عادل بشر
لم تكن نوال تعلم وهي تنظر من خلف نافذة غرفتها إلى جيرانهم الجدد الذين مازالوا ينقلون أثاثهم إلى المنزل الذي بجوارهم انه ستكون لها في المستقبل القريب حكاية طويلة مع هؤلاء الجيران تنتهي بها إلى صدمة نفسية لن تنساها طوال حياتها.
بدأت زيارات التعارف بين الجيران الجدد، أسرة الشاب معمر، وبين أسرة الفتاة “نوال” حتى تعمقت العلاقة بين الأسرتين وتطورت بعد ذلك إلى صداقة وود واحترام.
لم يكن الشاب بعيداً عن هذه العلاقة، فبمجرد أن لمحت عيناه نوال حتى سأل أهله عنها بطريقة غير مباشرة، فأخبروه أنها ابنة جيرانهم وهي ما زالت شابة يافعة غير متزوجة واختتمت أمه كلامها بالقول” ليتها تكون من نصيبك”، مضيفة” البنت ما شاء الله عليها أدب وأخلاق واحترام وجمال”.
بعد أن سمع معمر كل هذا الإطراء من قبل الأم، أصر على التعرف على الفتاة عن قرب، ومحاولة كسب محبتها أو صداقتها، وأصبح يتحين الفرصة التي سيراها في نافذة منزلها أو في الشارع عندما تذهب إلى المدرسة، أو حين تأتي إلى زيارتهم برفقة أهلها، وفعلاً استطاع الشاب أن يلفت نظر الفتاة إليه، والتي بدورها شعرت باهتمامه بها ومحاولاته المتكررة للتحدث معها.
تطورت العلاقة بين الفتاة وابن الجيران من نظرة إلى ابتسامة، فسلام فكلام، فموعد فلقاء فقصة حب كبيرة، كل ذلك والأسرتان في غفلة تامة عما يدور حولهما.
بعد الانتهاء من اختبارات المرحلة الثانوية وبدء العطلة الصيفية تعرقلت العلاقة نوعاً ما بين الشاب والفتاة ولم تعد نوال تستطيع الخروج من البيت والالتقاء بمعمر يوميا كما كان يحدث أيام المدرسة، وكانت كلما زاد الشوق في قلبها إلى هذا الحبيب تتعذر بمختلف الأعذار والحجج حتى تستطيع إقناع أهلها في السماح لها بالخروج بمفردها من المنزل ولوقت محدود لا يتعدى الساعة الواحدة فقط.
لم يكن هذا الوقت كافيا في مقياس الحبيبين، ومع الأيام زادت الأوضاع سوءاً عندما ضاقت أسرة نوال ذرعا بأعذارها المستمرة، حتى أنها لم تعد تجد شيئاً تتعذر به للخروج من المنزل وأخبرتها والدتها أن وراء هذا الخروج المستمر شيئاً لابد أن تعرفه طال الزمان أو قصر.
أحست نوال أنها لن تستطيع الالتقاء بمعمر بشكل متواصل فأخبرته أنه لا بد من إيجاد حل للوضع الذي هما فيه، وهذا الحل ينحصر في الخطبة وعقد القران والزواج بعد ذلك.
دارت الدنيا في رأس الشاب وهو يسمع فتاته تطلب منه التقدم إلى أهلها وخطبتها حتى يصبح كل شيء رسميا أمام الجميع فقال لها أنه لا يستطيع فعل ذلك لأنه باختصار شديد عاطل عن العمل ولا يملك مالا للزواج، وأهله لن يوافقوا على تزويجه أو حتى إعانته بتكاليف الزواج طالما وهو على هذه الحال.
لم تذق نوال للنوم طعما ليلتها وقضت الساعات الطوال تفكر في الخروج بحل وكان أول شيء فكرت فيه هو أخذ ما لديها من قطع ذهبية وتقديمها لعريس المستقبل كمعونه منها وعليه أن يتدبر بقية المبلغ المالي الذي سيقدمه لأهلها عندما يتقدم لخطبتها، ولكن معمر أخبرها أن هذه المجوهرات قليلة ولا تساوي شيئا مقابل ما سيطلبه أهلها منه.
الفتاة كانت متعلقة بالشاب إلى درجة لا توصف، هذا التعلق والحب الكبير أعمى قلبها وقادها إلى التفكير بطريقة أخرى وهي سرقة مجوهرات والدتها وإعطائها له كي يبيعها ويضع ثمنها مع ثمن المجوهرات السابقة، فيصبح المبلغ كبيراً، وبذلك تكون المشكلة قد حلت.
أخذ معمر المجوهرات من نوال ووعدها أنه سيطرق باب منزلهم برفقة أهله في أٌقرب وقت، بعد بيع المصوغات الذهبية وما عليها سوى الاستعداد.
عادت الفتاة إلى منزلها في ذلك اليوم طائرة تأخذها الفرحة من مكان إلى آخر، حتى الأهل استغربوا سعادتها وضحكاتها المستمرة على غير عادتها.
مر اليوم الأول والثاني والثالث ولم يطرق الباب أحد لا معمر ولا أهله حتى أنها لم تعد تشاهده يخرج أو يدخل من البيت ولم تعد تسمع صوته وهو ينادي على إخوانه الصغار بصوت مرتفع متعمداً إشغال بال نوال، ولم تستطع الصبر أكثر خصوصا بعد مرور أكثر من نصف شهر، فسألت إحدى أخوات معمر عنه من باب الفضول وكيف اختفى صوته وصياحه المستمر مع أهله فكانت المفاجأة والصدمة الأليمة : معمر سافر إلى السعودية.
أنهارت نوال من هول الصدمة وسقطت مغشيا عليها وتم نقلها إلى المستشفى للعلاج وبعد أن فاقت من ذلك أخبرت والدتها بكل ما حدث مع ابن الجيران وبأنه استطاع أن يلعب دور العاشق معها حتى تمكن من أخذ المجوهرات والهروب إلى الخارج.
لم يسكت والد نوال عن ما حدث لابنته وذهب إلى أهل معمر يطلب منهم إحضار ابنهم وتسليمه للشرطة ولكنهم أخبروه أن الشاب مسافر وقد اتصل بهم قبل أيام ليخبرهم انه تمكن من المغادرة إلى خارج الحدود للبحث عن عمل هناك.
قام والد الفتاة المخدوعة بإبلاغ الأمن الذين بدورهم استدعوا والد المتهم معمر لاستجوابه حول الحادثة وهناك كانت المفاجأة الأخرى وهي أن هذا الشاب سبق وأن مارس نفس اللعبة مع ابنة خاله وتمكن أيضا من أخذ مبلغ مائتي ألف ريال لغرض الزواج منها ولكنه أنكر بعد ذلك ولأن الفتاة السابقة من أقربائهم فقد تنازلت عن هذا المبلغ خشية انتشار خبرها بين أهالي الحي، وفضلت إغلاق الموضوع في حينه.
مضت الأيام مسرعة حتى أكملت الأشهر الثمانية منذ انكسار قلب الفتاة نوال، وفي منتصف إحدى الليالي سمعت الفتاة صوتاً سبق أن انساب إلى أذنها مرات عدة فهرعت إلى نافذة المنزل تنظر صاحب الصوت.
كان معمر ينادي على شقيقه الأصغر يفتح له الباب، حيث عاد من دولة الجوار مطروداً بعد أن أمضى فيها 8 أشهر يتسكع متخفياً من مكان إلى آخر بحثاً عن عمل ولكنه لم يفلح فكان مصيره الطرد.
انفتح باب الجيران وخرج والد معمر مرتدياً ملابسه وقام بأخذ ابنه على الفور وتسليمه إلى الشرطة ليجد نفسه بعد ذلك خلف قضبان السجن.
Prev Post
Next Post