تساقط الأقنعة “1”

صلاح الشامي
• حكمونا، باعتبارهم أنظمة عربية، عقوداً من الزمن، ومنذ رحيل المحتل، ومناهجنا الدراسية تتغنى بالأناشيد الوطنية .. كانت فلسطين هي أم القضايا، في مناهجنا، ونشرات الأخبار، وموضوعات المجالس الرئيسة .. لم نكن نعلم أن ذلك ماهو إلا نوع من التخدير المؤقت، للعقل والفكر العربي.
• وجاء العقد الأخير من القرن العشرين حاملا آلاماً لم يكن العرب يتوقعونها، بدأت بالاحتلال الأمريكي للعراق، عراق صدام الذي حارب ثماني سنوات تحت مظلة أمريكا للقضاء على الثورة الإسلامية في إيران، وبدعم أعرابي .. وطلب من الأنظمة العربية دعم ” أمريكا بوووش ” في عملية عاصفة الصحراء – كما أطلق عليها آنذاك – وبمزاعم صدّقها حتى العرب أنفسهم، بسبب تكريسها بوسائل الإعلام الناطقة بالعربية، والتي هي في الحقيقة وسائل إعلام العدو الصهيوأمريكي، لا أكثر.
وتسابق الزعماء العرب لتلبية الدعوة الأمريكية للقضاء على نظام صدام، وهم يعلمون أنهم يدقون مسماراً في نعش العروبة .. فخدعوا شعوبهم وارتجلوا الخطابات، لتبرير تحركهم الأمريكي ..
• ثم تغيرت قواعد اللعبة الأمريكية .. وأريد للعرب (أنظمة وشعوباً) أن تسعى إلى تدمير نفسها بنفسها، وكانت المكيدة الأعظم في تاريخ البشرية، والتي تجعل من “حصان طروادة” لعبة أطفال، وهي تدمير برجي منظمة التجارة العالمية، ومبنى البنتاجون، في كل من نيويورك وواشنطن، واستهدفت المكيدة العرب بشكل خاص، وأديرت عيون العالم إلى الحدث مباشرة، عبر قنوات التلفزة، ليتقبل العالم التحركات الأمريكية التي ستعقب هذا الحدث .. وكان المكر كبيراً ، حيث استهدفت التحركات العسكرية الأمريكية منطقة جغرافية بعيدة نسبياً عن قلب المكان الذي تريده أميركا، واتهمت أعظم أمة على وجه الأرض ظلماً وعدواناً، وطلب منها المشاركة في ماسمي (الحرب على الإرهاب)، ليمارس أبشع إرهاب ضد أعظم أمة، وبمشاركة كثير من أبنائها ..
في ذلك الوقت لم يجرؤ أحد من العالم الإسلامي، من المثقفين والعلماء والسياسيين، أن ينبس ببنت كلمة، من الذين يدركون حقائق الأمور، واللعبة الصهيونية الأمريكية الهادفة إلى القضاء على مشروع أمة ، واستلاب ثرواتها.
• وفي أقاصي الشمال اليمني، كان السيد حسين بن بدرالدين الحوثي يبث معرفته بين أبناء قريته والقرى المجاورة، موضحاً ومبيناً حقيقة المكيدة الأخطر في تاريخ العالم، رافضاً التدخلات الأمريكية في الوطن العربي، واليمن خاصة، بذريعة أن هناك إرهابيين، تقوم الطائرات الأمريكية بدون طيار باستهدافهم، ولو كانوا من الوهابية، ونختلف معهم في الكثير، فهم من أبناء وطننا، لهم مالنا وعليهم ماعلينا، والوقوف في صفهم واجب ضد العدو الأجنبي ..
وفي العام 2002م أطلق الصرخة ( الله أكبر .. الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل .. اللعنة على اليهود .. النصر للإسلام ) وكان الغرض من إطلاقها كسر الغول الذي كونته آلة الإعلام عن أمريكا، والتحرك الفعلي ضد تحركاتها ولو بالقول، وإيقاظ الأمة من سباتها، واستنهاض الشعوب للقيام بواجبها تجاه أخطر خطر يهددها .. وقال حرفياً ( إنه زمن كشف الحقائق ) ، وإن الصرخة ستكشف الحقائق، والأحداث ستكشف الحقائق …، فتحول مسار التاريخ، وتساقطت الأقنعة تباعاً، حتى حل عام 2011م، وصعدت قوى كانت تعمل في الظل لصالح المشروع العالمي بقيادة أمريكا، ساعدتهم هي في الوصول إلى الحكم ليقدموا لها تنازلات أكبر وأكثر مما قدمته الأنظمة العربية السابقة.
• إلا أن تلك القوى والأحزاب التي كانت تتبنى قضايا المواطن الرئيسة سرعان ما انقلبت على أعقابها، وصارت تنفذ شروط وإملاءات البنك الدولي بحذافيرها، حتى خرج الشعب اليمني في ثورة عارمة، رفضاً للجرعة، ومطالباً بإصلاحات إقتصادية وسياسية…، ومن جديد تعرض الشعب للقمع، بواسطة تلك القوى التي كانت تشكو من القمع، وترفض استعماله، لكن الثورة انتصرت في 21 سبتمبر 2014م، فراوغت القوى المتسلطة، ولم يكن القرار بيدها، بل بيد أسيادها الأمريكان ..
• أوعز الأسياد إلى عبيدهم باللواذ بالرياض، وتحركت الطائرات الأمريكية والسعودية لقصف صنعاء وصعدة وبقية المحافظات اليمنية، في عدوان أسقط بقية الأقنعة ” العروبية والدعوية والقومية ” وظهرت الحقائق مجردة من الماكياج السياسي ومساحيق التجميل الديني والفئوي والمناطقي، وأعلن العملاء الخونة المنافقون الشكر للخادم الكبير للأسياد الغربيين، ونطق الواقع بالحديث المأثور ” إما مؤمن صريح أو منافق صريح ” ..
• كان عدواناً طاغياً ، كُممت فيه أفواه الحق على طول وعرض الخارطة، أخرست فيه الأمم المتحدة، وحوربت القنوات المحلية، وغيبت القضية اليمنية على شعوب العالم، بالمغالطات الزائفة، وأُطفئ نور الحقيقة، وتكالب العالم الهمجي، وحتى المنظمات الإنسانية الدولية لم تتحمل مسؤولياتها كما يجب ….
وانطلق الأحرار يسطرون الملاحم الأسطورية، بأسلحتهم الشخصية، وعزائمهم العملاقة، فهتكوا حجاب المستحيل، وأحالوا العتاد الثقيل رماداً، فصنعوا مجداً خالداً لليمنيين، استعاد مساره، مستمداً من تراثه مايليق بدوره البارز في تاريخه الإسلامي.
• وبهذا العدوان تحققت نظرة الحسين الحوثي، وانكشفت الحقائق لكل من لهم عيون يرون بها .. انكشفت الحقائق، وتساقطت الأقنعة عن تلك الوجوه التي أقنعتنا أنها معنا ومنا، والتي كانت تتغنى بحقوقنا .. والآن حاربتنا معاً في صف أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي الأرعن، والإماراتي الأجوف، وفي صف عصابات الإجرام العالمي كبلاك ووتر، والجانجويد بمرتزقته السودانيين وجنسياته المتعددة، وإلى جانبها داعش والقاعدة .. واتهمتنا بالمجوسية، والانقلابيين .. ومن جديد ارتكبت الجرائم البشعة في حق الشعب اليمني .. لم تشبع من أشلاء الأطفال المتناثرة بالقنابل العنقودية والصواريخ والأسلحة المحرمة ، فدفعت بقواعدها إلى ارتكاب أبشع جرائم السحل والسلخ والحرق وتقطيع الأطراف والتمثيل بجثث الأبرياء في المدن والقرى، وأعادت إلى الأذهان ( محاكم التفتيش ) فارتكبت محاكمات ميدانية، تنتهي بقتل الضحية ميدانياً، وعاقبت بالقتل كل من تشتبه بانتمائه إلى حب اليمن، وكل من تعتقد أنه ضد العدوان ..
وبالمقابل، قدمت نفسها فداءً للمحتل الأجنبي، تمهد له الطريق إلى بلدها ( أو الذي كان )، وفرشت له ظهور المنتمين إليها وراية وطنها لتدوسه جنازير دباباته وإطارات عرباته، واستبدلت راية اليمن برايات المحتل وسدنته ..
رفضت صرخة الحق التي جأر بها من يريد الخير للأمة، واستعارت عواءً جاء طازجاً من وراء البحار، صيغت كلماته في فنادق الرياض، ومتارس الخيانة.
• سقطت الأقنعة، فمن كان له سمع وبصر وعقل، سيرى أنها ليست وجوه .. إنها أقنعة .. فقط أقنعة …
……..وسقطت !!

قد يعجبك ايضا