الإعدام لـ” أربعة أشقاء” بسبب “كلب”

مِن واقع الحياة
الأسرة / عادل بشر

” شر البلية ما يضحك ” هكذا قال صديقي عضو النيابة وهو يضع بين يدي ملف جريمة تقطع وقتل اشترك فيها أربعة إخوة ثلاثة منهم فارين من وجه العدالة والرابع تم القبض عليه ومحاكمته حضوريا وإخوانه غيابيا وأصدرت المحكمة حكما قضائيا بإعدام الأربعة الأشقاء  والسبب في كل ذلك ” كلب”.
أصل الحكاية وتفاصيلها في الأسطر التالية:
صادق هو شاب في الثامنة والعشرين من عمره يسكن في قرية خارج المدينة ويعمل في وظيفة حكومية يضطر خلالها إلى مغادرة قريته في الصباح الباكر والدخول إلى المدينة لممارسة وظيفته وبعد انتهاء الدوام الرسمي يعود إلى أسرته في القرية، وقليلا ما يبقى في المدينة حتى الساعات المتأخرة من الليل ,وكبقية إخوانه انفصل صادق عن منزل والديه بعد الزواج مباشرة واستقر في منزل خاص به في نفس القرية وقاده الحظ أن يسكن بجوار منزل يعشق كل من فيه تربية الكلاب. فكان جار صادق وهو رجل في الخمسين من عمره ولديه عدد من الأبناء يمتلك مجموعة من الكلاب التي يعتني بها كاعتنائه بأبنائه إن لم يكن أكثر. وكانت  هذه الكلاب تتسبب في إزعاج الجيران وخصوصا أثناء الليل حيث تنتشر في الحي وتستمر في النباح حتى الصباح، وإذا صادف وان تأخر احد الجيران عن العودة إلى المنزل حتى الليل تكون له تلك الكلاب بالمرصاد فتقطع عنه الطريق وتمنع وصوله إلى منزله إن لم تعتد عليه.
كان صادق أكثر معاناة مع كلاب جاره لقرب منزليهما من بعض وبعدهما قليلا عن بقية منازل القرية.
حاول صادق أن يشرح لجاره مقدار ما تسببه  كلابه من إزعاج طالبا منه أن يحترم “الجوره”، ويتخلص من تلك الكلاب وإذا كان ولابد من الاحتفاظ بها فعليه القيام بربطها وعدم تركها مسعورة تطارد الجيران .. فتفاجأ صادق برد جاره انه لن يتخلص من الكلاب وأنها -أي الكلاب- عنده في منزلة أبنائه .
زادت معاناة صادق مع هذه الحيوانات بعد أن أنجب طفلته الأولى التي لم تكن تستطيع النوم ليلا لخوفها من الكلاب نتيجة لأصواتها المرتفعة وحين كبرت الطفلة قليلا لم يكن بمقدورها اللعب أمام المنزل لان كلاب الحاج منصور تمرح هناك ..حتى جاء اليوم الذي حاول احد الكلاب الاعتداء على الطفلة قبل أن تتمكن والدتها من آخذها والهروب إلى داخل المنزل، وحين عاد صادق من وظيفته أخبرته زوجته بأمر الكلب والطفلة، فلم يستطع الزوج الصبر أكثر وحمل بندقيته وخرج من المنزل مهددا ومتوعدا بقتل جميع الكلاب الخاصة بجاره وأطلق أعيرة نارية لم تصب أي كلب..وعلى وقع إطلاق النيران تجمع  عدد من الأهالي وامسكوا بصادق  وأعادوه إلى منزله تجنبا لأية مشاكل قد تحدث بين الأسرتين وقد تتطور إلى مالا يحمد عقباه ..
وبمقابل ذلك قام الأهالي بإقناع الحاج منصور بأن يقوم بتقييد كلابه وربطها بجوار منزله ويكفي الآخرين شرها فاقتنع الحاج منصور بذلك وربط الكلاب ولكن جاره صادق لم يسلم من إزعاجها ليلا ونهارا فقرر التخلص منها بطريقة سرية وقام بشراء كمية من السم ووضعها داخل شرائح لحم وفي جنح الليل تسلل بهدوء إلى مكان الكلاب وألقى لها بقطع اللحم المسمومة فأكلتها ولم تطلع شمس الصباح إلا وهي جثث هامدة.
جن الحاج منصور جنونا وهو يتفقد كلابه وقد قضى عليها فاستنتج فورا أن الفاعل هو جاره صادق فجمع أبناءه وذهبوا إلى منزل صادق يريدون الانتقام منه، وحين علم إخوة صادق بذلك تجمعوا وانطلقوا لإغاثة شقيقهم وأوشكت القرية أن تغرق في بحر من الدماء لولا تدخل عقلاء المنطقة وتهدئة الموقف، وأصر الحاج منصور على اتهام جاره صادق بتسميم كلابه ولكن صادق أنكر التهمة.
بعد بضعة أيام تأكد للحاج منصور صحة اتهامه لجاره صادق بقتل كلابه بواسطة السم عندما اخبره احد الجيران انه يوم الحادثة كان عائدا مع صادق على متن سيارته من المدينة وكان صادق يحمل كيسا اسودا قال أن فيه ” الذي سيخلصه من الكلاب”.
ظلت النيران تشتعل في قلب الحاج منصور وقرر الانتقام واخذ الثأر للمرحومة كلابه فاجتمع بأبنائه وطلب منهم التقطع لصادق في الطريق أثناء عودته من المدينة والاعتداء عليه بالضرب انتقاما للكلاب ..
في ذلك اليوم تأخر صادق في المدينة حتى الليل وأثناء عودته إلى المنزل أوقفه أبناء الحاج منصور خارج القرية وطلبوا منه النزول من السيارة ثم انهالوا عليه ضربا حتى سقط تحت إقدامهم جثة هامدة ثم وضعوه داخل سيارته خلف المقود ودفعوا بها إلى أسفل الوادي لتبدو الحادثة وكأنها حادث سير وليست جريمة قتل.
استيقظ الأهالي في الصباح على خبر حادثة سقوط سيارة صادق ووفاته ولكن إخوانه لم يصدقوا الخبر المزعوم خصوصا وان جسده ظهر عليه بوضوح تعرضه لعدة طعنات قاتلة فطلبوا من رجال الأمن فحص الجثة ومعرفة سبب الوفاة وتبين لهم أن الحادثة مدبرة وان صادق تعرض للاعتداء والقتل وذهبت أصابع الاتهام كلها نحو جيرانه الحاج منصور وأبناءه ,وقبل ان تبدأ الشرطة تحقيقاتها في الجريمة كان ثلاثة من أبناء جار المجني عليه قد تمكنوا من الفرار إلى جهة مجهولة ليظلوا مشردين من منازلهم ومطاردين من قبل العدالة بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد وأيضاً مطاردين من أقرباء المجني عليه الذين يتوعدونهم بالثأر، فيما أٌلقي القبض على الحاج منصور وابنه الرابع وتم محاكمتهم والحكم بالإعدام للأبناء والسجن لوالدهم ..!!.

قد يعجبك ايضا