه، على افتراض خلو أمانة العاصمة ومراكز المدن من حدوث حالات غش كما يُردد مسؤولو التربية والتعليم.. لكن الحلول الجزئية لا تفيد امام ظاهرة قد تتحول الى ثقافة عامة في حال التقاعس عن مواجهتها.. التحقيق الصحفي التالي يسلط الضوء على المشكلة.

• تعاني كثير من البلدان من مشكلة الغش لكن تختلف حدتها من بلد لآخر، ويعد حجم ما تنفقه الحكومات على التعليم مقياساً لمدى اهتمام
ها ووعيها وإدراكها لمسؤوليتها الوطنية.
وتواجه كل البلدان الغش حسب إمكانياتها المادية من استخدام طائرات بلا طيار مزودة بكاميرات مراقبة عالية الدقة أو حتى قطع الإنترنت كما تفعل دول فقيرة كأثيوبيا.
ولا ينكر واقع الغش في بلادنا إلا مسؤول متقاعس أو تربوي يرى الغش حقاً للطالب، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية حيث السبب الأساسي لتفشي الغش في المدارس وجود مدراء مدارس ومراكز امتحانية ومشرفين ومراقبين وموجهين لا يؤدون دورهم الرقابي والإداري حد وجود غش جماعي .. ما معايير اختيار هؤلاء؟ ولماذا لا يتفاعل المعنيون في وزارة التربية والتعليم مع تقارير الموجهين؟
حين نتحدث عن الغش كواقع ملموس على امتداد بلادنا ليس في الأمر تجنياً وليس منطقياً دفع التهمة بالتحدث عن ضبط الغش في أمانة العاصمة وبعض المدن الرئيسية فقط، حيث تقدّر عدد المدارس على امتداد بلادنا بـ خمسة عشر ألف مدرسة كثير منها ليست مدارس لا من حيث المبنى ولا المعنى.
كما أن مناقشة الصحافة لقضية الغش لا تعني اتهاماً لمدراء مراكز وأقسام امتحانية ومدراء مناطق تعليمية ومراقبين بعينهم ، كان لافتاً رفض هؤلاء التحدث عن ” كيفية مواجهة الغش ” ومنهم من تحول لمدافع عن نفسه متحدثاً عن بطولاته في منع مجرد التفكير بالغش.
معالجة كل القضايا والمشاكل تبدأ بالاعتراف للتفكير جدياً بحلول واقعية آنية ومستقبلية والبدء في تنفيذها بحسب الإمكانات المتاحة .. أما الإنكار ليس معقولاً فالوضع لا يخفى على أحد أو اكتفاء البعض بالحديث عن أن السبب الوحيد ما نعيشه من واقع صعب لأن هناك اختلالات كثيرة وعميقة متجذرة منذ عشرات السنين ما يحتم علينا جميعاً التعاطي بمسؤولية لإنقاذ التعليم..
إذا كان كثير من خريجي الثانوية العامة لا يجيدون القراءة والكتابة والحساب ولا يستوعبون مضامين المقررات فمتى نتحدث عن تعليم يواكب تطور العلم؟
ما نزال نتحدث عن غش جماعي في أطراف المحافظات والقرى في مراكز امتحانية يُسمح للطالب بأداء امتحانات وزارية بالكتب والملخصات والتلفونات وتلقين المراقب للطالب الإجابات مقابل المال .. فما جدوى وجود مدراء مراكز امتحانية ومراقبين إن كان الغش مُتاحاً؟
وعن كيفية معرفة ما إذا كان المراقب يسمح بالغش أم لا يقول أحدهم طالب ثانوية في إحدى مدارس أمانة العاصمة : قبل الغش هناك محاولات من الطالب ليعرف هل يسمح المراقب بالغش أم لا .. وغالباً يتغاضون خاصة بعد مرور نصف الوقت فالمراقبة شكلية .. هدوء .. هدوء ومن يريد الغش لا شيء يمنعه.. الساحة ممتلئة ببراشيم خرجت للتو وإن لم نتمكن من الغش منها إذا كان المراقب صارماً نتعاون في ما بيننا في الإجابات همساً بمجرد أن يبتعد، بالتأكيد نذاكر لكن لا يبقى شيء في ذاكرتنا، لابد أن نتشارك في مذاكرة وحدات الكتب وحل امتحانات جميع المواد .. وإلا كيف وصلنا لنهاية مراحل التعليم العام.
أمل طالبة في الصف التاسع تتحدث عن ما يحدث في مدرستها: هناك غش على مستوى المدرسة ذاتها في نفس المادة حد معرفتي من زميلاتي من هو المراقب المتعاون من الصارم.. كنت ضد الغش لكن بعد انتشار الغش والمعدلات المرتفعة والمقررات الصعبة التي لم ندرس وحداتها من حقنا جميعاً أن نغش أو يمنع الغش في كل المدارس والقاعات.
مديرة مدرسة شهداء الجوية ومشرفة مركز يحيى المتوكل رجاء محرم ترى أن بالإمكان مواجهة الغش باختيار مراقبين يتصفون بالأمانة والنزاهة ومتابعة اللجان وعند حدوث أي تهاون من مراقب يتم إنذاره فإن لم يلتزم يتم اﻻستغناء عنه، ومنع الطلاب من إدخال وسائل مساعدة للغش وتحرير محضر غش لمن لم يلتزم بالنظام .
وتؤكد أنها لم تضبط عبر سنوات إدارتها للمدرسة ولمراكز امتحانات سوى حالة غش فقط ” انتحال شخصية “.
وتحدث عبدالسلام الغابري, رئيس لجنة النظام والمراقبة للشهادة الثانوية عن الغش قائلاً:
حقيقة انتشر الغش خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة ومتشابكة تربوية ومجتمعية وحتى سياسية منها عدم انضباط العام الدراسي ، انفلات كبير في المتابعة المستمرة والجادة من قبل التوجيه للقائمين على العملية التعليمية بصفة عامة – في وزارة التربية والتعليم 200 موجه مركزي وموجهين على مستوى المحافظات والمديريات – وتدخلات الإدارة المحلية خصوصاً في فرض بعض مدراء مدارس غير مؤهلين وغير أكفاء في حين لدينا أكثر من 70 ألف معلم بمؤهلات أعلى من البكالوريوس، كما أن المعلم بدون رقابة وإدارة وتحفيز ودورات تدريبية يصاب بالجمود أيضاً تدخلات في التعيينات الفنية بدرجة أساسية موجهي الرقابة ..
وتابع الغابري :حقيقة عوامل كثيرة لا تؤخذ إلا مجتمعة ساهمت بشكل كبير في تحول الغش من مشكلة إلى ظاهرة بعد 2011، وتبقى أمانة العاصمة الأمل الباقي للتعليم في اليمن رغم وجود اختلالات لكن الأمور فيها تحت إشراف مباشر من وزارة التربية والتعليم.
وعن مصير حالات الغش التي ضُبطت في السنوات الماضية يقول الغابري: تم ضبط كثير منها في ما مضى وحولت للقضاء لكن لم يتم البت فيها .. السنة الماضية مثلاً رأينا أثناء نزول ميداني لمحافظة ريمة غش جماعي، حرمنا أكثر من 500 طالب وأحلنا ملف كامل للنيابة حيث مدراء المركز والمراقبين مشاركين في الغش.. وفي المقابل ذمار خير مثال على الإدارة الناجحة ومنع الغش منذ عشر سنوات حيث تحولت للنقيض الإيجابي ما يستدعي المحاكاة.
ويتحدث رئيس لجنة النظام والمراقبة عن تصوره للحلول المتاحة لإنقاذ واقع التعليم البائس حيث يقول: بالإرادة والإدارة وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وحل المشكلات المتداخلة يتجاوز التعليم كل العقبات.. ليس الحل عصا سحرية ما يحدث هو نتيجة حتمية لاختلالات كثيرة ممتدة منذ سنين لكن المشكلات تزداد حِدةً بفعل التراكمية وتدهور الوضع العام للبلد.
مضيفاً: ولا نغفل الجوانب المالية كونها تضبط العملية التعليمية والامتحانية في كل البلدان فكيف بواقع لم يصرف فيه مرتبات للمعلمين، احتياجنا فقط لإدارة امتحانات هذه السنة ثلاثة مليار ريال لعدد 30 ألف معلم ومعلمة ومشرفين، وهناك 2500 مركز اختباري للشهادة الثانوية فقط في حين ما يمكن الحصول عليه من مبلغ لا يتجاوز 200 مليون ريال، وتعد أمانة العاصمة الوحيدة حتى الآن التي تم صرف مستحقات مالية ” مواصلات ” عبر الأمانة.
في ذات السياق يقول عبداللطيف المأخذي, مدير مدرسة ومركز الكبسي:
المدرسة مركز امتحاني لـ 386 طالبا من 6 مدارس حكومية وخاصة، تجرى امتحانات هذه السنة في 14 لجنة بعدد 37 معلم ومشرف وإداري كاحتياج ضروري في حين اعتمدت وزارة التربية والتعليم27 شخصاً محددة 12 لجنة، مشرفَيْن، إداري، وبمبلغ 500 ريال يومياً للفرد.
من جهته يقول محمد الغويدي, مدير مكتب التربية والتعليم بمنطقة الوحدة التعليمية بالأمانة: يعد التعليم اللبنة الأولى في بناء الوطن ونهضته والجسر الحقيقي للمستقبل، وتعتبر قضية الغش من أهم المشاكل التي تواجه القيادات التعليمية في وزارة التربية والتعليم كونها متجذرة وربما أصبحت سلوكاً لدى بعض المحافظات منذ فترة طويلة والتي من تداعياتها وانعكاساتها ونتائجها مخرجات هزيلة وضعيفة انعكست على الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والتنموي في وطننا الحبيب، وإذا أردنا الحد من ظاهرة الغش والتخلص منها ينبغي علينا حشد كل الطاقات والإمكانات السياسية والمجتمعية لمواجهتها ،ونشر وبث ثقافة التوعية المجتمعية بأضرارها وانعكاساتها السلبية على واقعنا ومستقبل وطننا.. نحن بحاجه إلى قرار سياسي، وحشد مجتمعي، وإرادة صادقة تبدأ من الأسرة والبيئة المجتمعية مروراً بالمسجد والمدرسة والإعلام وتنتهي بالقيادة السياسية والتربوية.
في النهاية نذكر ما خلص إليه رئيس لجنة النظام والمراقبة إذ يرى أن الغش هو نتيجة حتمية لما وصلنا إليه، وما وصلنا إليه انعكاس لاختلالات المنظومة التعليمية منذ زمن بعيد، ما يفرض على الأهل والتربويين القيام بدورهم في التوعية والتربية والتعليم، ويجب على أجهزة الدولة ومؤسساتها مساندة وزارة التربية والتعليم في أداء مهامها.. الغش في التعليم يفسِد المجتمع ويدمر مستقبل الوطن.

قد يعجبك ايضا