إسماعيل القاسمي الحسني
جرت مقادير الأنظمة العربية المفلسة تماما، بما يفرض على عقل المواطن العربي، بدل استثمار جهده و طاقاته في الرقي بالوعي العام، و صرف المادة الرمادية نحو طرح درجات التطور في سلم الحضارة البشرية المعاصرة؛ الى الغرق في مستنقعات الخيارات الإجرامية بحق شعوب و دول عربية، و هذه حال لعمري تجعل قلب المواطن العربي يتقيّح حسرة.
سياسة السعودية التي بشّر بها تركي الفيصل أمام منظمة الأيباك (الصهيونية) عام 2009، و التي تعهّد فيها بعمل سلطة بلده، على إقناع الفلسطينيين بضرورة النضال على طريقة الأم تيريزا مع الاسرائيليين، و التخلي عن الأعمال الإرهابية (العسكرية)؛ هذه السياسة السعودية و الخليجية عموما، تبقى حكرا و حصرا على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و يسقط هذا الخيار، بل ذات الأنظمة التي تسوقه في المحافل الصهيونية، و آلت على نفسها رفع لوائه و الترويج له لحشوه حشوا في عقل المواطن العربي، تعترض بشدة عليه إذا تعلق الأمر بصراع عربي عربي، و تلجأ بقوة المال و السلاح للأعمال العسكرية (الإرهابية بحد وصفها إن كانت تستهدف الطرف الإسرائيلي).
العار الذي يعلق بجبين هذا الجيل و لا أخاله يمحى، لا يقتصر على المنتسبين لمنظومة الحكم في دول الخليج، و إنما يشملنا نحن جميعا، ذلك أن سياسة تدمير الدول العربية و تمزيق شعوبها، بذريعة إسقاط أنظمة أو دفاعا عن شرعية متوهمة، تتم باسم “جامعة الدول العربية”، هذه الأخيرة و يا للمفارقة العجيبة أنها نشأت على أساس توحيد الأمة العربية، و العمل على أمنها و استقرارها.
لا أذكر أنه حدث بين اندلاع ما سمي ثورة 17 فبراير في ليبيا و بين تعليق مشاركة ليبيا في جامعة الدول العربية 23 من نفس الشهر، أي ستة أيام فقط، مجازر مروعة مثلما حدث في قاعة العزاء بصنعاء في 08 من اكتوبر الماضي، على يد التحالف الخليجي بقيادة السعودية، هذه الجريمة البشعة لم تستدع تعليق مشاركة الفاعل، بل لم توخز ضمير الأمين العام لجامعة الدول العربية، ليقوم هو كذلك بوقفة احتجاجية مثلما فعل سلفه يومها عمرو موسى، مع أن ضحايا تلكم الأيام الستة في بنغازي، لم يتجاوز عددا نصف ضحايا محرقة قاعة العزاء بصنعاء في أقل من خمس دقائق؛ و لا أذكر أن بين 17 فبراير 2015 و بين 13 مارس 2015 أي أقل من شهرين، تاريخ طلب جامعة الدول العربية في مناشدة و استجداء ذليل، من مجلس الأمن فرض حظر طيران على ليبيا، الباب الذي دخل منه حلف الناتو لارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الليبي؛ قلت لا ذكر أن عدد الضحايا قد تجاوز كما أفادت تقارير هيئة الأمم المتحدة فيما بعد ألفا، في حين يعلن المركز القانوني للحقوق و التنمية لهيئة الأمم المتحدة، أن ضحايا عدوان التحالف الخليجي من المدنيين اليمنيين تجاوز 11403، من بينهم 18011 امرأة و 2458 طفلا، نعم ألفين و أربعمائة و ثمانية و خمسين طفلا يمنيا، و لو جمعنا عدد الضحايا الأطفال و النساء فقط، الذين قضوا شهداء جراء هذا العدوان (4269)، لوقفنا على نتيجة صادمة، و هي أنه يتجاوز عدد كل ضحايا الليبيين جميعهم من يوم 17 فبراير إلى يوم اغتيال معمر القذافي. (3600 وفق تقرير الأمم المتحدة).
نعم جامعة الدول العربية البائسة، و التي باسمها يُحفر هذا العار المشين على جبين هذا الجيل من الأمتين العربية و الإسلامية، سخّفت بل جرّمت معمر القذافي حين دافع من منظوره على شرعية حكمه، و نددت بكل قوة و تحركت بكل طاقتها خلال أسبوع واحد ضده،متعللة بسقوط 500 ضحية، في حين تضفي الشرعية على العدوان على اليمن، بحجة الدفاع عن الشرعية، و لا قيمة لأكثر من أحد عشر ألفا؛ و بكل جرأة حد الصفاقة يقول نبيل العربي يوم بدء العدوان على اليمن 2015/03/26، و الذي بالمناسبة لم يرتكز على قرار صادر عن جامعة الدول العربية:” إن عاصفة الحزم تستند إلى معاهدة الدفاع المشترك…. كما تستند للمادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك.”
وإليكم النص الحرفي لهذه المادة:”تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنه عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلام إلى نصابها”.
الأمين العام لجامعة الدول العربية لوى قواعد اللغة العربية ليّا فجا و فاضحا، فأيما عاقل يمكن أن يميز الفرق في الجملة الأولى من هذه المادة، بين “على” و “في”؛ ثم المعنى بالغ الوضوح، و القصد كل عدوان مسلح يقع على دولة، يحق للأخيرة أن تفعل كذا وكذا، و في حالة اليمن حتى السعودية نفسها لم تبرر عدوانها لأنه وقع عليها عدوان مسلح، بل زعمت الدفاع عن شرعية عبد ربه منصور هادي؛ و هل من مادة في ميثاق جامعة الدول العربية تخول لدولة عضو تحت شعار “الدفاع عن شرعية حكم” دولة أخرى، أن تدمر 719 مدرسة ومعهدا، و 263 مستشفى ومرفقا صحيا، 201 موقع أثري، 100 ملعب و منشأة رياضية، و 108 منشآت ومبان جامعية ، و 15 مطارا، و 13 ميناء، و273 خزّانا و شبكة مياه، و 1289 طريقا و جسرا، و 380366 سكنا، 515 سوقا و مجمعا تجاريا، و 1376 حقلا زراعيا، و 179 مزرعة دواجن، و 675 مسجدا وغير ذلك كثير؟؟؟ هل يعقل أن يتم كل هذا التدمير و التخريب الإجرامي تحت مسمى معاهدة الدفاع المشترك و عنوان جامعة الدول العربية؟؟.
هنا أرفع التحدي (دون أن يُفهم ذلك دفاعا عن القذافي أو الأسد): أعطونا أرقاما مقاربة لخراب اليمن صادرة عن الأمم المتحدة، تفيد بان القذافي أو الأسد قد ارتكبا بهذا الحجم من الجرائم دفاعا – من منظورهما كذلك – عن شرعية سلطتهما.
ختاما، لقد باتت جامعة الدول العربية هيكلا مُغتَصَبا، وظيفته إضفاء شرعية وهمية و مزورة، على خراب دول عربية و تمزيق و تشريد شعوبها، و لا أدل على ذلك من حالة ليبيا و سوريا و اليمن الذي يبقى سكوتنا على ما يقع عليه وصمة عار على جبين الأمتين أبد الدهر.
*كاتب جزائري