
لقاء/ صادق هزبر –
اختطاف السياح الأجانب ظاهرة أزعجت اليمن وشوهت صورة الإنسان اليمني في الخارج وصورت أرض الحضارة على أنها مغارات موحشة للإختطاف ومكامن صيد للزائرين لليمن بهدف السياحة كما لعب الإعلام الخارجي دورا كبيرا في تشويه صورة اليمن جراء ظاهرة اختطاف السياح التي بدأت مطلع التسعينيات وأثرت على اليمن وسمعته واقتصاده.
الثورة التلقت الدكتور أمين الحذيفي استاذ القانون الجنائي والباحث المتهم بشئون التراث والسياحة والذي لخص لنا بعض جوانب جريمة اختطاف السياح من اليمن وأسبابها وآثارها وعقوبتها وغيرها من القضايا في ثنايا اللقاء التالي:
* هل هناك تعريف الاختطاف ومتي بدأ اختطاف السياح في اليمن¿
– أولاٍ تعريف الاختطاف لدى فقهاء القانون هو انتزاع شخص من بيته ونقله إلى بيت آخر حيث يخفى فيها عمن لهم المحافظة على شخصه وعرفه آخرون بأنه انتزاع المجني عليه من المحل الذي يقيم فيه وإبعاده عن الأماكن التي كان فيها رغما عنه في حين يرى الباحثون أن الاختطاف هو القيام بخطف شخص ما عنوة من مكان تواجده بأي وسيلة كانت ولأي غرض كان وانتزاعه على وجه السرعة ويقول آخرون بأن هو التعرض المفاجئ والسريع بالأخذ والسلب لما يمكن أن يكون محلا له استنادا إلى قوة مادية أو معنوية ظاهرة أو مستقرة وتعتبر جريمة اختطاف السياح في اليمن من أخطر المشاكل الأمنية التي واجهت الحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات ولا يمكن أن تتطور السياحة إلا في جو آمن بعيدا عن جرائم الاختطاف والتقطع التي يتعرض لها السياح بين الحين والآخر.
أسباب جريمة اختطاف السياح
* ماهي الأسباب والدوافع لجريمة اختطاف السياح¿
– أولاٍ: الأسباب الاقتصادية وتتمثل في
الفقر والبطالة المنتشرة بين الشباب وخاصة أبناء المناطق حيث تبين أن أغلب من يقومون بعمليات الاختطافات هم من الشباب يعانون من الفقر والبطالة.
ومحدودية المشاريع والبرامج التنموية التي تم إقامتها في تلك المناطق سواء من قبل الدولة أو القطاع الخاص حيث تبين أن أغلب دوافع الاختطاف التي يقوم بها أبناء تلك المناطق هي المطالبة ببعض المشاريع الاقتصادية والتنموية.
غياب عدالة التوزيع للثروة وحرمان المناطق النائية من المشاريع الخدمية الأساسية في مجال الصحة والمياه والتعليم والطرقات..الخ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه المناطق تعتبر مصدراٍ للثروة النفطية في البلاد حيث أوضح أعيان هذه المناطق أن من ضمن مطالبهم الأساسية والمستحقة توظيف أبنائهم في شركات النفط وتخصيص عائدات من هذه الثروة للاهتمام بالمشاريع الخدمية في مناطقهم.
انتشار الأمية بين أوساط سكان هذه المناطق وضعف مستويات التعليم ومخرجاته في هذه المناطق وانعدام الوعي بأهمية السياحة ودورها في دعم الاقتصاد الوطني.
وقوة العامل والثقافة القبلية الإيجابي منها والسلبي في تلك المحافظات وخضوع تلك المناطق للنفوذ القبلي والمشائخ وضعف التواجد للدولة في تلك المناطق بمؤسساتها المختلفة مما جعل الانتماء للقبيلة أقوى من الانتماء للدولة.
غياب الإعلام الرسمي عن لعب دور تنويري لتطوير ثقافة القبيلة السلبية وإظهار خطورتها وتأثيراتها السلبية المباشرة على الوطن وعلى أبناء تلك المناطق وعدم التغطية الإعلامية المناسبة لحوادث الاختطاف والتي تستهدف التخفيف منها على مستوى الداخل والخارج.
ضعف تأهيل خطباء المساجد في تلك المناطق مما يخلق حالة من ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى الخاطفين والرفض لمثل تلك الممارسات التي تروع وترهب المجتمع والوافدين اليه بغرض السياحة او العمل.
انتشار قضايا ومشكلات الثأر في هذه المناطق والتي هي ظواهر سلبية يمقتها مجتمعنا وهذه الظواهر أفرزتها العادات والتقاليد القديمة إضافة إلى ظاهرة حل السلاح والنزاعات القبلية التي تنتشر في تلك المناطق والتي تلقي بضلالها على الوضع الأمني برمته وتعيق جهود الدولة في الإعمار والتنمية(57) كل تلك الظواهر المتداخلة تؤدي إلى انتشار جريمة الاختطاف للسياح بالإضافة إلى استغلال تلك الظواهر من قبل الكثير من المشائخ لإبراز نفوذهم وقوتهم لدى السلطات الحكومية وقيامهم بدور الوسيط بين الخاطفين والحكومية وجعل هذا الدور مصدر رزق لهؤلاء على حساب الوطن والمواطن بل وتحولهم في كثير من الأحياء إلى خاطفين أو محرضين خاصة اذا لم تلب مطالبهم من قبل الحكومة.
ويقيناٍ فإن امتزاج الأمية بالقبلية المدججة بالسلاح ووجود الجهل والطمع كلها أسباب تؤدي إلى ارتكاب جريمة اختطاف السياح من قبل أبناء هذه المناطق
أيضاٍ هناك أسباب أخرى هي
الأسباب السياسية والأمنية لجريمة اختطاف السياح
أولاٍ: الأسباب السياسية تتمثل في أن من أهم الأسباب السياسية المؤدية إلى ارتكاب جريمة اختطاف السياح في الجمهورية اليمنية ما يلي:
غياب الإرادة والرؤية السياسية الصائبة في التعامل مع هذه المشكلة مما جعل سياسة الحكومة في التعامل مع جريمة الاختطاف قائمة على “ما بدا بدينا عليه” وأيضا التفاوض وتلبية مطالب الخاطفين وخصوصا المتعلقة بالحصول على مشاريع خدمية وتنموية أو مطالب شخصية مما شجع الكثير على اتباع هذا الأسلوب.
وضعف المشاركة السياسية لأبناء تلك المناطق في الحياة السياسة سواء كانت الحكومة أو الحزبية أو النقابية واستغلال الأجواء السياسية الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير عن الرأي من قبل بعض الجهات لتحقيق مآربها ومصالحها التي تتنافى مع المصلحة الوطنية وضعف الشعور بأهمية الوحدة الوطنية والولاء للوطن لدى القائمين بأعمال الخطف والمشاركين معهم وهذا سببه ضعف تواجد الدولة بكل مؤسساتها في تلك المناطق الأمر الذي ساعد جهات خارجية من استغلال هؤلاء الخاطفين والمدافعين عنهم في ارتكاب جرائم الاختطاف ضد السياح بهدف جعل اليمن بلد غير آمن وغير مستقر وأيضا بهدف إضعاف تجربته الديمقراطية ونظامه السياسي ودوره المحوري في المنطقة.
وغياب مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب عن التواجد بفاعلية في تلك المناطق وانحصار نشاطها في المدن الرئيسية كذلك غياب الشفافية والقدوة وعدم جدية تنفيذ برامج الإصلاح السياسي والإداري والمالي وانعكاس الخلافات والصراعات السياسية والحزبية بين النخب على مجمل الأوضاع في اليمن وبشكل أكثر حدة على تلك المناطق.
أما الأسباب الأمنية فتتمثل في
انتشار السلاح وحمله والمتاجرة به بشكل علني دون ضوابط ورقابة من قبل الدولة وضعف الإمكانيات المادية لأجهزة الأمن وعدم قوة ردع أمني متخصصة للتعامل مع مثل هذه الجرائم الخطيرة وعدم التعامل بحزم مع هذه الظاهرة وتقديم كل الخاطفين إلى العدالة وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون والاحتكام للعرف القبلي وعدم تطبيق القانون في تلك المناطق نظرا لضعف وعدم انتشار أجهزة السلطة القضائية والأمنية القادرة على ضبط ومعاقبة الخارجين على القانوناٍ والاختراقات المستمرة من قبل كبار المسئولين والتدخل في اختصاصات وصلاحيات هذه الأجهزة وإعاقتها من تأدية مهامها وفق الصلاحيات المخولة لها قانوناٍ وعدم حسم بعض قضايا الجرائم الجنائية وبعض قضايا الثأر ونزاعات الملكية الأخرى بطرق قانونية وشرعية مما دفع البعض لممارسة الضغط على الدولة عن طريق الاختطاف للسياح الأجانب وبقصد توصيل مطالبهم إلى مسامع العالم.. دون أن يدركوا مخاطر هذه الأعمال ونتائج ممارستها على البلاد سياسياٍ واقتصادياٍ وإعلامياٍ وقيام أجهزة الأمن المختلفة باعتقال بعض من أبناء هذه المناطق ووضعهم في السجون بتهم مختلفة (الإرهاب- الانتماء لتنظيمات محظورة) دون تقديم الأدلة وتحويلهم إلى المحاكم وحجز البعض منهم كرهائن لدى الدولة مما دفع ببعض المقربين لهؤلاء المساجين بجرائم اختطاف السياح للضغط على الحكومة بالإفراج عن المساجين لديها بالإضافة إلى الموقع الأمني لمناطق الاختطاف وتماسها مع مناطق شهدت وتشهد منازعات قبلية وحدودية حيث تزداد الاختطافات في اليمن عندما تتوتر علاقاتها بدول الجوار وتهدأ عندما تكون العلاقات هادئة وهذا ما يعرف بالدوافع الخارجية.
عقوبة جريمة اختطاف السياح
* ماهي عقوبة الفاعل في جريمة اختطاف السياح¿
لاشك أن العقوبة جاءت في نص المادة 2 من القرار الجمهوري بالقانون رقم 24 لسنة 1998م مايلي:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (12) سنة ولا تزيد على (15) كل من خطف شخصا.
وعليه إذا ثبت أن الفاعل قام باختطاف شخص ووقعت الجريمة تامة فانه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (12) سنة ولا تزيد على (15) .
وهذه العقوبة الواجبة التطبيق على مرتكب جريمة اختطاف الأشخاص إذا كان الفاعل شخصا عاديا غير موظف وكان المجني عليه ذكرا لا يقل عمره عن ثمانية عشر عاما ولم يصاحب الفعل أو يتلوه إيذاء أو اعتداء أو قتلاٍ أو زنا أو لواطاٍ.
كما لا تطبق هذه العقوبة عندما يكون المجني عليه احد الأفراد المكلفين بمكافحة جرائم الاختطاف أو التقطع أو النهب أو زوجته أو أحد أصوله أو فروعه.
ولو وقع الخطف على وسائل نقل الأشخاص فقد نصت المادة 4 من القرار الجمهوري بالقانون رقم 24 لعام 1998م على عقوبة الفاعل بما يلي: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 10 سنوات ولا تزيد على 12 سنة كل من اختطف وسيلة من وسائل النقل الجوي أو البري أو البحري.
أما إذا كان الفاعل زعيما لعصابة للاختطاف والتقطع أو النهب فان عقوبته جاءت في نص المادة 1 من القرار الجمهوري بالقانون المذكور حيث نصت على ما يلي: يعاقب بالإعدام كل من تزعم عصابة للاختطاف والتقطع أو نهب الممتلكات العامة والخاصة بالقوة.
وعليه فمتى ثبت أن الفاعل قد تزعم عصابة للاختطاف فانه يعاقب بالإعدام ولا يشترط الإعلان عن الزعيم وإنما يعتبر الفاعل زعيما للعصابة إذا قام بإصدار التوجيهات والتخطيط وتوفير ما تحتاجه العصابة وكان مرجعية لأفراد العصابة ولا يشترط أن تكون هذه العصابة قد نفذت جريمة من الجرائم المشار إليها في القانون لأن هذه العقوبة مقررة في القانون لمجرد وجود وتزعم عصابة للاختطاف والتقطع والنهب بالقوة.
ماهي عقوبة المساهم في جريمة اختطاف السياح¿
عقوبة المساهم بالتحريض وبالاتفاق:
نصت المادة 9 من القرار الجمهوري بالقانون رقم 24 لسنة 1998م على ما يلي: يعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة كل من حرض أو اشترك في اتفاق جنائي لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
وبناء على هذا النص نجد أن المشرع اليمني قد سوى بين المساهم بالتحريض والمساهم بالاتفاق الجنائي في العقوبة هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نجد انه قد سوى بين الفاعل الأصلي للجريمة وبين المساهم فيها بالتحريض أو بالاتفاق الجنائي حيث قرر بنص المادة السابقة تطبيق ذات العقوبة المقررة للجريمة على من يساهم في ارتكاب هذه الجريمة بالتحريض على ارتكابها او بالاشتراك في اتفاق جنائي لارتكاب الجريمة.
وعلة المشرع اليمني في مساواة العقوبة بين الفاعل والمساهم سواء كان بالتحريض أو بالاتفاق الجنائي لما في التحريض والاتفاق الجنائي من خطورة كبيرة تعمل على دفع وتشجيع الفاعل الأصلي لارتكاب الجريمة لإحساسه بمشاركة الآخرين له.