سماح علي احمد تلها
في ليلة 20 سبتمبر 2016م بينما كان الحاج محمد المسوري في منزله الكائن في حارة المدرسة في مدينة صنعاء القديمة بعد أن تفقد أحوال أسرته وكان في غرفته في الدور العلوي إذا بصاروخ من إحدى طائرات العدوان (التي استباحت سماء بلادنا وعاثت فيها ونشرت القتل والدمار) تباغت هذا البيت من الأدوار العلوية وتخطف روح الحاج محمد وتخترق كل أدوار البيت وتستقر (ولولا عناية الله) لم ينفجر الصاروخ الذي كان سيضيف مأساة على سكان البيت والبيوت المجاورة. ومع ذلك تم الإصرار على تعميد الجريمة وتوالت الانفجارات في أماكن قريبة وخاصة في حارة صلاح الدين المجاورة لمقر الأمن القومي والبيوت التاريخية المجاورة ووصلت الانفجارات إلى حوالي 12 انفجارا مما سبب هول ورعب كبير على سكان هذه المدينة العريقة المسالمة وقد وصفا لبعض (بأنها لحظة من لحظات من يوم الحشر) حيث خاف الأب والأم على أطفالهم، ومن شدة الفاجعة فقد البعض صغاره ولم يجده إلا بعد ساعات، وهرع أغلب سكان هذه الحارات تاركين منازلهم حتى أن العديد من النساء لم تتمكن من استكمال ملابسهن كاملا، وكان الجميع يستحضر القصف الذي أصاب أغلب مناطق صنعاء وما حصل في التفجير المرعب في نقم المجاورة قبل سنة والتي تطل على مدينة صنعاء القديمة وما سببته في تلك الليلة من دمار، أو ما حصل في حارة القاسمي بتاريخ 12 يونيو2015م ودمر العديد من المنازل على رؤس ساكنيها وما حصل في حارة الفليحي بتاريخ 19 سبتمبر 2015م بالقرب من مسجد الفليحي ودمر منزلا بشكل كلي واستشهد أسرة العيني بكاملها وثلاثة من البيوت المجاورة، وامتد أثره إلى تسع حارات من حارات صنعاء القديمة كما وضحناه في دراسة سابقة.
سلسلة التفجيرات هذه جعلت الناس في ذهول وإصرار على حماية بيوتهم وتراثهم ضد هذا العدوان السافر رغم الدعوات المتكررة من قبل المنظمات الدولية كمنظمة اليونيسكو أو منظمة اليونيسف أو حتى نداءات الأمين العام للأمم المتحدة.
لذلك توجب علينا في إدارة تنمية المرأة في مديرية صنعاء القديمة واهتمامنا بالتحديات التي تواجه التراث الثقافي ومن الاهتمام بشؤون المرأة في كل مجالات الحياة من حيث قضاياها و تنميتها وتطوير مهارتها والقيام بعمل دراسات وبرامج للفئات الضعيفة في المجتمع وبالأخص المرأة و الطفل وإيجاد الحلول المناسبة لانتشالهم من مكامن الضعف و الفقر و كذلك الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية أو مما تخلفه الصراعات و الحروب والنزاعات المختلفة و التي تشكل آثار سلبية في نفوسهم ومادية على مستوى حياتهم المعيشية.
تم تكليفنا من قبل لجنة توثيق الأضرار التابعة لأمانة العاصمة، ضمن لجنة مكونة من عدد من المختصين في مديرية صنعاء القديمة ومدير إدارة الاستشعار عن بُعد في المركز اليمني للاستشعار عن بُعد التابع لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات (م. سامي محب الدين والفريق التابع له) ومن الوحدة التنفيذية للنازحين وهذا الفريق سبق له إعداد تقارير أولية في تقييم آثار الأضرار اعتمادا على التقنيات الحديثة ومنها الاستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية(Remote Sensing &GIS)، وتم التعاون معنا من قبل العاقل محمد حنش وطه حُميدو الأهالي والإعلاميين والأخوة في جهاز الأمن القومي وقيادة مديرية صنعاء القديمة وأمين العاصمة الأستاذ أمين جمعان، وتم عقد عدد من اللقاءات والنزول الميداني والالتقاء بالمجتمع المحلي ومناقشة العديد منها وتوثيق عدد من حالات المعاناة التي وصل إليها أهالي تلك الحارات. وتم إعداد تقرير أولي متخصص يبين الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمخاطر التي تواجه المدينة وهذا التقرير يحوي العديد من الصور والخرائط والمرئيات الفضائية والجداول التي أظهرت نتائج مؤلمة كمايلي:
1 – الأضرار على البيوت ومدى انتشار الضرر:
تم القصف بعدة غارات وعدد من الصواريخ سقطت في أماكن مختلفة ولم تنفجر كما حصل في منزل الحاج محمد المسوري وسبب أضرار حادة في هذا المنزل وأضرار متوسطة في المنزلين المجاورين، أما الصواريخ التي انفجرت في منطقة مقتضة فسببت اهتزازات وضغط شديدين على البيوت التاريخية والبيوت المحيطة والتي يتكون معظمها من الطين والآجر ونتج عنه انهيارات في أجزاء وسقوف بعض المنازل وتشققات في المنازل وتكسر زجاج وقمريات البعض الآخر، حيث تضرر إجمالي عدد 205 مبنى من ضمنها مسجدي (صلاح الدين والبكيرية) ومدرستي (اللقية والخنساء) وحمام الميدان المشهور. حيث بين المسح انتشار الضرر الى عدد 10 حارات وهي (صلاح الدين والمدرسه والمفتون وياسر والبكيرية وغمدان والميدان وزبارة والأبزر وغرقة القليس) وهذه الأضرار ما بين ضرر شديد ومتوسط وخفيفوبلغت مساحة المنطقة المتضررة حوالي 88,000م2.
2 – نزوح الأهالي:
في هذه الليلة ونتيجة هذه الانفجارات أدت إلى نزوح سكان تلك الحارات وماحولها حيث خرجت أكثر من (1000 أسرة) ولجأ بعضهم بشكل مؤقت إلى مدرسة اللقية ومسجد عقيل (هذا بالنسبة للنساء والأطفال) والبعض الآخر إلى أهاليهم أو أصدقائهم داخل مدينة صنعاء القديمة أو خارجها ولم يبق أحد سوى بعض الحرس الذين تولوا حفظ البيوت من أي سطو.
وقد ظلت عدد من الأسر نازحة لعدة أسابيع نتيجة وجود الشقوق في جدران منزلهم وتكسر زجاج النوافذ والخوف من تكرار القصف (كما حصل مع بيت الماوري في حارة الميدان أو بيت الزراجي في حارة المفتون) والبعض الآخر استأجر ولم يستطع العودة حتى اليوم إلى منزله الذي تضرر بشكل شديد ولم يعد صالحا للعيش فيه (كما هو الحال في منزل عبد السلام المنصور في حارة صلاح الدين)، وبرزت مشكلة النازحين القادمين إلى مدينة صنعاء القديمة من محافظات تعز وصعدة وغيرها نتيجة استمرار العمليات العسكرية وهذه الحادثة تسببت في استمرارهم في عملية النزوح.
3 – الأضرار النفسية على الأطفال والنساء:
من الاستماع والتوثيق للأهالي عن مشاهدهم وما تحتفظ به ذاكرتهم نعرف مدى الآثار النفسية العميقة التي سببتها هذه الحادثة على سكان هذه المدينة وخاصة فئة الأطفال والنساء، فكما قال احد أبناء عبد السلام المنصور(بأن حارتنا أصبحت كبيوت الأشباح) وكثير منهم تحدث عن تجوله في طرق هذه الحارات ومشاهدة النوافذ المكسورة والزجاج المتطاير في الطرقات والستائر التي تتحرك من الريح والأجواء التي تبعث على الخوف، وتأثر بعض النازحين القادمين إلى المدينة من المحافظات المختلفة ونتيجة نزوحهم المتكرر ونذكر هنا أسرة محمد عبد العزيز وابل الذي تفاجؤ بان طفلهم البالغ من العمر أربع سنوات قد فقد النطق تماما.ففي هذه الحادثة توجد الكثير من القضايا الإنسانية والتي تحتاج معالجة وحلول لما يمر به مجتمع صنعاء القديمة.
4 – المعاناةالاقتصادية:
خلال ما يقرب من العامين من استمرار العدوان واستمرار الحصار الجائر وانتشار الأمراض وصعوبة الحصول على الدواء،وعدم الحصول على الرواتب (في حالة رب الأسرة موظفا) أتت مثل هذه الحادثة لتمثل معاناة إضافية، حيث أن عددا من الأسر استأجرت بيتا ولم يتمكن من دفع الايجارات، وبرزت مشكلة أخرى مع بداية العام الدراسي 2016 –2017م حيث أن الأسر النازحة تغير مكان سكنها إضافة إلى تكاليف احتياجات أبنائهم، وقد وصلت إلينا حالات لا تستطع الحصول على الملابس والغذاء والدواء نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة ودخول فصل الشتاء.
ولذا قمنا بإعداد هذه الدراسة لتوثيق ورصد القضايا الإنسانية والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية محاولين إبرازها كأرقام تعكس الوضع المأساوي التي وصلت إليه هذه المدينة وسكانها ووضع هذه النتائج للجهات الحكومية المختصة كأمانة العاصمة والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، ووزارة الثقافة والهيئة العامة لحماية البيئة وزارة المياه والبيئة ووزارة الصحة وغيرها من الجهات والقطاعات والمنظمات المحلية والدولية، حيث يتوجب على الجميع تقديم المساعدة والمساهمة في تخفيف الآلام عن ساكني هذه المدينة وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية.
وهنا لن ننسى فريق العمل الذي عمل بكل إخلاص لوضع صورة أولية وإظهار النتائج بشكل إحصائي وتوضيح حجم المعاناة التي يعيشها المجتمع اليمني. والتي تتطلب خطوات فورية لإيقاف الحرب وحماية المدينة التاريخية وأهلها، وبهذا الصدد ندعو المجتمع الدولي العمل على إيقاف الحرب ووقف تدمير البنية التحتية المتواضعة لليمن، والمشاركة في إجراء المسح التفصيلي الذي لحق بالبيوت في مدينة صنعاء القديمة.
* مديرة تنمية المرأة في مديرية صنعاء القديمة