نزق نهار رمضان.. سلوك يفسد روحانية الصوم

تحقيق / نجلاء الشيباني
التصرف دون تفكير وبدافعية مبالغة أمر قد يجعلك تخسر كل شيء فالغضب آفة تأكل الاخضر واليابس خاصة عندما ينسى من يتمالكه الغضب كل القيم الإنسانية ويزيل عن رأسه كل ما تعلمه من تعاليم دينية وتربوية تجرم مثل هكذا أعمال لتكون النهاية بعد كل ذلك مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ويكون الشخص الذي تعامل بمثل هكذا أعمال الضحية الأولى وحينها يكون الندم محضاً من الخيال .. أسباب النزق الرمضاني ونتائجه وطرق العلاج منه وغيرها من التفاصيل تجدونها في سياق التحقيق التالي:
كانت البداية عندما حاول أحد اصحاب السيارات شراء سنبوسة من أحد أصحاب العربيات في شارع هائل وماهي إلا لحظات بعد التوقف فإذا بسيارة اخرى ظل صاحبها يصرخ ويشتم مما تسبب باستفزاز السائق فخرج من سيارته واطلق النار من سلاحه الشخصي مباشرة في رأس السائق الذي خلفه فأرداه قتيلاً على الفور لم يتوقف الرجل لحظتها ولاذ بالفرار وقبل ذلك صدم صاحب عربية السنبوسة وتسبب بحرق جسده بالزيت ولم يتمكن أحد من الامساك بهذا السائق المجنون الذي قتل وحرق بدم بارد بسبب عدم قدرته على تمالك غضبه.

ثمن الغضب
وليد وسامي أخوان يخرجان معاً منذ الصباح الباكر للعمل في السوق التجاري لشميلة ولا يعودان للمنزل إلا عند صلاة المغرب ويعودان مرة أخرى للعمل حتى وقت متأخر من الليل البداية كانت عندما أراد وليد اغلاق المحل والتوجه للمنزل حين أتاه رجل يبلغه بأن جماعة من الشباب أمسكوا بأخيه سامي وقاموا بضربه بطريقة وحشية فأخذ مسدسه وتوجه مسرعاً صوب مكان الحادث ليجد اخاه ملقياً على الارض والدماء تغطي وجهه فباشر بإطلاق النار على الجناة فتسبب بمقتل احدهم وجرح اخرين ليتم بعدها القاء القبض عليه واسعاف اخاه الذي تشافى ليدفع بعدها وليد ثمن انفعاله وتسرعه غالياً.
غضب متزايد
محمد القدسي, سائق باص, لم يخف استياءه الشديد من حالات الغضب الهستيرية كما اسماها عند أصحاب الباصات وأضاف : بالعادة توجد بعض المشاحنات بين سائقي الباصات ولكن في نهار رمضان الوضع مختلف تماماً، فبالإضافة الى المشاحنات هناك شجارات تصل الى تشابك بالأيادي وقطع الطرقات وما الى ذلك ولا تحل إلا بتدخل الزبائن على متن الباص لذا قررت التوقف عن العمل نهاراً خلال ايام الشهر الفضيل لتجنب الوقوع في أي مشكلة خاصة وأني لا اتمالك نفسي عند الجوع فغضبي يزداد حينها.

الغضب والمرض
توجد علاقة قوية بين الغضب المزمن والحاد وأمراض القلب والسرطان والجلطات والاحباط حتى الاصابة بالزكام بشكل متكرر هذا ما يقوله الدكتور – عبدالله الذبحاني – طب عام ويضيف أن الغضب يؤثر على جهاز المناعة داخل جسم الانسان فالأشخاص الذين يغضبون سريعاً ويتملكهم الغضب يكون جهاز المناعة في أجسامهم لمواجهة أي مرض ضعيف كأمراض التهاب الكبد الوبائي والأمراض الفيروسية, كما أن المراهقين الذين لا يستطيعون التحكم في الغضب قد يتسبب لهم ذلك بمشكلات صحية كخطر السمنة وزيادة الوزن وهو ما قد يؤدي لتعرضهم لأمراض مثل مرض القلب والسكر, كما أن الغضب قد يتسبب للشبان بالسكتة القلبية وضغط الدم.
ويتابع الذبحاني قائلاً :من الادلة العلمية التي ظهرت مؤخراً تشير الى أن الغضب يطلق كميات مفرطة من هرمونات تعرف باسم كاجولامينينس ومنها الادرنالين اللذين يتكونان بشكل طبيعي في الجسم وهذه الهرمونات تهيئ الجسم في حالات الطوارئ للاصابة بالزكام أو الارهاق العصبي أو الصدمة وبذلك تتقلص جدران الاوعية الدموية والضغط على القلب للعمل أكثر لضخ كميات اضافية من الدم.

انفعالات سلبية
الغضب هو انفعال سلبي مدمر يوقع الانسان في الكثير من المشاكل قد لا يجد لنفسه خلاصا منه هذا ما يراه علماء النفس فالغضب سبب في تفجير العلاقات الفردية والاجتماعية وبكافة سبل الحياة بشكل عام مما قد يتسبب بعواقب لا يحمد عقباها وكذلك فقد أوضح علماء النفس بأن طبيعة الغضب تنحصر في حالة انفعالية تختلف في شدتها من مجرد التوتر أو التهيج البسيط الى الثورة الانفعالية الشديدة التي تتعطل معها العمليات المعرفية المرتبطة بمعالجة وتجهيز المعلومات وبالتالي التصرف والتعبير عن الغضب بطريقة عدوانية ويزداد غضب الانسان بطاقة انفعالية غالباً ذات توجه عدواني في اطار سيطرة نوعية من المشاعر السلبية تدفعه لعمل سلوكيات عنيفة وعدائية لا يعرف مخاطرها الا بعد زوال الغضب.
الغضب المذموم والمحمود
جاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى ابن مريم فقال اخبرني بما يقرب من رضا الله وما يبعد من سخط الله فقال ( لا تغصب ) قال الغضب ما يبدأ وما يعيده ؟
قال : التعزز والحمية والكبرياء والعظمة وقسمت الشريعة الاسلامية الغضب الى عدة أنواع ( الغضب المحمود وهو ما كان لله تعالى عندما تنتهك محارمه وهذا النوع ثمرة من ثمرات الايمان كالغضب على المسلمين ومن يسفك دمائهم وينتهك اعراضهم ويستبيح الاموال ويدمر البلاد وغيرها .
والنوع الآخر هو الغضب المذموم وهو ما كان على الباطل ويدفعه الشيطان لفعل اشياء قد يندم عليها الانسان فيما بعد فهي خارجة عند الدين والقيم والاخلاق ولا تضر الا بصاحبها .
علاج الغضب
ووفقا للسن النبوية المطهرة فقد ورد عن أبي ذر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:”إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن لم يذهب عنه الغضب فليضطجع”، وكذلك ينصح الاسلام أبناءه بالسكوت اثناء الغضب وتمالك النفس وأخيراً استحضار الاجر العظيم لكظم الغيض فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده الله تعالى لمن كتم غيضه وغضبه كان سبباً في ترك الغضب والانتقام للذات قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكاظمها عبد ما كظمها عبد لله الى ملأ الله جوفه إيمانا”.

قد يعجبك ايضا