المأزق الخليجي

سارة المقطري
طالعتنا الانباء مؤخرا بالعديد من المعلومات حول دول الخليج ونشاطها الأمني والسياسي أولها كانت أوائل العام الميلادي بمعلومات تتحدث عن شراء دول الخليج أسلحة بما قيمته 40 مليار دولار في العام الماضي من أمريكا وبريطانيا حيث احتلت قطر المرتبة الأولى في حجم الاستيراد بقيمة 21 مليار دولار أغلبها طائرات F15.
في الزاوية الأخرى شيدت الإمارات قاعدة عسكرية في أريتيريا انطلاقا من ميناء عصب , وقد بدأت بعملية الانشاء في عام 2015م كما سبق ذلك بناء قاعدة في ليبيا على الحدود مع مصر , مجهزة بدبابات لوكلير القتالية وطائرات ميراج 2000.
أما السعودية التي يشبهها البعض بالبوصلة التي تحرك دول مجلس التعاون الخليجي, فوقعت صفقة مع جيبوتي ( وهي الاخرى حدودية مع اليمن ) لبناء قاعدة عسكرة بحسب ما ذكرت صحيفة الفيننشال تايمز البريطانية , ناقلة عن وزير الخارجية الجيبوتي قوله: ان السعودية وقعت اتفاقاً أمنياً مع حكومة بلاده العام الماضي أتبعتها باتفاق للتعاون القضائي ضمن الاستعدادات لإنشاء القاعدة .
كل هذه التفاصيل والمعلومات والاخبار تقودنا للتساؤل : ما سر كل هذه التجهيرات العسكرية والأمنية التي تقدم عليها دول الخليج ؟ ولماذا يحقق كل هذه الأموال؟, ما الخطر التي تخاف منه دول الخليج ,وهل تراهن على الرئيس الجديد للولايات المتحدة الامريكية ؟
من المؤكد أن السعودية ودول الخليج لا تجهز كل هذه العدة لمواجهة اليمنيين أو لفتح جبهات القتال مع اليمن لأن ساحة اليمن باتت واضحة للجميع والحقائق تقول ان اليمنيين أثبتوا أنهم لا يغلبون وأن الانتصار الحقيقي قد حققوه ولم يعد لدى السعودية أي رهان لتحقيق أي شيء على ارض الواقع واستمرارها أو دخولها في حرب أشد ضراوة مع اليمنيين لم يعد مجدي .
من ناحية أخرى لا أعتقد أنها على استعداد لمواجهة جديدة في سوريا التي أصبحت قطبا لا يمكن المساومة عليه خاصة بعدما حققه الجيش السوري من انتصارات في جبهة حلب والتي أرضخت حتى الولايات المتحدة الامريكية وتركيا.
الواقع يقول ان السعودية ربما دخلت في مرحلة الدفاع عن النفس وليس الهجوم وهي تريد أن تصنع لها خط رجعة في مواجهة أي خطر، خاصة أن سياسات أمريكا تتذبذب بين ما يريده ترامب وما تريده المنظومة الامريكية، ولا يمكن أن ننسى أن الحزب الجمهوري لا تربطه علاقات ود وقبول مع السعودية وربما يحمل مفاجآت غير سارة للسعودية قريبا .
من زاوية أخرى من المستبعد أن تفكر بمواجهة عسكرية مع إيران والتي لا يمكن لأي من الخمس الدول العظمى أن تدخل في مواجهة عسكرية معها , وارتأت أن عقد اتفاق نووي هو الأفضل مستفيدة من تجربة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في الحرب على العراق والذي مازال تقرير تشيلكوت يتحدث بخجل واستحياء عن الجرائم التي ارتكبت والفشل الذي حققته تلك الحرب .
الجيل الجديد من مراهقي السعودية ودول الخليج يتخبط ولا جدال في ذلك , وربما كان شباب ثورات الربيع العربي أكثر وعيا من مراهقي السلطة في الخليج , ليس فقط في السعودية بل حتى في الإمارات وقطر الذين فقدوا حكامهم المنقلبين على آبائهم وزجوا بأبنائهم في معترك لا يفهمونه ولا يدركون خطورته .
وهنا نقول :
قد يكون الخليج العربي مُقدم على خيارين
* إما مواجهة حقيقة مع مصر التي تعد قطبا مهما في الساحة العربية , وحقيقة تاريخية تقول أن كل من مصر وتركيا وإيران لديها جذور غائصة في الارض بهذه المنطقة ولديها حضارات راسخة ومجتمعاتها أنتجت ثقافات لها تأثير .
فقدت السعودية علاقاتها مع إيران بشكل أو بآخر ومن المستبعد أن تنجح أي وساطات لتقارب بين الدولتين على الرغم من محاولات الكويت الاخيرة .
تركيا اليوم مدت يدها لمن يمكن أن ينقذها من المستنقع الذي وضعت نفسها فيه وهي اليوم تحاول أن تحافظ على ما تبقى.
أما مصر فهي القوة التي يجب أن تلعب دورا حقيقيا في المنطقة وقد شاهدنا مؤخرا الجذر بين الدولتين بعيدا عن اي مد , ومصر هي القوة التي من الممكن ان تواجه السعودية في حال تطلب الأمر مع العلم ان مصر ليست بصدد ذلك , لكن لديها من القدرة السياسية والعسكرية للقيام بذلك واكثر .
الخيار الاخر أن دول الخليج تحضر كل ذلك لترهن مستقبلها السياسي وتحديدا السعودية التي وصفها ترامب بأنها البقرة الحلوب , وفي حال قامت الولايات المتحدة بابتزازها أكثر ستكون جاهزة , وظهر ذلك مؤخرا من خلال قانون “جاستا” , بالتالي قد تضطر السعودية لتسليم كل تلك المعدات وقواعدها العسكرية وأسلحتها (مجانا) , مقابل أن ترضى الولايات المتحدة عنها وعن حلفائها .
مازالت اليد ممدودة للسعودية وقد دُعيت ومازالت مدعوة للدخول في التحالفات الجديدة قبل فوات الأوان .
الخليج عموما والسعودية خصوصا في مأزق ولن ينقذها إلا أن تعترف أنها فشلت في كل الملفات وخاصة الملف اليمني كيف تستطيع أن تحافظ على ما تبقى منها ؟!.

قد يعجبك ايضا