كفاح شعب… وتاريخ وطن (6)

عبدالوهاب الضوراني
اتهمت المعارضة السلال أيضا بمنح صلاحيات أوسع ومناصب مزدوجة لأكبر عدد من العناصر والكوادر المصرية التي كانت تعمل بعد الثورة في اليمن وتتواجد بمعدلات خيالية ومكثفة أيضا خصوصاً بعض العناصر المقربة من عبد الناصر التي كانت تشغل في عهد السلال بعض المناصب القيادية المرموقة والتي كانت منتشرة بكثافة في مختلف المرافق ومؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية أيضا والتي كانت تمنح لهم على حساب تهميش وإهمال الكوادر والكفاءات الوطنية مما أعطى انطباعاً وتصوراً لدى الناس والسواد الأعظم بأن النظام الناصري في مصر هو نفس النظام السلالي في اليمن وان النظامين هما في الأول والأخير وجهان لعملة واحدة، مما اعتبر بأنه تدخل في الشأن اليمني وإساءة مباشرة أيضا للقرار السياسي وأهداف الثورة والسيادة الوطنية مما أدى بالتالي إلى تضييق الخناق على السلال وحجب الثقة عنه فلم يجد أمامه خياراً آخر لتفادي موجة الإدانة والتنديد تلك سوى التنحي وتقديم استقالته طواعية مؤثراً أمن وسلامة الوطن وأبناءه فوق أي مصلحة واعتبار آخر، وأنه غادر البلاد مع نفر من أفراد أسرته على متن طائرة الرئاسة التي أقلته للقاهرة التي أختارها مقراً دائماً لإقامته وأنه عندما استقر به المقام هناك أعاد لليمن وحكومة القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي تولى السلطة بعده على متن الطائرة التي أقلت عدداً من المخطوطات الأثرية النادرة وبعض الهدايا التذكارية والأوسمة التي تقلدها خلال فترة رئاسته باعتبارها حقوقاً ومكتسبات وطنية وليست غنائم أو ممتلكات شخصية.
الجدير بالذكر أن المشير السلال كان عضواً في مجلس قيادة الثورة وكان على اتصال مستمر ومباشر مع أعضاء حركة الضباط الأحرار أو ما كان يسمى آنذاك بـ”تنظيم الضباط الأحرار” الذي كان يتألف من صغار ضباط الجيش وسلاح المدفعية بصفة خاصة بالإضافة إلى العديد من العناصر الوطنية والمناضلين الشرفاء وزعماء القبائل الذين كانوا بالفعل من عظماء الرجال وخير من أنجبهم الوطن والفتية الذين أوفوا ما عاهدوا الله والوطن عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا اللذين كان لهم مشاركة شخصية وحضور ميداني مشرف في تنفيذ خطة الانقلاب العسكري على البدر والذي كان لا يزال ولياً للعهد ونصب نفسه كما أسلفنا إماماً على اليمن وشعبه خلفا لأبيه الإمام أحمد الذي وافاه الأجل وظلت ملابسات وفاته المفاجئة طي الكتمان لعدة أيام وقاموا بالهجوم عليه ليلة الـ26 من سبتمبر الأغر عام 1962م كالرحومي والجائفي وجزيلان وضيف الله وعلي عبدالمغني والشراعي والسكري وعلي سيف الخولاني وغيرهم من ضابط الجيش والعسكريين الذين تلقوا تدريبات عسكرية وأكاديمية في الخارج والتحقوا بالعديد من المعاهد والكليات المتخصصة في كل من مصر والعراق وأنه – أي السلال كان متواجداً تلك الليلة عندما حانت ساعة الصفر في بيته وتوجه منه ليلاً تحت جنح الظلام إلى سرايا العرضي وربما سلاح المدفعية عندما تحددت تلك الليلة التاريخية والخالدة لتكون ليلة الحسم والخلاص وإلى الأبد من أنظمة الأئمة ولى البدر هارباً تحت جنح الظلام وتحت القصف المكثف ونيران المدافع التي دوت أصداءها في دار البشائر وبلغت ألسنتها عنان السماء وخرج المواطنون من ديارهم وجاءوا من كل مكان مكبرين ومهللين بقيام الثورة ورحيل الأئمة وإلى الأبد من اليمن.
وتقول بعض الروايات ومصادر الناس اللذين واكبوا تلك الفترة وعصر الثورة أنه تم استدعاء السلال تلك الليلة وتكليفه لتولي قيادة الانقلاب وإسقاط نظام البدر الذي كان يعتبر آخر ملوك وأئمة اليمن لعدة اعتبارات جوهرية أولاً أن السلال كان يعتبر الأعلى رتبة داخل منظومة الجيش اليمني والأكثر نفوذاً أيضا، ثانياً وهو الأهم لضمان نجاح خطة الانقلاب أنه كان على علاقة شبه تقليدية وإن كان يشوبها شيء من التحفظ وعدم التقة مع بعض المتنفذين من أزلام النظام المخلوع خصوصاً البدر الذي كانت تربطه به علاقة شبه ممتازة وكان السلال بمثابة ذراعه اليمين ورئيس حرسه الخاص كما كان على علاقة أيضا مع بعض العناصر والشخصيات المقربة من النظام خصوصاً الذين كان بحوزتهم مفاتيح مخازن ومستودعات الذخيرة وصفقة الأسلحة الحديثة التي جاءت كهدية للامام أحمد من الاتحاد السوفيتي والتي تم إخفاؤها والتحفظ عليها داخل العديد من السراديب والأقبية وبعض وحدات وثكنات الجيش الموالية للإمام بعد أن قام الامام بتفكيكها إلى أجزاء وقطع صغيرة متناثرة حتى لا تقع يوما في أيدي الثوار والمعارضين والدستوريين والتي تم اكتشافها ومن ثم الاستيلاء عليها واستخدام جزء منها في تجهيز وتنفيذ خطة الانقلاب والهجوم على قصر البدر ومحاصرته وتضييق الخناق عليه، وطبقا للمصادر وأقوال الناس أنه تم نقل السلال تحت جنح الظلام على متن مدرعة أقلته مع مجموعة من ضباط الجيش وبعض العناصر القيادية الأخرى المشاركة في عملية الانقلاب والمكلفة بمحاصرة قصر البدر ومبنى الإذاعة وقصر السلاح ومداخل ومخارج العاصمة إلى سرايا العرضي وربما سلاح المدفعية الذي انطلق من رحابه مارد الثورة الذي خرج تلك الليلة من قمقم ورحم مخاض الثورة ليشق طريقه وسط الظلام صوب دار البشائر تمهيداً للبدء في تنفيذ خطة الانقلاب الذي انطلقت شرارته تلك الليلة كالبركان وأشد هولاً لتدك عروش الطغاة وتزلزل الأرض تحت أقدامهم وتعلن للدنيا وللعالم بأكمله انبلاج فجر الحرية الذي طال انتظاره والذي كان يوما فعلا من الأيام الخالدة التي وقف لها التاريخ تلك الليلة إكباراً وإجلالا ليسجل في ذاكرة الزمان والمكان أنصع الصفحات المشرقة في تاريخ اليمن المعاصر.
واستطاعت الثورة بالرغم من كل العراقيل والمؤامرات وكل الإسقاطات الأخرى والكثيرة الوقوف كالجبال الرواسي على قدميها والتقاط انفاسها كما هب كل أبناء اليمن من كل مكان وحملوا السلاح لحمايتها والحفاظ على مكاسبها وأهدافها العظيمة ورفعوا شعارات الإدانة والتنديد ضد السعودية وحكامها الذين كانوا يتآمرون على الثورة ويراهنون على إسقاطها بين ليلة وضحاها ومن المواقف الطريفة والساخرة التي أتذكرها موقفاً فكاهياً ومؤثراً في نفس الوقت يحوي أكثر من دلالة وأكثر من معنى للفنان المرحوم وخفيف الظل عبدالله شاكر أنه أعتلى يوما جحشا هزيلا ألبسه ثوبا وعقالا سعودياً ووطافاً وطاف به المارة في أعقابه عدد من أرصفة وأحياء أمانة العاصمة محاولاً بتلك الطريقة الكاريكاتورية الساخرة والناقدة التعبير عن غضب واستياء الشارع اليمني للتدخل السعودي المشين في كل صغيرة وكبيرة في شؤون اليمن الداخلية رافعا في حملته الساخرة تلك جملة من شعارات التنديد والشجب والاستفزاز للتدخل السعودي المتكرر ضد الثورة والسيادة اليمنية، الطريف في الأمر أن ذلك المشهد الاستعراضي أدى إلى إثارة حفيظة السفير السعودي في صنعاء وتعليق العلاقات الثنائية بين البلدين التي شهدت توتراً وركودا ونوعا أيضا من تبادل الحملات الإعلامية المحمومة بين صنعاء والرياض والذي اعتبرته السعودية بدورها بأنه نوع من الإهانة والاستخفاف والتصرفات الطائشة مما أدى إلى إغلاق سفارة الرياض في صنعاء والذي استمر لفترة طويلة فما بالك اليوم الذي تسرح فيه طائرات الحلفاء بقيادة السعودية وتمرح وتقوم بين الوقت والآخر بانتهاك وتدنيس أجوائنا اليمنية وإدخال الرعب والهلع في قلوب السكان الآمنين والأطفال والتي كان أسوأها وأكثرها وحشية وفضاعة وتطرفاً اجتياح أحد الأسواق الشعبية في محافظة حجة والذي أدى إلى استشهاد وإصابة أكبر عدد من المواطنين الذين كانوا متواجدين فيه بهدف التسوق الذي قام بارتكابه في وضح النهار طيران الحلفاء بقيادة السعودية وهي المجزرة البشعة التي أدانها واستنكرها المجتمع الدولي بأسره واعتبرها من الجرائم النازية ضد الإنسانية وضد الطفولة في اليمن التي يعاقب عليها القانون الدولي.

قد يعجبك ايضا