إعداد/عدنان أحمد الجنيد *
• علاقته بالسلطة الحاكمة:
عاش الشيخ الأعظم الإمام أحمد بن علوان سنوات عمره بين عهدين حاكمين لليمن وهما : النصف الثاني من عهد الأيوبين، وخمسة وثلاثون عاماً من بداية دولة بني رسول التي بدأت رسمياً عام 630هــ ( وفعلياً عام 626هــ).
إن شيخنا الأعظم لم يكن قابعاً في زاويته بعيداً عن هموم مجتمعه كما هو حال بعض المتصوفة، بل كان مجاهداً شجاعاً، صادعاً بكلمة الحق، ثائراً ضد الظلمة المفسدين، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.
ومن ذلك رسالته التي وجهها إلى حاكم عصره الملك عمر بن علي بن رسول التي وعظه فيها بمواعظه، وقرَّعه بزواجره كقوله: « فاستيقظ أيها الملك عن هذا الإغماض ، فإن الملوك والحكماء أيقاظ … »، وكقوله: « فلا تكن أصلحك الله ممن غرته الدنيا، ومنته دوام المحيا فإنها كأضغاث رؤيا، لم تغن عنك من الله شيئاً… فأسس من المعروف أساساً، يكن لك عند الله غِراساً، وأزل من هذا المنكر بدعاً، يقطعك الله من الجنة قطعاً … »، وكقوله: « ولا يستغرق جهلك عقلك، أو يستفرغ وقتك شغلك بجمع هذه العاجلة عن الآجلة ».
ثم يختم رسالته بقصيدة طويلة نقتطف منها هذه الأبيات:
واختــم بـخـيـرٍ فـــإن الـمــلـك مـنـتـقـلٌ
إلــى ســـواك فـــلا تــستــهــوك الفــتنُ
هـــذي تـهــامـــة لا ديـنـــار عـنـدهـــم
ولـحـج أبيــنِ بــل صنعــاء بـل عـــدنُ
فـمــا ذنـــوبُ مـســاكـيـن الجبـالِ وهـم
جـيـرانُ بيـتــكَ والأحــلافُ والســكــنُ
والأضـعــفـون فـمـا يقتــاتُ أجــزلهـــمْ
إلا بمـا جـــرت المسـحــات والـحِـجَــنُ
فـانـظــر إلـيـهـــمْ فـعــيـنُ الله نـاظـــرةٌ
هُــمُ الأمــانـات والسـلـطــان مــؤتمــنُ
عــارٌ عــلــيــك عـمــا راتٌ مــشــيــدةٌ
ولـلــــرعـيــة دور كــــلـهــــا دِمَــــــنُ
لا تفـخـرنَّ بـجـمـعِ المـالِ كــيـف أتــى
حـــاشــا وعـقـلك عقــلٌ راسـخٌ رصـنُ
تــرى الألــوف ولـم تـسـتـفـتِ جامـعها
أنـَّـى أتت وبـــأيِّ الـحــكــم تـخــتـــزنُ
وكذلك قام بتوبيخ وتقريع أعوان الظلمة الذين باعوا دينهم بلُعاعةٍ من الدنيا
فاسمعه حيث يقول:
يــا بـائع التقــوى بـقيـمـة أكــلــةٍ
وعصى الإله لقد ركبتَ الأخطَرا
بالـفلـسِ والقيـراطِ تصبح خـالــداً
فـي نـارِ مـن كنزِ الكنوزِ وقنْطَرا
زقـومـها وحميـمـها وسمــومـهــا
سيـّـان بـينـكـمـا تَقَـسَّــم أشـطـــرا
وقــرنـتمـا أســرى بـغــلٍّ واحـــدٍ
تتــلاعنـان علـى الإحـالـة والمرا
وإذا أحـلت عــلــيه قـــال لأننـــي
كنتُ الأمــير وكنت أنت المؤمَّرا
فخـرجت لا دنيـا ولا أخـرى معـاً
انظـر لنفســك قبـل ذلك منـظـــرا
يـوم النـدا يـا بن مـن ظلم الورى
والتـابـعيـن ومـن أمـرَّ ومـن بـرا
يُلقـون في التابوت كي يُرمى بهم
فــي النــار سـيدنـا بــذلك أخــبرا
يـا مــستـحـَّـلاً للــمحـارم قــائــلاً
أو ظــالمــاً أو جـاحـداً أو مُنـكِـرا
العدل خصمك في غدٍ فاحذر غداً
مــادام يمـهلك الــنِـدَا أن تـحـــذرا
هـذا أخــوك أليـس ربـكمــا معـــاً
أحــدٌ ألـيس نبيــكم خيــر الـورى؟!
فـأخـذت مـال أخـيك واستضعفته
مـاذا تقــول إذا هــما لك أحضـرا؟!
وبـأي وجـهٍ فـي غــدٍ تـلـقـاهـمـــا
وقــد استغـاث أخوك منك وأكثرا؟!
الـذنب يُغفـر إن سلـمت مـظـالمــاً
إن المظـالـم ذنبـها لــــن يُـغْـفَـــــرا
•طريقته الصوفية:
لم يُقلِّد شيخنا الأعظم أحمد بن علوان أية طريقة صوفية رغم انتشار الطريقة القادرية في عصره؛ وذلك لأنه صاحب مدرسة مستقلة، وطريقته تارة كان يسميها بالمحمدية، وتارة بالعلوية، وتارة بالصمدية، وكلها تندرج تحت هذا المسمَّى (الطريقة العلوانية)
قال ـ قدس الله سره ـ :
نبويةٌ رُفِعَتْ لها الأعناقُ
عَلَوِيَّةٌ عَلِقَتْ بها العُشَّاقُ
وقال أيضاً:
عـَـلَوِيَّةٌ نَبــويّةٌ صَمَدِيــةٌ
أنـــوارُها تستطلعُ الأنوارا
وقال ـ في موضع آخر عن الطريقة المحمدية وهو نفس مسمى المدرسة العلوانية وذات اللب والهدف ـ ما نصه: « واعلموا أن المحمدية قد أشرقت وأن سحائب صيفها قد أرعدت وأبرقت, وسفينتها قد صنعت, وقوائمها قد رفعت …. إلى قوله: وكونوا من الذين اختصوا بها, وأموا لسوحها »…إلخ. والعجيب أن بعض المتصوفة من الفقهاء يعترفون بولاية شيخنا الأعظم ابن علوان لكنهم يقولون بأنه ليس شيخ طريقة,. والذي دعاهم إلى هذا القول هو خوفهم من اطلاع الناس على كتبه ـ قدس الله سره ـ بسبب أن فيها ما يخالف منهجهم لا سيما عقيدة شيخنا الأعظم,.. كذلك تجدهم ينفِّرون الناس عن قراءة كتبه بحجة أنها غير مفهومة…
ثم كيف لا يكون شيخ طريقة ومؤلفاته مليئة بالأوراد والأدعية والأذكار والتسبيحات إضافة إلى أنه رسم طريقاً ومنهجاً للسالكين ليسيروا على ضوئه, ومعلوم بأن شيخ الطريقة سُمِّى بذلك بسبب ما خّلَّفه من أوراد وأحزاب لمريديه… وشيخنا الأعظم أعظم من خلف من الأوراد والأدعية .. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا.
وخلاصة طريقته ـ قدس الله سره ـ هو التعلق بالجناب الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ واتباعه بالكلية.
قال ـ قدس الله سره ـ في فتوحه :ـ « واعلم ـ يا أخي ـ أن الله تعالى لا ينظر إليك حتى يكون الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بين يديك » .
وهو الباب الأعظم الذي منه الدخول إليه ، والنور الأكرم الذي هو الدليل عليه .
قال تعالى : [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] .
وقال في توحيده :« ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو باب الدور السابع، ومن فلكه بزغ بازغ الضوء الساطع، وعلى يده فتحت خزائن الأسرار، ومن نوره تفرعت ثواقب الأنوار، فمن قصد الله من غير بابه، وتقرّب إليه بغير كتابه، ولم يتبع سُنّة سيد أحبابه، صدم رأسه حجاب الدور، وقطع نفسه سمو الطور، فطار مخ دماغه، وهلك دون بلاغه، وانقبض شعاع عقله، وسقط على مزبلة جهله، بدليل قاطع قوله تعالى: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ].
وقد صرف الله الوجوه إلى وجهه، وحضّ الخلائق على اتباعه، فلا يسلم لأحد ينتحل حبه، ويدّعي مواصلته وقربه، حتى يكون له متَّبِعاً، وبسُنَّتِه عاملاً مقتديا.
قال الله عز وجل: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ]فحينئذ لا سبيل إلى أن تحب الله، أو يحبّك الله إلا باتباعه، والدخول في جملة أشياعه، فمن تابعه فكأنما بايعه، ومن واظب على سنته فكأنما فاز برؤيته.
وكل مقام وصل إليه شيخ من مشايخ أهل الطريق، من التحقيق والتدقيق، والهداية والتوفيق، فمجراه من عين حقيقة الاتِّباع، والتَّبتل إلى الله عز وجل والانقطاع، فاعرفوا،ثم على ذلك قفوا،و[لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ] اهـ.
واليك قصيدة لشيخنا الأعظم أشار فيها إلى كثير من الأسرار المتعلقة بالحضرة المحمدية .
وإليك القصيدة:
نــفــسُ الـحـبـيــبِ الأكـــرمِ
والــقــهــرمــانِ الأعـــظـــمِ
بــيــتُ الـحـطــيـمِ وزمـــزمِ
والــركــنُ مــنــه الأســحــمِ
مـسـعـى الـهـدى عـــرفـاتـُه
وصــفـــاه بـــل مـــرواتــُـه
ومـــنـــاه بــــل قــــربــاتـُـه
فـــي الـمـهـرجــان الأقـــدمِ
وُضِـعَــتْ عـلــى أسـمــائــهِ
فــــي أرضــــه وســمــائــهِ
مُـــــذْ آدمُ فـــــي مـــــائـِـــه
أســــــرار مــــــا فــــي آدمِ
شــمـــراخُ سِــدْرَةِ مـنـتـهـى
أهـــلُ الـتـنـاهــي والـنـهــىَ
تـــاجُ الــمـفــاخــرِ والـبـَهـا
لاهـــوتُ شــمــسُ الأنــجُـمِ
كـــفُّ الـمـكـارمِ والـعـطـا
مـا حـي الـجـرائـمَ والخَـطَـاَ
أعـلـى الـكـواكــبِ أرْسـُـطَا
والـحـاجـــبِ الـــمـُـتــكــلِّــمِ
صــيــفُ الـمـراحـمِ والهدى
حــرف الــمـنـادي والــنِــدَاَ
كـالــبــدرِ مــن أفــقٍ بـــدا
فــي جُـنْـح لــيــلٍ مُــظْــلِــمِ
فــجــرُ الـبـشـارةِ صُـبـْحُـها
قَـــلَــمُ الـمَـشـيِـئـةِ لَـْــوحُـهَـا
نَـفَــسُ الـبــريــةِ رُوحُــهــا
وســـــوارُ ذاك الــمِـعْـصَــمِ
أســفــارُ لـــيـــلٍ قـــدْ دَجَــا
كـهــفُ الـمـطـالبِ والرجا
مــن شــام بـــارقـــه نــجــا
من كُلِّ هـــول مـــعـــظـــمِ
صـافـي الصفات المصطفى
مــيــثــاق إخــوانِ الــصـفـا
حــبــلُ الــتـعـلـُّـق والــوفــا
مــفــتــاح قُـــفـــل الأنــعُــمِ
مــاءُ الــجــنــان الـكـوثـري
شــمــس الـعـلا والمـشتـري
والـجـهـر والـسـر الــسَـرِي
إنــعــامُ كَـــفِّ الــمُــنْـــعِـــمِ
طــور المقـــام الأشـــــرفِ
هــاجــي رمــوز الأحــرف
أقــــــداره لـــــــم تُــعْــرَفِ
وعـلــومُـــه لــــم تـُــعْـــلــمِ
مــحــرابُ قــــدسِ الـجـامعِ
بــحــرُ الــبـــلاغِ الـسـابـــعِ
مـــرْجُ الــفــضــاءِ الـواسـعِ
فــتـــح الــرتــاج الـمُـبْـهَــمِ