عواصم/وكالات
خلُصت القمّة العربيّة- الأمريكية إلى إعلان الرياض. وبين الشكل والمضمون أعادنا مشهد الأمس إلى ما شاهدناه قبل أكثر من سنة وذلك عندما أعلن الأمير السعودي محمد بن سلمان، ولي ولي العهد التحالف العسكري الإسلامي.
إلا أن الأمر لم يخلُ من مفارقات عدّة في مقدّمتها الضيف الأمريكي، والصور الجماعية للضيوف والمستضيفين، إضافةً إلى عقود التسليح التي وُقعت بمئات المليارات لتتم بذلك مَنهجة السرقة الأمريكية للمال الخليجي، وتحديداً السعودية، التي وصفها ترامب بالبقرة التي يجب ذبحها عندما يجفّ حليبها.
ما يؤكده مراقبون اليوم أن لا جديد على أرض الواقع عدا الصراخ المرتفع الذي ينمّ عن عجز ميداني وسياسي، فمن يفعل لا يصرخ، ومن يصرخ فهو عاجز على أرض الواقع.
في الشكل بدا نص إعلان الرياض برّاقاً حيث أكد على أهمية مواجهة “الإرهاب” وضرورة الشراكة بين أمريكا والعالم الإسلامي. لا ندري ماهيّة هذا الإرهاب الذي يعدّ فضفاضاً في قاموس واشنطن والسعودية، فهل داعش الذي يمتلك أسلحة سعوديّة كشف عنها مؤخراً يدخل في هذا الإطار أم لا؟
وأمّا في المضمون فقد أعادني المشهد إلى مؤتمر محمد بن سلمان للتحالف العسكري الإسلامي، وخاصّة بعدما أعلن وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، أن بلاده فوجئت بمضمون إعلان الرياض، الذي تم إصداره، عقب اختتام أعمال القمة العربية الإسلامية الأمريكية في العاصمة الرياض.
هذا ما حصل تماماً بعد مؤتمر التحالف العسكري الإسلامي حيث بدأت الدول التي زُجّ بأسمائها في بيان بن سلمان إلى التنصّل واحدة تلو الأخرى، كما فعل لبنان اليوم. موقف لبنان ليس الوحيد، إلا أن باسيل أخرج الموقف اللبناني إلى العلن بسبب سياسة النأي بالنفس، قائلاً في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي في موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي: “لم نكن على علم بإعلان الرياض، لا بل كنا على علم أن لا بيان سيصدر بعد القمة، وقد تفاجأنا بصدوره وبمضمونه ونحن في طائرة العودة. وبالتالي إن الكثير من الدول المشاركة تمتلك الدهشة نفسها، إلا أنّها لن تخرج موقفها إلى العلن تملّقاً للضيف الأمريكي والمستضيف السعودي.
لا ندري من أين ستتوفّر قوّة الاحتياط التي تحدّث عنها البيان الختامي وقوامها 34 ألفاً لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عند الحاجة، ولكن ما نعلمه جيّداً أن الرياض تبحث اليوم عن أي نصر إعلامي يعيد لها اعتبارها الإقليمي الذي ذهب أدراج الرياح في سوريا والعراق، وتكسّر على صخرة اليمن.
وحتّى لو توفّرت القوّة على الأوراق، فأي إرهاب ستحارب، داعش أم الكيان الإسرائيلي أم من يحارب هذين الإرهابين. لعل الجواب الشافي على هذه القمّة جاء من عضو الكونغرس الأمريكي تولسي غابارد الذي اعتبر أن ادعاء السعودية بأنها تكافح الإرهاب هو مهزلة ومسرحية هزلية قائلاً: إن السعودية هي أكبر الدول الراعية للإرهاب، والنظام السعودي هو أكبر ممول للإرهاب الفكري وأما فيما يتعلّق بالتاجر ترامب فقد أسمع الجانب السعودي ما يحب بعد حصول على ما يحب (مئات المليارات)، ولكن هل هناك ضمانة على أن يبقى ترامب كذلك؟
الإجابة نعم ولا على حدّ سواء. نعم في حال استمرّت السعوديّة في إعطاء ترامب ما يحب، ولا في حال جفّ حليب البقرة، وفق كلام ترامب نفسه. قد تكفي مراجعة تصريحات ترامب تجاه الإسلام والسعوديّة لمعرفة حقيقة ما قاله ترامب خلال القمّة، والذي وصفه الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك في مقال له بالاندبندنت بالمنافق.
وأمّا بالنسبة للنوايا حول تأسيسي “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” تبقى نوايا، باعتبار أن هذه الأطراف نفسها قد فشلت في تكريسه منذ بدء الأزمة السورية لا بل منذ العام 2006م عندما تحدّث وزير الخارجية الأمريكية حينها كوندليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد الذي سقط بمفاعيل الميدان.
قد تكون السعوديّة نجحت إعلاميّاً في القمّة الاستعراضيّة التي كلّفتها حوالي نصف ترليون دولار، إلاّ أنّها لا قيمة لها على أرض الواقع، كونها تتوقّف عند حدود الطاولة التي انعقدت عليها، خاصّة أن ترامب قد أكّد في خطاب القمّة على ضرورة قيام الدول الإسلامية بدحر الإرهابيين وضمان عدم حصولهم على ملاذات على أراضيها، قائلاً: إن بلاده لن تحارب الإرهاب في المنطقة نيابة عن أحد، فمن الذي سيحارب؟
الأهمّ، في نظرنا، في زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط الشقّ الإسرائيلي وليس السعودي، باعتبار أن الأخير نتائجه اقتصاديّة أكثر منها سياسيّة وعسكريّة. قد يختلف معنا كثيرون في رؤيتنا، وقد يوافقنا آخرون، فلنتحكم للزمن، والأيّام بيننا.