الإرهاب وازدواج المعايير ..
أحمد يحيى الديلمي
العمليات العسكرية لقوات المارينز ، التي دشن بها الرئيس الأمريكي ترامب عهده ، وافتتح من خلالها عصر ولايته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، لا شك أنها عادت بذاكرة المتابع لسيناريوهات ما يسمى “الحرب الكونية على الإرهاب” إلى الوراء أكثر من سبع سنوات ، عندما دشن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ولايته بجريمة المعجلة في محافظة أبين واستهدف عرساً جماعياً استناداً إلى نفس الحجة وتحت مظلة المبرر ذاته محاربة القاعدة وعناصر الإرهاب والتطرف”.
إلا أن نتائج العملية كانت مأساوية ، إذ راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيداً جُلهم من الأطفال والنساء ، ولم يثبت وجود أي شخص ينتمي إلى القاعدة في الموقع المستهدف بدليل أن الأشخاص المعلن عن استهدافهم ظلوا أحياء ، وظلت الطائرات الأمريكية تتعقبهم بضربات مكثفة إلى أن طالت بعضهم ومنهم الحارثي والعولقي ، بينما عجزت عن مطاردة آخرين ولا يزالون أحياء إلى هذه اللحظة .
ومنهم من أوكلت إليهم مهمة فبركة مشهد الهزيمة والانكسار أمام ما يسمى بالجيش الوطني والمقاومة في مدينة المكلا محافظة حضرموت ، استناداً إلى الإستراتيجية الأمريكية التي تنقل مقاتلي “القاعدة” “وداعش” وكل أعضاء المنظمات الإرهابية الأخرى إلى خانة “الثوار” و”المقاومين” ، إذا اقتضت الإستراتيجية الأمريكية ذلك .
لن أخوض في الحديث عن التداعيات المأساوية التي خلفتها عملية ترامب ، ولا عن الضحايا المدنيين بقدر ما يهمني الحديث عن طبيعة المعايير المزدوجة لظاهرة الإرهاب .
من الدلالات شبه المؤكدة المستنتجة من أسلوب العمليات وزمن حدوثها كمقدمة لعهد جديد في أمريكا ، التأكيد على العلاقة المشبوهة بين الطرفين وكيف أن أمريكا تراهن على هذه الجماعات بهدف تقويض أمن الشعوب وإخضاع إرادات القيادات المحلية فيها لرغبات صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم تأتي مثل هذه العمليات العسكرية المباغتة في نفس الإطار الممنهج للإخضاع والاتباع القسري وتزداد دوافع الإقدام على خوضها وتخطي كل المخاطر التي قد تترتب عليها عندما يتناهى إلى سمع المخابرات الأمريكية وجود أي نوع من الحوار الوطني الداخلي على أي مستوى من المستويات ، قبل أن تتحقق الغايات والأهداف التي اقتضت شن العدوان الهمجي الشامل .
هذا المعُطى هام يؤكد أن العدوان على اليمن أمريكي بريطاني تخوضه قوى عربية بزعامة السعودية بالنيابة فقط .
في هذا الجانب نتساءل : لماذا كان أولاد الذهب في عداد “الثوار” وهم يعيثون في الأرض فساداً ويرتكبون أبشع الجرائم ضد الأطفال والنساء في رداع والمناطق المجاورة ، وظلوا يحظون برعاية خاصة من محافظ البيضاء المعين من قبل الفار هادي يمدهم بالسلاح والمال ويدفعهم لمواجهة أبطال الجيش واللجان الشعبية ، وطالما شاهدناهم في لقاءات مع نفس المحافظ المصنف في قائمة الإرهابيين من قبل أمريكا ؟!! ولم يطله أي سوء حتى اليوم بل أنه يزداد انصهاراً مع الإرهابيين.
نحن في اليمن نرفض الإرهاب والإرهابيين بشكل مطلق بدوافع وطنية ودينية ، لكننا لا نقبل إطلاقاً هذا الخلط المريب وازدواج المعايير في تصنيف الظاهرة وتعريف من هو “الإرهابي” كما نرفض رفضاً باتاً أن تتحول العملية إلى وسيلة للتركيع وانتهاك السيادة الوطنية ، هذه الأعمال مرفوضة من كل مواطن يمني والشعب كل الشعب قادر على دحر الإرهاب وإسقاطه في مهده .
ونتمنى لو أن المنظمة الدولية صنفت الظاهرة بأفق عادل يشمل إرهاب وجرائم الدول ، كما يحدث من نظام آل سعود في اليمن ، ودولة الكيان الصهيونية في فلسطين ، ولو حدث مثل هذا لأصبح ما تقوم به أمريكا مصنفاً في نطاق إرهاب الدول.. فهل يمكن أن يرتقي العالم إلى مستوى المسؤولية ، ويتجاوز هذا الإسفاف والخلط المريب؟! . الواقع يؤكد استحالة أن تتحقق هذه الرغبة لكنها أمنية ، والأماني مشروعة . . والله من وراء القصد ..