ومعـايير الالتزام بأخلاقيــات المهنـــة


تحقيق/عبدالباسط محمد النوعة –
يقال الصحافة مرآة الشعوب‮ ‬بل وتعارف على تسميتها بالسلطة الرابعة نظراٍ‮ ‬لما لها من دور في‮ ‬حياة الشعوب على مختلف المجالات والأصعدة‮ ‬ولعل الصحافة في‮ ‬السنوات الأخيرة قد شهدت تطوراٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬وانتشاراٍ‮ ‬واسعاٍ‮ ‬في‮ ‬مختلف أشكالها سواءٍ‮ ‬كانت صحافة مقروءة أو مرئية أو مسموعة وأيضا الكترونية‮ ‬ولعل بلادنا قد واكبت هذا التطور والانتشار وإن كان في‮ ‬وقت متأخر قليلاٍ‮ ‬مقارنة بدول أخرى نامية ومتقدمة‮ ‬وشهدنا ميلاداٍ‮ ‬للكثير من الصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية والفضائيات‮ ‬ولكن قد لا تكون الكثرة ذات أهمية بقدر ما تمثله النوعية والمضمون الذي‮ ‬تقدمه تلك الوسائل الإعلامية والذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون مشتملاٍ‮ ‬على المصداقية بدرجة أساسية‮ ‬إضافة إلى عوامل أخرى تشكل في‮ ‬مجملها معايير هامة‮ ‬يجب على الوسائل الصحفية وكذا الصحفيين الالتزام بها‮ ‬فهل الصحف والصحفيون اليمنيون ملتزمون بمعايير المهنة الصحفية¿ وكيف‮ ‬يمكن تقييم الممارسات الصحفية والأداء المهني‮ ‬أم أن الصحافة اليمنية لازالت ترزح تحت وطأة بيئة أو تشريعات تؤثر عليها وتحول بينها وبين الالتزام بالمعايير‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يجعلها تتجاوز رسالتها الأخلاقية‮ ‬وبالتالي‮ ‬ما مدى هذه التجاوزات¿¿ تساؤلات بحثنا عن إجابات لها لدى عدد من الصحفيين اليمنيين المخضرمين نتناولها في‮ ‬ما‮ ‬يلي‮ ‬من سطور‮:‬

‮> ‬الصحفي‮ ‬ونقيب الصحفيين الأسبق عبدالباري‮ ‬طاهر‮ ‬يرى أن هناك مساحة وهامشاٍ‮ ‬موجوداٍ‮ ‬لحرية الرأي‮ ‬والتعبير بيد أن هناك قيوداٍ‮ ‬لا تزال تمارس على كثير من الصحف والصحفيين سواءٍ‮ ‬بالتهديد أو الاعتداء أو القتل‮ ‬والدليل ما حصل من اعتداء على الصحفي‮ ‬محمود‮ ‬ياسين‮ ‬وكذا الصحيفة المصدر بوضع متفجرات في‮ ‬المبنى التابع لها‮ ‬أيضا لا‮ ‬يزال الصحفي‮ ‬عبدالإله حيدر شايع في‮ ‬المعتقل ولا ننسى ما حدث للصحفي‮ ‬وجدان الشعبي‮ ‬في‮ ‬عدن فقد قتل على مرأى ومسمع من الجميع‮.‬

البيئة الصالحة للصحافة
ويقول طاهر‮: ‬قبل أن نطالب بمعايير المهنة‮ ‬ينبغي‮ ‬أولاٍ‮ ‬أن نخلق بيئة صالحة للصحافة‮ ‬البيئة حتى الآن في‮ ‬اليمن رغم الخطوات التي‮ ‬تمت إلا أنها لا زالت ملغومة بانفلات أمني‮ ‬بحروب وفتن بعد وضوح الرؤية أو حتى وجود استشراف حقيقي‮ ‬لمستقبل البلد بمعنى أن الوضع لا‮ ‬يزال معقداٍ‮ ‬وصعباٍ‮ ‬والصحفي‮ ‬في‮ ‬نهاية المطاف إنسان‮ ‬يحتاج قبل أن‮ ‬يفكر ويكتب ويبدع أن‮ ‬يأمن على حياته وعلى معيشته وكذا مستقبله‮ ‬ولكن للأسف الشديد لا‮ ‬يزال الصحفيون في‮ ‬اليمن‮ ‬يعيشون في‮ ‬معاناة كبيرة‮ »‬التهديد والاعتقال والقتل‮« ‬كما أسلفنا وهذا التهديد لحرية الصحفيين خطير جداٍ‮ ‬والآن هناك رصد للحريات الصحفية وتعرضها للمخاطر لأن الوضع العام للبلد‮ ‬يجعل الصحفيين أكثر عرضة للمخاطر والتهديد‮.‬
وحول التجاوزات في‮ ‬وسائل الإعلام وفي‮ ‬الصحفيين وهل هي‮ ‬موجودة أم لا‮ ‬يجيب عبدالباري‮ ‬طاهر‮: ‬بكل تأكيد هناك تجاوزات وهذا لا‮ ‬ينكره أحد لكن ليست الأساس فالأساس هو الضغط المجتمعي‮ ‬وهذه القيود والتكبيل وأيضاٍ‮ ‬الترويع‮ ‬وللأسف الشديد أصبحت القيمة لطلقة الرصاص أكثر وأقوى من الكلمة‮ ‬بل وأصبحت الكلمة تزدري‮ ‬ويعامل أصحابها بإقصاء وتهميش وفرض قيود وحواجز‮ ‬فما‮ ‬يدعو للغرابة أن اليمن ومنذ حرب‮ ‬1994م وحتى الآن قدمت ما لا‮ ‬يقل عن عشرة قوانين للصحافة في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬عجزت عن سن قانون لحمل السلاح‮ ‬برغم أن السلاح‮ ‬يقتل والكلمة إذا كانت طيبة ترتقي‮ ‬إلى السماء وإذا كانت خبيثة تموت‮ ‬لكن وسائل القتل لا تساءل ولا تحاكم بينما تفرض نصوص وقيود مشددة على الكلمة‮.‬

الصحفيون‮ ‬يتسولون حقوقهم
إذا كان عبدالباري‮ ‬طاهر‮ ‬يحمل الظروف والبيئة المسئولية في‮ ‬تجاوزات الصحف والصحفيين ويرى أنه إذا أردنا محاكمة وسائل الإعلام والرأي‮ ‬والتعبير على مصداقيتها ومدى التزامها بالمعايير والمهنية‮ ‬لا بد من توفير المناخ الطبيعي‮ ‬لها‮ ‬فهل‮ ‬يتفق‮ ‬الصحفي‮ ‬المخضرم واثق شاذلي‮ ‬مع ما ذهب إليه طاهر‮.‬
يقول شاذلي‮: ‬إن العمل الصحفي‮ ‬للأسف وهذه حقيقة مرة‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نجسدها ولا نتوارى عنها تحول هذا العمل لدى الكثير من أصحاب الصحف إلى تجارة‮ ‬كذلك قام الكثير من أصحاب التأثير على العمل الصحفي‮ ‬بإمكانياتهم المادية بممارسات‮ ‬غير أخلاقية اتعبوا فيها‮ ‬أصحاب العمل الصحفي‮ ‬الحقيقي‮ ‬وحولوهم إما إلى إرهابيين أو شحاتين‮ ‬يتسولون المال منهم‮ ‬وهذا المال هو من حقوقهم ولكن الصحفيين وجدوا أنفسهم‮ ‬يستجدونهم للحصول على هذه الحقوق‮.‬
وأكد شاذلي‮ ‬أن الخطاب الصحفي‮ ‬تحول عند بعض المستغلين بالصحافة إلى ابتزاز قائم على تهديد الآخرين من أجل مقابل مادي‮ ‬وقد‮ ‬يكون هذا سببه كما‮ ‬يوضحه شاذلي‮ ‬إلى عدم توفر الحقوق الأساسية للصحفيين الدخل أو العائد المادي‮ ‬الذي‮ ‬يوفر للصحفي‮ ‬العيش الكريم أسوة بزملاء المهنة في‮ ‬دول العالم بما فيها حتى المتخلفة التي‮ ‬وفرت للصحفيين مستوى من العيش‮ ‬يليق بهم ويجعلهم ملتزمين بأخلاقيات ومعايير العمل الصحفي‮.‬

أبواق العمل السياسي
وأضاف‮: ‬من الأشياء أو التجاوزات الموجودة في‮ ‬الصحافة اليمنية أن بعض الصحفيين تحولوا إلى أبواق للعمل السياسي‮ ‬بهدف الكسب المادي‮ ‬أو السياسي‮ ‬وكذا البحث عن نفوذ بل وأصبح الصحفي‮ ‬يتحول إلى أداة سلبية بيد السياسيين ويتدنى بمهنته إلى مستويات لا تليق بالمعايير الأخلاقية للصحافة مع أن مهنته الأساسية هي‮ ‬التنوير والتوعية وبناء الأجيال والمجتمعات‮ ‬وربما كانت الصحافة اليمنية تقوم بشيء‮ ‬من هذا الدور قبل عقدين من الزمن حيث كان الناس‮ ‬يعتمدون على الوسائل الصحفية مقروءة أو مسموعة أو مرئية في‮ ‬استقاء الأخبار ويعتبرونها صادقة‮ ‬ولكن الآن العكس أول دليل الصدق‮ ‬والصحافة اليمنية نفسها قصير‮ ‬وأصبحت لا تؤثر بالمقدار الذي‮ ‬يليق بها‮.‬
ويرى شاذلي‮ ‬أن التجاوزات مصدرها السلطة سواء كانوا أصحاب صحف أو ملاكا أو مسؤولي‮ ‬إدارة فيها حيث‮ ‬يفرضون على من‮ ‬يعمل معهم‮ »‬إلا من رحم ربي‮« ‬هذه التجاوزات التي‮ ‬تضر بالمهنة وأخلاقياتها‮ ‬وحتى الصحف الرسمية ليست بعيدة عن التوجه فقد تحول بعض رؤساء التحرير إلى أكثر من ديكتاتور‮ ‬يفرض آراه على الصحفيين ويشطب ما‮ ‬يحلو له من مقالاتهم وكتاباتهم بل ويلغي‮ ‬ما‮ ‬يشاء ويقر ما‮ ‬يشاء‮.‬
وأشار إلى وجود صحفيين لا زالوا محافظين على قدسية الكلمة ومصداقية المهنة وأمانتها ويواجهون في‮ ‬سبيل ذلك متاعب ومصاعب في‮ ‬أعمالهم وهم كالماسكين على الجمر‮.‬

المهنة تفقد مصداقيتها
‮> ‬فإذا كان طاهر‮ ‬يشترط توفير المناخ المناسب للصحف والصحفيين ويعزو شاذلي‮ ‬أهم أسباب التجاوزات إلى عدم حصول الصحفيين على حقوقهم المادية التي‮ ‬توفر العيش الكريم‮ ‬فما هي‮ ‬التجاوزات من وجهة نظر الصحفي‮ ‬المخضرم ومدير مركز الدراسات السابق في‮ ‬صحيفة الثورة عبدالحليم سيف¿ وكيف‮ ‬يرى حال الصحافة اليمنية ورجالاتها في‮ ‬الوقت الراهن¿
‮- ‬يقول سيف‮: ‬بداية لا بد أن نشير إلى حقيقة مؤداها أنه لا خلاف على حرية الصحافة والتعبير أو على ما تقوم به الصحافة من دور مسؤول في‮ ‬تناول العديد من القضايا المتصلة بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذا الكشف عن قضايا الفساد والإفساد والنهب وكل ما‮ ‬يتعلق بالمشهد السياسي‮ ‬في‮ ‬هذه الفترة التي‮ ‬تمر بها اليمن‮ ‬ولكن‮ ‬ينبغي‮ ‬التأكيد على حرية الصحافة المسؤولة وضرورة التقيد والالتزام بكل ما‮ ‬يتصل بأخلاقيات المهنة وتقديم خدمة المعرفة للمجتمع بمصداقية ودون تشويه أو تضليل وتزييف خدمة لجهة أو شخصية أو طرف سياسي‮ ‬ما‮ ‬وإذا أردنا الحديث عن الأداء الصحفي‮ ‬وممارسات المهنة في‮ ‬الصحافة اليمنية فهذا‮ ‬يحتاج إلى وقت للقيام بتحليل مضمون ما تنشره الصحافة بشتى أنواعها‮ ‬ولكن ومن خلال متابعتي‮ ‬للمشهد الإعلامي‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬يمكنني‮ ‬القول إجمالا بأن هناك الكثير من التجاوزات والممارسات الخاطئة التي‮ ‬تضر بالمهنة وتجعلها تفقد مصداقيتها لدى القارئ أو المتلقي‮ ‬وإذا أردت أن تعرف مستوى الأداء الصحفي‮ ‬لمختلف الوسائل الصحفية سواءٍ‮ ‬كانت رسمية أو أهلية أو حزبية أو‮ ‬غيرها‮ ‬عليك أن تقرأ مثلاٍ‮ ‬أول صحيفة تقع بين‮ ‬يديك أو تطالع أحد المواقع الالكترونية وستجد هذه الوسائل حافلة بالعديد من الاختلالات والممارسات التي‮ ‬تتنافى قطعيا مع المعايير والمبادئ وأخلاقيات المهنة‮. ‬ومن هنا‮ ‬يمكننا القول بأن أخلاقيات المهنة في‮ ‬خطر بسبب الإساءة إليها من قبل من‮ ‬يعملون فيها‮. ‬فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا أردنا متابعة التغطية الأخبارية في‮ ‬الوسائل الصحفية اليمنية نجد كماٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬من التجاوزات أهمها‮ ‬غياب الموضوعية في‮ ‬نقل الأخبار وفقا للوقائع والأحداث كما جرت تماماٍ‮ ‬وانعدام الدقة في‮ ‬تقصي‮ ‬المعلومات الموثقة وتجهيل الأخبار حيث تنشر دون ذكر المصادر وانعدام التوازن في‮ ‬عرض وجه نظر مختلفة لأكثر من طرف‮ ‬بالإضافة إلى التعميم والتهويل وتضخيم الأخبار من خلال التركيز على جزئية فرعية وإعطائه بعداٍ‮ ‬أكبر مما هو عليه واقعاٍ‮ ‬أيضاٍ‮ ‬من التجاوزات نشر أخبار تعتمد على التسريبات أو الإشاعة دون تقصي‮ ‬الحقائق‮ ‬ومن التجاوزات إعادة نشر أخبار وتقارير‮ ‬يتم أخذها من مواقع إخبارية أو صحف دون التحري‮ ‬والأكثر من ذلك عدم الإشارة إلى المصدر‮.‬

هيمنة أصحاب المال السياسي
وارجع سيف أسباب هذه التجاوزات إلى العديد من العوامل أهمها افتقار أو عدم إدراك البعض أهمية التقيد بأخلاقيات المهنة ومعاييرها كذلك‮ ‬يعتبر العامل السياسي‮ ‬أبرز العوامل المؤثرة حيث‮ ‬يلاحظ أن الصحافة اليوم وتحديدا الخاصة المملوكة للأفراد تقع تحت هيمنة أصحاب المال والنفوذ السياسي‮ ‬الذين لا هم لهم سوى تصفية الحسابات مع خصومهم من السياسيين وليس لوسائلهم علاقة بخدمة القارئ‮.‬
ودعا عبدالحليم سيف كافة الصحفيين إلى تغليب الولاء للمهنة قبل كل شيء‮ ‬قبل الولاء السياسي‮ ‬أو الولاء لأصحاب الأجندات الشخصية البعيدة عن الوطن ومصالحه العليا‮ ‬وعليهم أن لا‮ ‬يقعوا في‮ ‬ورطة من خلال الانجذاب إلى دائرة الصرعات السياسية التي‮ ‬تكون في‮ ‬العادة ضد مصالح الشعب العليا لأنهم إن فعلوا ذلك سيكونون هم أول ضحايا الصراع والتناحر بين اللاعبين بمقدار هذا الوطن‮.‬

قد يعجبك ايضا