عميرة أيسر
بعد ثورات الربيع العربي خصوصا ظهر جليًا الدور الذي لعبته دولة الإمارات المتحدة في التأثير السلبي ولعب دور مشبوه في إخماد هذه الثورات ومحاولة إعادة الدول العربية التي شملتها هذه الثورات وغيرت أنظمة الحكم فيها إلى الوراء، بعد ثورات شبابية وشعبية اجتاحت شوارع ومدن هذه الدول كحالة تونس واليمن ومصر أو عن طريق ثورات مسلحة كحالة ليبيا التي أطاحت الجماهير فيها “بالعقيد معمر القذافي” بعد ثورة مسلحة قامت بها مختلف الفصائل المسلحة بدعم خارجي واضح من دول إقليمية ودولية مهمة إلى الوراء .
ولا يخفى على المتابع للسياسة الخارجية والأمنية في السنوات الأخيرة الفارضة على الأقل، يجزم بأن دولة الإمارات تتآمر على حركات المقاومة العربية المسلحة للمشروع الأمريكي الصهيوني وعلى رأسهَا “حركة حماس” و”حزب الله” و”حركة الجهاد الإسلامي” إضافة إلى تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية الرافضة لهذا المشروع، ويحيلنا ذلك إلى مجموعة من الدلائل والمؤشرات الواقعية وأهمها قضية اغتيال القيادي البارز في حركة حماس “محمود المبحوح” أحد ابرز قيادات “عز الدِّين القسام” الجناح العسكري للحركة والذي تتهمه إسرائيل بخطف وقتل جنديين لها خلال الانتفاضة الأولى زيادة على اتهامه بتسهيل عمليات تهريب الأسلحة من إيران إلى غزة ، و قد تم اغتياله من طرف الموساد جهاز الاستخبارات الصهيوني سنة 2010 وتشير عدة مصادر ومنهَا مقال في “صحيفة يديعوت احرنوت” في تلك السنة يتحدث عن علم شرطة دبي ورئيسها “ضاحي خلفان” والذي قام باستجوابه هناك بكافة تفاصيل عملية الاغتيال ومع ذلك لم تتحرك لمنعهَا، وبعد أيام تمت عملية الاغتيال وأكدت الصحيفة بناءً على مصادر معلومات مؤكدة. أنَ عملاء المخابرات الإماراتية سربوا معلومات عنه إلى وكالة المخابرات الأمريكية التي أوصلتها إلى عملاء الموساد بدورها وأثارت عملية الاغتيال حنقا ومظاهرات في قطاع غزة المُحاصر، وأماكن أخرى من فلسطين تطالب بمحاسبة دولة الإمارات على فشلهَا في حمايته والقبض على عُملاء الموساد – رغم أنها كانت تمتلك معلومات مُفصلة ودقيقة عنهم وعن تحركاتهم والدول التي قدموا منهَا والصمت المطبق من طرف الإعلام الإماراتي آنذاك ، والمصادر الحكومية الرسمية التي تناست الموضوع وأصبح عندهَا في طي النسيان .
وتكررت حادثة تدخل الإمارات في التجسُّس وضرب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،حيث بعد أحداث العدوان الإسرائيلي عليه و الذي خلف العديد من الضحايَا المدنيين وأحدث ضررا كبيرا جدًا بأجزاء حيوية وبنى تحتية منه ، حيث كشفت تحقيقات أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس داخل القطاع مع أحد أعضاء الوفد الطبي التابع “للهلال الأحمر الإماراتي” الذي سهلت له المخابرات المصرية الدُّخول إلى القطاع ومنع الوفود وجمعيات الإغاثة العربية والأطقم الدولية الأخرى الإنسانية التي هرعت لنجدة أهل القطاع ونشرت صورة هذا العنصر وهو بزي عسكري إماراتي، ما يؤكد بأنه عنصر في “جهاز الاستخبارات الإماراتي” وكشفت التحقيقات أنَ هدف الوفد الحقيقي هو جمعُ أكبر قدر من المعلومات عن الأوضاع والتجهيزات العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية في القطاع بصفة عامة وحركة حماس بالأخص، وأنه كان يعمل لصالح مهمة تجسسية سرية لإسرائيل، وأنَ من بين أعضاء الوفد كذلك ضباطٌ كبار في “جهاز أمن أبو ظبي” وقامت الحركة بطردهم من القطاع بعد تلك الحادثة وعد ذلك فشلا أمنيًا ذريعًا للإمارات وحلفائها داخل القطاع وأهمهم القيادي المفصول في “حركة فتح” “سفيان أبو زايدة” المحسوب على “محمد دحلان” المُستشار الأمني “لمحمد بن زايد” “حاكم أبو ظبي” وتوسلت الإمارات حركة حماس من أجلِ لملمة الموضوع والتًّكتم عليه.
– وتعكس الإيديولوجية الجديدة والاستراتيجية السياسية والأمنية التي تتبناها القيادة الجديدة في الإمارات بعد وفاة الشيخ زايد الذي عرف بخبرته وحنكته السياسية الكبيرة ورؤيته المستقبلية التي حولت البلد من صحراء قاحلة غداة استقلاله سنة 1971 إلى مدينة عالمية، وسابع أغنى بلد في العالم اقتصاديًا وجاذبًا سياحيًا وثقافيًا هامًا جدًا في منطقتنا العربية ، ولكن انخراط المنظومة التي تقودها حاليًا في وحل العمالة والتحالف الذي بدأت تباشيره تطفو على السطح وتتكشف أكثر بعد حادثة الإطاحة وتوقيف الجاسوس الإماراتي في ليبيا والمدعو “يوسف صقر مبارك” في “مطار العقيقية بطرابلس” وتتهمه المخابرات الليبية بأنه صوَّر مواقع حساسة وسفارات دول أجنبية في العاصمة طرابلس وأنه كان حلقة الوصل بين العقيد “خليفة حفتر” المدعوم من طرف نظام الإمارات العربية المتحدة وحليفها في مصر عبد الفتاح السيسي، ولم يعد يخفى على أحد أن الجيش الإماراتي قدم له دبابات حديثة وأسلحة متطورة إلى جانب دَعمه لوجيستيا “لكتيبة القعقاع الإجرامية الداعشية” من أجلِ إجهاض ثورة 17 من فبراير التي يمثلها “لواء ليبيا الحرة “و”قوات فجر ليبيَا “التي تسعى لإحباط “عملية الكرامة” التي يقودهَا والتي تهدف حسبهم إلى تسليم البلاد إلي أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإماراتية ،وإدخالها في أتون حرب دموية طاحنة تعيدها قرونا إلى الوراء.
– وقامت الإمارات المتحدة بتقديم حوالي 10 ملايين دولار من أجل رشوة القضاء الليبي لتسهيل عملية تهريبه أو جعل الملف في الأدراج والتكتم عليه إعلاميًا ،ولكن الرفض الشديد للمدعي العام في طرابلس والفريق العامل معه للعرض وكشفه في الإعلام الليبي أدى إلى موجة عارمة من الغضب شعبيًا، وطالب العديد من الساسة بقطع العلاقات الدبلوماسية وكافة أنواع التنسيق الأمني أو التعاون الاقتصادي مع النظام الإماراتي المتآمر على الدَّولة الليبية الحديثة الحرة.
– وإذا انتقلنا إلى الدولة التونسية جار ليبيا وخاصرتها الشرقية نلمح تدخلاً سافرًا وملحوظًا وضغوطًا سياسيةً واقتصادية يقوم بها حكام الإمارات من أجل بسط سيطرتهم ونفوذهم على مقدرات تونس، وإدخالها ضمن المحور التابع لها في المنطقة وإلا حولتها إلى دولة تعاني اضطرابات أمنية شديدة ، إذ حذّرت الجزائر عن طريق مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الدولة التونسية من وجود مخطط إماراتي ومؤامرة من أجل زعزعة الاستقرار الداخلي فيها ، وتحطيم اقتصادها ودعم وتسهيل مرور مجرمي داعش والقاعدة عن طريق حلفائها في ليبيَا في محاولة من الإمارات للتأثير على “الرئيس التونسي- قايد باجي السبسبي” من اجل فك الارتباط الوثيق والقوي والجيواستراتيجي والعسكري الذي أصبح من أهم سمات المرحلة الحالية، مع الجارة الكبرى الجزائر وذلك لإدراك القيادة السياسية في تونس أن الأوضاع والأخطار المحدقة التي تمر بها حاليًا تستوجب التعاون معها ،والتزام أقصى درجات الحيطة والحذر فالإمارات كما أصبح واضحًا لكل المراقبين والمتتبعين للتطورات الداخلية لبلدان الربيع العربي أصبحت حجرة عثرة أمام تحقيقها لنهضة اقتصادية وثقافية راقية، وتحقيق أمنها السياسي واستقرارها كوحدات سياسية وظيفية خارجة من عملية مخاض سياسي ومجتمعي طويل وصعب ومكلف جدًا .
ولم ينته الدور الإماراتي عند هذا الحد بل تجاوزه إلى ملفات أخرى في منطقة الخليج العربي ، حيث تنخرط الإمارات وجيشها بقوة في عملية العدوان غير الشرعي الذي تقوده السعودية بذريعة ما اسمته “استعادة الشرعية” ، وتنصيب حليفها “عبدربه هادي” رئيسا لليمن بالقوة ، بعد رفض أطياف سياسية وقبلية يمنية لسياساته ورفضها له كرئيس للبلاد ، إذ تعمل الإمارات على لعبِ دور قذر وتدمير البنى التحتية للبلاد وقتل الآلاف من أبناء الشعب اليمني الأعزل دون وجه حق وهذا تنفيذا لمخطط ضرب الوحدة القومية للدول العربية الرافضة للاملاءات والتدخلات الإماراتية السَّافرة في شؤونها الداخلية.
– وامتدت يدُ الاخطبوط الإماراتي حتى سلطنة عمان ،حيث الأطماع القديمة لها هناك إذ كشفت المخابرات العمانية عن “شبكة تجسس إماراتية” كانت تعمل بالتنسيق مع سفارة الإمارات في السلطنة وكان من بين أهدافها التَمهيد لمرحلة ما بعد” السلطان قابوس” حاكم البلاد وعقد تحالفات قوية مع الأقطاب والقبائل المعادية لحكمه وسياساته ومنها “قبائل الشلوح” التي تقعد في الحدود بين البلدين وجزء كبير منهَا يعيش في إمارة رأس الخيمة، وذلك من أجل ضم “سلطنة عمان” لحكمها وإعلان الاتحاد الفيدرالي بينهما وجعلها جزءًا لا يتجزأ من السياسة الإماراتية في الخليج العربي والمنطقة.
لم تكتفِ دولة الإمارات بذلك بل كشفت تحقيقات الأمن التركي عن شبكة تجسس إماراتية في تركيَا . لتضاف إلى فضائحها الخارجية التي لا تنتهي في المدة الأخيرة حيث أشارت تقارير إعلامية وصحفية تركية نقلا عن مسؤولين أمنيين كبار عن دعم الإمارات للمعارضة السياسية وبعض ضباط الجيش وأبرزهم المعارضون الأكراد ،ومنهم “حزب الشعوب الجمهوري المعارض” وأيضًا تقديمها لكافة أنواع المساعدات للداعية التركي العدو الأبرز “لرجب طيب اردوغان” والمقيم منذ سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية “فتح الله غولان” .
كما أشارت المخابرات التركية إلى قيام محمد دحلان بزيارة سرية لتركيَا بجواز سفر إماراتي ، وتحت اسم آخر والتقى خلالهَا بمعارضين أتراك وأكد دعم الإمارات لهم من أجل الإطاحة بالديكتاتور الديمقراطي، وهذا الوصف الذي أطلقته قناة “سكاي نيوز” التابعة للإمارات والتي تبث من إمارة دبي على اردوغان ، واعتبر” الكاتب التركي” “محمد زاهد جول” أنَ تركيا تلعب دورًا حيويًا في المحافظة على أمن الخليج وهذا ما يجب أن يقابل بالشكر والعرفان من جميع دول الخليج بما فيها الإمارات ، وليس أن تطعن اردوغان وحكومته في الظهر وتحاول التآمر ضدهَا ،ومحاولة دعم ثورة انقلابية تطيح به على غرار ما فعلته في مصر وهذا السبب الرئيسي في التوتر السياسي بين الإمارات وتركيا، باعتبار أن النظام التركي إخواني التوجه والفكر والايديولوجيا على غرار النظام المصري السابق المطاح به أي نظام “حزب العدالة والتنمية “ورئيسه “محمد مرسي” .
ويستمر العداء التركي الإماراتي على الرغم من تأكيدات “داوود أغلو” عنْ دعم تركيا” لعاصفة الحزم” وأهدافها الرئيسية التي انطلقت من أجلهَا والتي تعمل الحكومة التركية جاهدة على توضيح صورتهَا وإيصالها للمجتمع الدولي.
– وإذا ذهبنا إلى ملف العلاقات الإماراتية الإسرائيلية التي تطورت بشكل غير مسبوق مؤخرًا وشهدت فتح ممثليه دبلوماسية لها في إمارة أبو ظبي والسماح لحملة جوازات دولة الكيان الصهيوني بدخولها في سابقة خطيرة جدًا ، تعد تطبيعًا واضحًا للعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين وضربا للأمن القومي العربي في مقتل رغم معارضة الشعب الإماراتي وقطاع واسع جدًا من النخب السياسية والثقافية فيها لهذه الخطوة التي جاءت للتأكيد على عُمق ومتانة العلاقات بينهَما.
وتبيَّن بما لا يدع مجالا للريبة أو السؤال عن عمالة الإمارات وتنفيذها بالحرف للأجندة والمخطط الصهيوني الرامي إلى التَغلغل في منطقة الخليج والإمساك بمفاصل السياسة والاقتصاد فيها ،وذلك بغية فرض التَّطبيع المباشر والكامل بينها وبين جميع دوله دون استثناء وهي خطوة أولى من أجل الاعتراف العربي بدولة الصهاينة وإقامة علاقات طبيعية معها وربما إدخالها في جامعة الدول العربية مستقبلاً، فكل شيء وارد ما دام حكامنا عبارة عن دمى تحركها القوى العالمية خدمة لمصالحها التوسعية الكبرى في المنطقة، وتنصيب إسرائيل الحامي لمصالحها في منطقتنا وحكمها بالوكالة وليس حكومة الإمارات إلا أحد المُنفذين لهذه السياسة فقط.
* كاتب جزائري