الثورة نت/د.سناء الشعلان
من له باع طويل ويد عليا في قراءة المذاهب الفكريّة الحديثة لا سيما الوجوديّة منها،وله إطلالته المشرفة بحقّ على الأدب العربيّ الحديث لا سيما الشّعريّ منه،يستطيع أن يحسن تثمين كتاب ” الاتّجاهات الوجوديّة في الشّعر العربيّ الحديثّ” للعلامة الهنديّ محمد ثناء الله النّدوي،وهو كتاب يعدّ علامة من علامات نقد الشّعر العربيّ الحديث من منظور الفكر الوجوديّ.ومن السّهل علينا عند الإطلاع عليه أن نخمّن مقدار الجهد الفكريّ والبحثيّ والاستقصائي الذي بُذل فيها حتى استوى على الشّكل الذي قبله له مؤلّفه النّدويّ،وهو جهد لعلّه استمرّ لسنوات،ليتشبّع –بوضوح- بثقافة مؤلفه وبفكره وبآرائه ونظرته للتّأثّر والتّأثير،وفلسفته البحثيّة الرّصينة في رصد تجلّى المؤثّر في الأثر،أعني –هنا- تجلّي الاتّجاه الوجوديّ في الشّعر العربيّ الحديث.
هذا الكتاب صدر عن قسم اللّغة العربيّة في جامعة عليكره الإسلاميّة الهنديّة،وهو يقع في 357 صفحة من القطع المتوسّط،ويتكوّن من اثني عشرة فصلاً مرهونة بمقدمة تسبقها،وخاتمة تنهيها،وتجمعها في تبئير تلخيصيّ ختاميّ.
ولعلّ الكتاب يبدأ فعلاً من صفحة الإهداء،لا من صفحة المقدّمة،إذ يعبّر العلامة النّدويّ في هذه الصفحة عن الرّوح التي تملّكته وهو يقوم بهذا البحث العميق المطوّل المتأنّي،إذ يقول في الإهداء:” إهداء آخرين هم الفردوس،من وقفوا في وجه حيرتي وضياعي :أبي (أكرم مثواه) وأمي (طال بقائها) وأساتذتي،فجزاهم الله خيراً” (1)،وكأنّ العلامة النّدويّ يبدأ رحلة الحيرة من نفسه عبر رحلته الأولى مع العلم والسّؤال والمعرفة،ثم ينتقل بهذه الرّحلة بما فيها من أسئلة وجود وحيرة وشكّ ويقين إلى تجارب غيره من الحائرين في محورين:الأوّل: التّشكيل الفكريّ الممثّل في التّنظير للمدرسة الوجوديّة،والثّاني التّشكيل الإبداعيّ المتأثّر بالتّشكيل الفكريّ ممثلاً في الشّعر العربيّ الحديث المتأثّر بالوجوديّة.
وتمهيداً لذلك كلّه يرصد النّدوي مقدّمة كتابه لتكون إطلالة سريعة على الفكر الوجوديّ عبر مشكلاته ومحرّضات وجوده وتمثّلات أفكاره في ضوء المعطيات التّاريخيّة والثّقافيّة التي هيأت لولادته،أو سوّغت وجوده،وهو يجعلها توطئة ذكية ومقنعة للمقبل من كتابه حيث يقول في ختامها :” ويجب أن أشير – في نهاية هذه البداية- إلى أنّني قمتُ في هذا الكتاب بإحاطة التّنظير الفلسفيّ والأدبيّ والشّعريّ للوجوديّة الأوربيّة العربيّة الحديثة،وتقميش المعلومات حوله ودراسة الشّعر الوجوديّ في غرب آسيا بما يجعل القارئ يشاهد صرح الوجوديّة يسمع صرختها،والمؤلّف هو المسؤول عن التحرّي الموضوعيّ والاستدلال العلميّ وإيراد النّصوص والاستنتاج:قوة وضعفاً،رداً وقبولاً،على كلّ فالمجال متسع في موضوع مثل فلسفة الوجوديّة وانعكاساتها في الشّعر العربيّ الحديث” (2)
وبعد هذه المساحة الشّاسعة من الجدل والمناظرة التي يطرحها النّدويّ أمامنا ينتقل إلى مدخل كتابه الذي يعقده تحت عنوان ” فلسفة الوجوديّة:تنظيرها الأنطولوجيّ وتقميصها الاجتماعيّ والرّوحيّ”،حيث يتصدّى في هذا الفصل للمحدّدات الزّمنيّة والمكانيّة والظّرفيّة التي خلقت أرضاً محفّزة لمخاض الفكر الوجوديّ،ثم دراسة للقاعدة الفكريّة للوجوديّة ابتداء من ولادتها بوصفها حركة فلسفيّة،مروراً بأشهر أعلام الوجوديين الأوربيين باستعراض مشبع لنظرياتهم الوجوديّة انطلاقاً من مناهجهم على اختلاف تشكيلاتها ومعطياتها ومكوّناتها على مستويي التّنظير والسّلوك،انتهاء بالتّوقف المتأمّل والطّويل عند مساحات التّلاقي والتشابه والتّداخل والتّنافر بين الفكر الوجوديّ والفلسفات الأخرى لاسيما الفلسفة الإسلاميّة والغنوصيّة الإسلاميّة في ظلّ تنظير موجز حول التّصوّف الوجوديّ والأدب الوجودي الأوروبيّ،وقوفاً على عجالة عند تعريف الشّعر الوجوديّ،وهو تعريف يستثمره النّدويّ في اختياره للنّماذج الشّعريّة العربيّة التي يختارها مادة تطبيقيّة لكتابه هذا.
وقد نظّم النّدويّ هذه الأحفورات المعرفيّة في عناوين داخليّة،وهي:مدخل،أسلاف الوجوديين،ظهور الحركة الوجوديّة كحركة،القضايا المنهجيّة في الوجوديّة،التّنظير الأنطولوجي ومقولاته،الوجود،العدم،الحرية،الاختيار،الالتزام والمسؤولية،وجود الآخرين،وجود الله،مقولات العاطفة والإرادة،الأحوال العاطفيّة،معطيات الوجوديّة في الأخلاق والسّلوكيّات،أوجه التّلاقي بين الوجوديّة والفلسفة الإسلاميّة،الإنسان الكامل والرجل الأوحد،القلق،الملامتية والقلندريّة من وجهة نظر وجوديّة،التّصوف الوجوديّ.
أمّا الفصل الثّاني المعقود تحت عنوان “التّنظير الوجوديّ للأدب”،فهو يرصده لعرض يمثّل الفكر الوجوديّ في الأدب متمثّلاً ذلك في رصد دقيق ومستوف لأهم أدباء الوجوديّة وإبداعاتهم ضمن تسلسل زمنيّ دقيق ومثبت،وقوفاً عند ملامح هذا الأدب الوليد وأهم قضاياه وتجلياته وتشكّلاته وتلقّي الجماهير له في ضوء الظّروف الفكريّة والسّياسيّة الاجتماعيّة التي عايشت تلك الولادات الإبداعيّة في حضن الفكر الوجوديّ.
في حين أنّ الفصل الثّالث من كتابه كان توقّفاً ببلوغرافيّاً عند أهم الأعمال الوجوديّة التي تُرجمت إلى العربيّة،وذلك في فصل معقود تحت عنوان “ترجمة الأعمال الوجوديّة إلى العربيّة”،مع التوّقف عند بعض مواقف مفكري الوجوديّة وأدبائها التي جعلت لهم موطأ وجود واحترام وتقدير في المشهد الأدبيّ الفكريّ إبّان فيض التّرجمات من أدبهم إلى العربيّة،وهي مواقف جعلت الكثيرين يرغبون بالإطلاع على إبداعاتهم،وقد رأى النّدويّ في هذا الفصلّ أنّ الوجوديّة قد حظيت بتربة خصبة في البيئة العربيّة بعد الحرب الثانيّة للأسباب التّالية:” البعثات العلميّة التي أمّت أوروبا في الرّبع الثالث من هذا القرن،والمثقفون الذين كانوا يتقنون اللغات الأجنبيّة ويقرأون التّراث العلميّ والفلسفيّ في اللّغات الفرنسيّة والألمانيّة والانجليزيّة وسواها،ويحتكون بأساتذة الجامعات الغربية والمثقفين من الغرب،والتّرجمات التي نقلت من خلالها إلى العربيّة أعمال الوجوديين وشروحها والتّعليقات عليها”(3)،مشيراً إلى أنّ العرب قد ركزوا في التّرجمات الوجوديّة إلى العربيّة على الوجوديّة الفرنسيّة،لا سيما أعمال سارتر وكامو وسيمون دي بوفوار.
وانتقل العلامة النّدويّ في الفصل الرّابع المعقود تحت عنوان ” مراجعات وتعقيبات عربيّة للفكر الوجوديّ” إلى رصد مواقف أشهر المفكرين والأدباء والنّقاد والفلاسفة والأكاديميين العرب الذين كتبوا كتباً أو دراسات أو أبحاث أو مقالات حول الوجوديّة،وهي مواقف ومؤلفات تراوحت بين العرض إلى التّبني والإعجاب إلى النّبذ والرّفض والتّفنيد والإقصاء،وفي ذلك يقول النّدويّ:” لا نجد مؤلفاً شهيراً أو كاتباً قديراً أو مثقفاً يُشار إليه بالبنان من العرب إلاّ وتناول الوجوديّة والوجوديين موقفاً هجوياً،ومنهم من دافع عن الوجوديّة وفلسفتها وأدبها،ومن أشهر من تناول الوجوديّة دفاعاً أو هجوماً على السّاحة العربيّة:عباس محمود العقاد،وطه حسين،وسلامه موسى ويوسف إدريس وحسين مؤنس ولويس عوض وأحمد بهاء الدّين وأنور الجندي ومحمد لبيب البوهي”(4)
أمّا في فصل “توأمة الحداثة والوجوديّة على السّاحة العربيّة” فقد قدّم النّدويّ رؤيته الخاصّة حول حدود التّداخل والاستدعاء والاستعارة والاستنهاض في تخوم الحداثة والوجوديّة في السّاحة الإبداعيّة العربيّة المحدثة؛إذ يرى النّدويّ أنّ الحداثة تتضمّن عناصر عدّة،وتستلزم الأخذ بعناصر عدّة،وواجهت صعوبات عديدة منذ نشأتها في أوساط الأدب العربيّ الحديث لا سيما الشّعريّ منه،وهي جميعها تقودنا إلى الاستدراك على تأثر الأدب العربيّ بالوجوديّة لاسيما أنّ الحداثة واجهت رفضاً كما واجهت الوجوديّة،وفي ذلك يقول النّدويّ مفسّراً:” في رأيي أنّ هذه المعاناة الذّهنيّة أو وليدة العقل،لأنّ العالم الحديث الذي يتحدّث عنه المحدثون يعنون به العالم الأمريكيّ والأوروبيّ،وليس العالم الوطنيّ الحديث الذي وُلد ونشأ فيه الأديب العربيّ،وهذا يجعل الحداثة الشّعريّة لدى الشّعراء والنّقاد المحدثين وكأنّها جسم غريب مستعار”(5) .وفي هذا الصّدد توقّف النّدويّ عند مسألة الوزن والقافية،والنّثر الشّعريّ والشّعر المنثور،والقصيدة الحديثة،واللّغة الشّعريّة الحديثة.
في حين رصد النّدوي الفصل السّادس من كتابه ليكون بعنوان ” الوجوديّة في الشّعر العربيّ الحديث”،وفيه يتوقّف على حلول الوجوديّة في المبنى الشّعريّ العربيّ،وفي ذلك يقول:” الوجوديّة نوع من الحداثة الفكريّة في الشّعر العربيّ الحديث،ولا يخفى على الباحث أنّ الشّعر العربيّ الحديث شهد ألواناً من معطيات فكريّة وتجارب شعريّة في العصر الحديث… لقد حمل الفكر الوجوديّ إلى المجتمع العربيّ معطيات إيجابيّة ومعطيات سلبيّة في آن واحد…”(6).وقد توقّف عند أهم الصّفات التي تتميّز بها النّقطة الوجوديّة المليئة بالمعاني،وهي :الجزع،والقلق.إلى جانب الوقوف عند أداوت التّعبير وما اعتراها من تغيير على مستويات الألفاظ والصّور والوزن في ظلّ الوجوديّة،وصولاً إلى الوقوف عند موضوعات التّعبير التي يقول النّدوي في عنها:” موضوعات التّعبير غير محدودة في الشّعر الوجوديّ،وللشّاعر الوجوديّ أن يطرق أيّ موضوع شاء،لكن بشرط أن يكون في هذا الموضوع ما يرتفع به إلى إبداع عالم من الإمكان في نطاق الذّاتيّة،وهو لهذا لا يضيّق حدود إلهامه بشيء ممّا يتصل بطبيعة الموضوع المعالج”(7)
وشكليّاً الفصول السّت الأولى من هذا الكتاب هي حقل تنظيريّ ومنجز عملاق من الببلوغرافيا والرّصد الزّمنيّ والتّجذير التّاريخيّ والفكريّ والجماليّ لما يعرضه النّدويّ من أنساق فكريّة واستدعاءات فكريّة وسلوكيّة وفنيّة،في إزاء الموقف البحثيّ الصّارم الذي يصدر عنه في تجلياته وانتقاءاته وتشكيلاته الفكريّة والجماليّة،وهو موقف يرصد بحياديّة تحليليّة،تسمح للملتقي بتشكيل رؤيته وموقفه دون دفعه إلى تبنّي موقف بحد ذاته خارج عن حقّه في حريّة تلقي الحالة الجماليّة التي هو بصددها وفق معرفته بالأرضيّة التّاريخيّة للفكر الوجوديّ.
أمّا الفصول السّتة الأخيرة من هذا الكتاب فهي تشكّل الجزء التّطبيقيّ من هذه الدّراسة حيث تنعقد في سبعة فصول تحمل على التّوالي العناوين التّالية:” شعراء وجوديون” وخليل الحاوي:ترتيل ناي وريح ورماد” و”بين قافية الحياة وقافية الشّعر:انعكاسات بدوي في مرآة نفسه” و”حطام الفراغ وشموخ الحريّة:أدونيس وأغانيه” و”البياتي وإدماء سيزيف” و”بقايا رجاء في بقايا رجل:المأساويّ المتفائل في صلاح عبد الصّبور”.وفي هذه الفصول يبتدأ النّدويّ دراسته التّطبيقيّة بتقعيد أهمّ ملامح الوجوديّة في الشّعر العربيّ المعاصر حيث يقول في ذلك:” الشّعر الوجوديّ يكثر من استخدام الصّور في التّعبير قدر المستطاع،بحيث لو قدر أن يجعل تعبيراته كلّها معرضاً مستمرّاً لصور متوالية لكان من الذّروة العليا من الإبداع في الأداء”(8)، و”الشّعر الوجوديّ يطرق أيّ موضوع شاء بشرط أن يكون في هذا الموضوع ما يرتفع به إلى إبداع عالم من الإمكان في نطاق الذّاتيّة” (9) ،و” الشّعر الوجوديّ العربيّ يمثّل المعطيات السّلبيّة والمعطيات الإيجابيّة لفلسفة الوجوديّة في آن معاً،فمن المعطيات السّلبيّة ما امتلأ به الفكر الوجوديّ من معاني التّمزّق واليأس والعبث والاستسلام والقرف والغربة والقلق والتّوتّر والملل والضّياع والغثيان والتّنكّر لقيم الأخلاق والعيش في دوامة الحيرة والتّناقض والانسحاق ومسرحياتها،أمّا الجوانب الوجوديّة الايجابيّة من الفكر الوجوديّ فهي تتمثّل في مبدأ اعتبار الإنسان أصلاً في الوجود،وتوكيد الذّات الفرديّة والحريّة التي لا يقيّدها شيء والتي تتحقّق بالعمل والإبداع وتغيير الحاضر وبناء المستقبل،هذه الحريّة تجعل الإنسان مسؤولاً عن هذا الاختيار،وبالتالي عن هذا العالم كلّه،فالحريّة والالتزام الكلّي أفضل ما منحتنا فلسفة الوجوديّة وأفضل ما تبّناه الشّعر”(10) ،” الوجوديّ ينبذ كلّ ما هو وراء المادة وكلّ ما هو خارج الوجود الإنسانيّ،إنّه يبدع إنجيله من تراتيله،ويولد في كلّ غدّ من جديد،وهو في اختياره لهجة البرق والصّاعقة قديس بربريّ وساحر الغبار وفارس الكلمات الغريبة،والأرض له سرير وزوجة والعالم انحناء،إنّه يبحث عن عالم يبدأ في طرف العالم”(11)
وبعد أن يحدّد النّدوي المعاني التي تسكن الوجوديّة وتتجلّى في الشّعر العربيّ الحديث ينطلق إلى رصدها في الأمثلة التطبيقيّة الخمسة التي اختارها؛ويتوقّف عندها جميعاً بالتّعريف بالأديب صاحبّ النّص المستدعى وبعلاقته بالوجوديّة وروافدها الفكريّة وما قيل عنه في هذا الصّدد،ثم يتخيّر العمل الذي يراه أنموذجاً لحلول الوجوديّة في فكر شعره،ثم يشرع يفكّكه،ويُعمِل مبضعه فيه بخفّة متمرّسة،فيخلع عن الصّمت رداءه،ويرينا وجه الوجوديّة في خفاء المسكوت عنه في تلك النّماذج المتخيّرة،ثم يترك لنا أن نقيّم العمل الإبداعيّ الذي شرّحه لنا،بعد أن وضعه في أحضاننا مخلّياً بيننا وبينه،لنتلمّس فيه ملامح الوجوديّة وفق فهمنا لها،وتعاطينا مع ملامحها وأفكارها وطروحاتها.
وخليل الحاوي هو أوّل من يستدعيه أنموذجاً للشّعر العربيّ الوجوديّ،حيث يدرس بعض قصائد ديواني” نهر الرّماد” و”النأي والريح” ليصل بنا إلى أنّ هذين الدّيوانين يشكّلان ذروة الشّعر الوجوديّ الرّصين في الأدب العربيّ،كما يمثّلان تجربة حضاريّة تتصدّى للقلق والتمزّق الذين يثيران الحيرة واللّبس”(12) ،ثم يرحل إلى الدكتور عبد الرّحمن بدوي في ديوانه “مرآة نفسي” حيث يستعرض في قصائده ملامح كثيرة ومتعدّدة ومتكرّرة للوجوديّة في أكثر صورها جلاء،ثم بعد ذلك يعرّج على الشّاعر أدونيس في ديوانه “أغاني مهيار الدّمشقيّ” الذي يتكوّن من سبعة فصول جميعها تحتوي على عناصر وجودية بشكل ظاهر ومسيطر على أجواء القصيدة،ثم يطيل وقوفه في الفصل الحادي عشر عند الشّاعر عبد الوهاب البياتي،حيث يدرس قصائد مختارة من دواوينه الشّعريّة التي تعجّ بالوجوديّة،مثل:”أباريق مهشمة” و”النّار والكلمات”و”سفر الفقر والثّورة” وغيرها،وذلك في إطار خليط بين الماركسيّة والقوميّة العربيّة والوجوديّة “بما تقوم عليه من مفاهيم الحريّة ومعاناة الوجود الإنسانيّ من أزماته ومشكلاته وقضايا الذّات الفرديّة والجماعيّة،والتزام ذلك طوعاً واختياراً من خلال المفهوم الحقيقيّ للحريّة الوجوديّة”(13)،ثم ينتهي عند صلاح عبد الصّبور في ديوانه ” النّاس في بلادي” الذي بدأ تجاربه الشّعريّة واقعيّاً اشتراكيّاً ثم انتهى وجودياً بامتياز في ديوانه “النّاس في بلادي” الذي يقول النّدوي عنه:” صلاح الحائر القلق السّاخط الرّاضي يمثّل جيلاً ،في نجاحه وإخفاقه،ولكنّه لا يؤمن بالهزيمة،لأنّها تدمير،وهو يحبّ البناء،وهو على استعداد تام لمواجهة الحياة العابثة والهادفة على حدّ سواء”(14)
وينهي النّدوي كتابه بتأكيده أنّ دراسة تجلّي الوجوديّة في الشّعر العربيّ المعاصر هي حالة وعي بحالة جماليّة لها مسوّغاتها الفكريّة والاجتماعيّة والسّياقيّة،وليست مجرّد طفرة أو حيلة استعراضيّة أو استدعاء أعمى هدفه التّقليد لا غير،وبذلك يقول:” ويجب التّأكّد من حقيقة هي أنّ جوهر التّنظير والتّطبيق في كلّ من فلسفة الوجوديّة وغزوها للعالم العربيّ وأوساط الثّقافة والأدب العربيّة،وظلالها وأضواءها ومخلفاتها في المجتمع العربيّ وانعكاساتها في الشّعر العربيّ الحديث يجب أن لا يتراءى تزويقاً أو تسويغاً بأيّ نوع كان،وإنّما هو بلورة واقع كينونيّ بأبعاده البراجماتيّة والوظيفيّة والجماليّة”(15)
الإحالات:
1 – محمد ثناء الله النّدوي: الاتجاهات الوجوديّة في الشّعر العربيّ المعاصر،ط1،منشورات قسم اللغة العربيّة وآدابها،جامعة عليكره الإسلاميّة،عليكره،الهند،ص صفر.
2 – نفسه:ص VI
3 – نفسه:ص100
4 – نفسه:ص128.
5 – نفسه:ص146.
6 – نفسه:ص170.
7 – نفسه:ص183.
8 – نفسه:ص193
9 – نفسه:ص193
10 – نفسه:ص194
11 – نفسه: ص194-195.
12 – نفسه:ص213
13 – نفسه:ص277
14 – نفسه:ص324
15 – نفسه:ص334.