البيانات المشبوهة .. كيف تحوَّلَ كيس القمح الإماراتي إلى الاحتلال الإماراتي ؟

جميل أنعم
بقراءة مبكرة جداً وقبل العدوان أوضحنا بأن من أهداف العدو هو إيصالنا إلى مرحلة الشراكة الإنسانية، وأشار لها أيضاً السيد القائد في أحد خطاباته، ويكون ذلك بعد انعدام خدمات المياه والكهرباء وخروج جغرافيا عن سيطرة الدولة وانتشار المجموعات المسلحة، ويكون بتوزيع مواد الإغاثة الإنسانية ..الخ .
واليوم العدوان الصهيوني عطل كل أشكال العمل والإنتاج، فأصبح معظم الشعب اليمني يلهث وراء منظمات الإغاثة الإنسانية المُخطط لها من الخارج، وتعددت منظمات الإغاثة، فالبعض منها مشكورة، والتي توزع مواد الإغاثة بقاعدة بيانات أولية بالاكتفاء بالاسم المستهدف والمستحق للإغاثة والتوزيع، وذلك أمر لا نتوقف عنده .
والأمارات العربية المتحدة بدأت أعمال الإغاثة مبكراً وقبل عام 2011م بتوزيع كيس قمح على موظفي الجمهورية، وكذلك المتقاعدين، وبعض مناطق الريف، وبقاعدة بيانات لأسماء الموظفين والمتقاعدين، ولاحقاً أصبحت الأمارات دولة معتدية وغازية ومحتلة .. والأمارات أيضاً منحت الجنسية الإماراتية لجزء واسع من سكان جزيرة سقطرى، وشَجَّعت على الزواج من فتيات الجزيرة اليمنية، وانتهى الحال بإنزال العلم اليمني من سقطرى ورفع علم الأمارات مكانه، واختفى العلم اليمني من كل ومعظم المحافظات الجنوبية .
والتساؤل المشروع هو كيف استفادت الأمارات من أعمال الإغاثة وقاعدة البيانات لكيس القمح الإماراتي الذي تحوَّلَ لاحقاً إلى الاحتلال الإماراتي ؟
وهنالك نوع معروف الهوية والهدف، بانفراد أتباع الوهابية من الإخوان والسلفية بتوزيع التمور والزيت والطحين والأرز في مواسم شهر رمضان المبارك، ولمناطق ريفية وأسر محددة، تدين بالولاء المطلق للسلفية الوهابية وحزب الإصلاح الإخواني، والذي يُترجم لاحقاً بالتصويت الانتخابي للمرشح الإخواني والسلفي، أو بالحشد الجماهيري والمظاهرات للاستثمار السياسي .
وفي السنوات الأخيرة عامة وخاصة بعد العدوان مارس 2015م، انتشرت منظمات توزيع الإغاثة وبمسميات مُتعددة، والأمر المضحك المبكي معاً بأن العدو يشن عدوان ويشل بل يعدم كل أشكال الحياة للإنسان والنبات والحيوان وبنفس الوقت يزعُم بأنه أقام مركز سلمان للإغاثة، وأزلامه الخونة المرتزقة هم المسئولين بالتوزيع، وذلك أيضاً لن نتوقف عنده كثيراً، فهو ينطبق عليه قول الشاعر :
ومتصدقةً من كَدِّ فرجها … لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدقي
والشعب اليمني معظمه منكوب بالعدوان، والدين والأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية توجب إغاثة المستحق بدون تمييز .. وبعض المنظمات تستهدف النساء الأرامل والمطلقات فقط، وتشترط إرفاق صورة من شهادة وفاة الزوج للأرملة، صورة من صك الطلاق للمطلقة + صورة من البطاقة الشخصية .. وبذلك تتوفر قاعدة بيانات للأرامل والمطلقات لمنطقة ما .. وتُرفع الكشوفات للمنظمة التي تعتمد بعض المطلقات والأرامل وتستثني البعض الآخر، هذا النوع رقم واحد .. والنوع الثاني أيضاً يستهدف الطالبات بالمدارس بقاعدة بيانات، الاسم، رقم الهاتف، كيفية الحضور إلى المدرسة، والهدف مجهول، فهل هي إغاثة أم إغاثة من نوع نجهله .. وثالثة الأثافي وهو الأهم والذي ظهر مؤخراً بقيام بعض الجمعيات الخيرية المناطقية البعيدة جغرافياً عن المحافظة، برصد أبناء هذه العزلة أو المديرية والساكنة في محافظة أخرى، وبمبرر توزيع مواد إغاثة لأبناء هذه العزلة، وتشترط تعبئة استمارة انتساب للجمعية المناطقية كشرط لتوزيع السلة الغذائية بعد تسليمها لمنظمات دولية مجهولة .. والرابعة من المنظمات تستهدف المعوقين فقط .. وهكذا أصبح لهذه المنظمات الخارجية قواعد بيانات تفتقر الدولة نفسها لهذه البيانات، بل أن الدولة لم يخطر ببالها يوم أن تحصي الأرامل والمطلقات والمعوقين وكيفية وصول طالبات المدارس إلى المدرسة بالسيارة أو مشياً بالأقدام ..الخ، وكل ذلك يحدث بعيداً عن أنظار الدولة سواء بسيطرة المجموعات المسلحة أو بغيرها .
قد يقول قائل بالغت، وآخر تحاملت، وهذه المنظمات تريد التخفيف على أكثر المكونات تضرراً .. فهل الأرامل والمطلقات وطالبات المدارس وحتى المعوقين “شعب آخر” أليس لديهم أسرة ورب أسرة، ولماذا لا تستهدف البيانات الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم وأصبحوا منكوبين بسبب العدوان والحصار، بل لماذا يستمر العدوان والحصار وزوالهم أكبر إغاثة، وإلى متى تستمر إغاثة التمزيق أفقياً وعمودياً وحتى شاقولياً إنسان وجغرافيا، والمناطق المحررة لماذا إغاثتها بل لماذا هي الأكثر عوزاً وحاجة للإغاثة، إغاثة أم مسح وفرز بعد التدمير، إنها مرحلة الشراكة الإنسانية بعزل وإدارة وتطهير وتهجير المناطق بذريعة التدخل الإنساني.
ودول الخليج العربي عامة وخاصة المملكة العربية السعودية رفضت انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي منذُ 25 سنة، وعلى مستوى الأفراد ترفض منح تأشيرة الدخول لليمنيين للعمل، إلا من رحم ربي، وبنظام الكفيل، وبعد العدوان مارس 2015م فتحت السعودية المجال لأسر يمنية بالدخول إلى المملكة وحتى الأمارات، وبأسر يمنية من مناطق معينة وبهوية طائفية، حتى منفذ الوديعة لموسم الحج لهذا العام، كان يسمح للشافعي بالمرور والزيدي لا يسمح له بالمرور لأداء مناسك الحج.
كل ذلك وأكثر وما بعد الأكثر، فعندما يقوم النظام السعودي بتهجير أبناء الطائفة الشيعية الإسماعيلية الكريمة من نجران وجيزان ويهدم البيوت والمنازل، ويسحب الحرس الوطني من جيزان ونجران، ويُمكِّن مجموعات التكفير المسلحة من احتلال جيزان ونجران .. وعندما ترسل ما تسمى بالمقاومة الجنوبية بالجنوب والمقاومة الشعبية في تعز آلاف المقاتلين للقتال وبخلفية طائفية، وعندما تشهر ما تسمى بمقاومة عدن ومقاومة تعز سلاح الطائفية العنصرية ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية .. وعندما تقتل المقاومة الشعبية في تعز أبناء تعز من الجيش واللجان وحتى المدنيين العزل الرافضين للعدوان .. وعندما تقوم الجمعيات المناطقية التعزية بمسح وتعداد أبناء تعز بالمحافظات الشمالية والساحل الغربي .. وعندما يصدح إمام الحرم المكي الشيخ الوهابي “عبدالرحمن السديس” بالقول إن لم تكن حرباً طائفية جعلناها حرباً طائفية .. وعندما يحشد النظام السعودي المؤتمرات لاتهام وإدانة شيعة آل البيت من إيران واليمن باستهداف قصف مكة المكرمة والكعبة المشرفة .. وعندما يُصرِّح رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو بأن الأيام المقبلة ستشهد تغييرات في الوطن العربي .. وأمام معطيات عندما وبيانات الإغاثة، فإن العدو الحقيقي الماسوني الصهيوني قد خطط لحرب طائفية لا تبقي حجراً على حجر، وتقسيم اليمن طائفياً بالحرب والعدوان والتطهير العرقي والتهجير الطائفي مسح وفرز وغيره، كل ذلك ينتحر وسينتحر على صخرة وطنية الجيش اليمني واللجان الشعبية، ويلفظ أنفاسه على صلابة التحالف الوطني اليمني لكل الشعب اليمني وبطليعته أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، والذي حاول ويحاول الطابور الخامس والطرف الثالث من النيل منه، وسينقلب السحر على الساحر، ليس باليمن بل في الكيان السعودي والإماراتي والصهيوني وحتى أمريكا ترامب، وكل البيانات المشبوهة ستذهب أدراج الرياح، رياح عاصفة الحزن .
وبيانات الأرامل والمطلقات وطالبات المدارس والمعوقين، حاولتُ بالاجتهاد والإجهاد إيجاد تفسيراً لها، ولأول مرة أعجز بتفسير ذلك ولم أجد سبباً مقنعاً لذلك سوى أن الفرز والمسح العنصري للتمزيق مستمر، ولصالح كونتينات اتحاد فيدرالي على نمط الدستور الأمريكي يديرها حكام عملاء أكثر صهيونية من على شاكلة آل عشقي وآل خلفان والخاشقجي وبحاح، والعدوان على اليمن مستمر وبأشكال وصور متعددة، وللأسف الشديد من الداخل أكثر من الخارج .. هذا الداخل أضر بالوطنية والتعايش الوطني حتى ارتدت إلى نحره، والتي ستمتد آثارها لسنوات عدة سيتقزم بها أمام ذاته وأمام أسرته ثم المجتمع، فأصبح قزماً وطنياً ومنافق بالدين وحتى (؟) بالأخلاق، ولن تغني عنه دولارات الأعداء بالدنيا قبل الآخرة، وكفى بالله هادياً ونصيراً.

قد يعجبك ايضا