رصاص الغدر الآثم..!

*من ملفات الشرطة
عرض وتحليل/ حسين كريش
هذه الجريمة يعود تاريخها إلى 24 /9/ 2016م وليست قديمة، ومسرح أحداثها في إحدى مناطق محافظة صنعاء، وبالتحديد في منطقة دار سلم شرق جنوب العاصمة صنعاء.. وهي من البشاعة والغرابة بحيث يندى لها الجبين، وتقشعر لفظاعتها الأبدان، وتجعل المرء يفقد الثقة حتى في أقرب الناس إليه، ولا سيما في هذه الأيام التي أصبحت فيها الخيانة سمة أهل العصر أو معظمهم والغدر ديدنهم .. في ثنايا الأحداث ما هو أغرب وأعجب وأكثر إثارة وغموضاً .. ومع الوقائع وتفاصيلها من البداية.
البلاغ كان ليوم السبت، الساعة الثامنة مساءً، وهو من الأخ/ أبو أحمد العراسي مشرف أنصار الله بحي الشباب بمنطقة دار سلم بمحافظة صنعاء، وذلك إلى مركز شرطة دار سلم، عن واقعة مقتل أحد المواطنين واسمه/ محمد العماري، ومكان الواقعة في شقة سكن المجنى عليه المذكور..
فتحركوا من مركز الشرطة منتقلين إلى مكان المشار إليه، وأولهم مدير المركز الرائد/ شهاب حنش ومعه نائبه النقيب/ سلطان الجذوم، ورئيس قسم البحث الملازم أول/ عيسى جروش وكذا / صابر الصماط وحسين الصفا، وبعض الأفراد على سيارة الطقم.. حيث وصلوا هناك ، ووجدوا حشداً من المواطنين المتجمعين في الساحة أمام المنزل (محل الواقعة) والذي كان عبارة عن (فيلا) داخل حوش محدود المساحة، والمنزل من طابق واحد مع بدروم مبني من الحجر المسلح، له باب رئيسي من الحديد إلى جهة الغرب.
وقد تم إبلاغ العمليات واستدعاء مختص الأدلة الجنائية لإجراء المعاينة، وكذا تم تحريز المكان وتطويقه للمحافظة عليه حتى حضر خبيران من الأدلة الجنائية وهما الخبير / محمد شعفل والخبير / غريب الحرازي , واللذان قاما بمباشرة المعاينة والتصوير للمكان والجثة عقب وصولهما وإلى جانبهما رجال مركز دار سلم للمساعدة … وكان محل وقوع الجريمة بدقة وحسب ما ظهر لهم على وجه التحديد في شقة كائنة بالجهة الغربية ضمن المبنى ومكونة من مجلس وحمام وغرفة وصالة .. ووجدوا الجثة ملقاة على الظهر في باب المجلس الواقع جنوب غرب المبنى , وهي بكامل ملابسها الداخلية والخارجية وفي وضع الرأس كان إلى جهة الشمال باتجاه باب المجلس من الخارج والجزء السفلي نحو الجنوب من داخل الباب , وكانت الجثة لشاب ظهر في الـ 21 عاماً من عمره واسمه/ محمد علي العماري من أهالي مخلاف عمار مديرية النادرة , محافظة إب , وكان في فمه قات {مخزن} , ويرتدي جاكتاً عسكرياً وثوباً أبيض ملطخاً بالدماء , وفنيلة علاقية بيضاء , وسروالاً أبيض , إضافة إلى نظارة على عينيه… ومن خلال المعاينة الفنية الدقيقة بالجثة والتي تبين أن طولها يبلغ 167 سم , شاهد خبيرا مسرح الجريمة وجود طلقة نارية بأسفل اللوح الأيسر تبعد عن أسفل القدم بمقدار 135 سم, ومخرجها من أسفل الرقبة من الأمام محدثة فتحة بقطر 3 سم وتبعد عن أسفل القدم بنحو 142سم.. كما وجد الخبيران مدخلاً لطلقة نارية أخرى في أسفل الظهر بالجانب الأيسر تبعد عن القدم مقدار 106سم، ومخرجها من الجهة المقابل أسفل القفص الصدري من الجانب الأيسر تبعد عن القدم مسافة 109سم.. في الوقت الذي عثر على مقذوف ناري لمسدس ربع عيار (35.6ملم) أسفل الجثة على بعد متر من باب المجلس من الداخل، وكذلك عثر على سلاح مسدس بنفس الأوصاف (ربع35.6ملم) أسفل المجلس من جهة الشمال يبعد عن أقدام الجثة مقدار 40سم إلى جهة الغرب، وعثر أيضاً على ظرف فارغ لذات المسدس فوق فراش ضغط بالزاوية الشمالية الغربية أسفل المجلس، كما لوحظ وجود أثر لمرور طلقة نارية من وسط الموكيت الخاص بالمجلس ونفذت إلى الفراش الضغط الواقع غرب المجلس مصطدمة بالجدار الغربي ، وتم العثور على غلاف خارجي لمقذوف ناري داخل الفراش المشار إليه.. وكذلك عثر على أثر لمرور طلقة نارية أخرى من وسط مسند للظهر الموجود غرب المجلس واصطدمت هذه الطلقة بالجدار الغربي تحت النافذة ، وعادت إلى مسند الظهر ثم نفذت إلى أحد المداكي الذي كان ضمن ثلاثة مداكي موجودة لجلوس ثلاثة أشخاص بجانب بعضهم البعض.. وكذا عثر على حشوة لمقذوف ناري في أحد المداكي الموجودة في الجهة الغربية للمجلس , وأيضا اختراق لطلقة نارية أخرى في فراش الضغط واصطدمت جهة الجنوب واصطدمت هذه الطلقة بالجدار الجنوبي خلف الزاوية الجنوبية الغربية, وعادت إلى داخل الزاوية ذاتها , بالإضافة إلى العثور على مقذوف ناري لسلاح آلي عيار (7,62) ملم في الفرش الضغط الذي بزاوية المجلس المجاورة للزاوية المواجهة للباب والتي تبعد عنه مقدار سبعة أمتار.. كما عثر على شال أزرق في أرضية المجلس وعلى كوت أزرق اللون ثم على كيسين (علاقتين) فيهما قات وكذلك على دبة بلاستيكية مليئة بالماء, وعلى عسيب وجنبية وتليفون جوال وتوصيلة شاحن كانت فوق الفرش الضغط أجوار الجدار الشرقي للمجلس وكذا على علبتين زجاجيتين لمشروب الطاقة وبجوارهما علاقية قات كانت في الزاوية الجنوبية الغربية للمجلس..
ولقد تم تحريز كل هذه الأشياء وغيرها , وخاصة منها الثلاثة الظروف الفارغة وسلاح مسدس ربع مع ظرف فارغ ومقذوف ناري له , وأيضا مقذوف ناري وغلاف خارجي له , وحشوة لمقذوف ناري , في الوقت الذي أعيدت أو سلمت الأشياء الخاصة وهي العسيب والجنبية والكوت والشال إلى والد المجني عليه والذي أفاد أنها لولده (الضحية) ثم استكملت إجراءات المعاينة والتصوير للمكان والجثة وتم نقل الجثة لحفظها بثلاجة أحد المستشفيات بالعاصمة مؤقتا .. وبعد ذلك تم تشكيل فريق عمل للمتابعة والتحقيق والضبط مكون من مجموعة المركز المذكورين آنفا بقيادة مدير المركز مضافا إليهم النقيب / بندر الجابري كمحقق أساسي في القضية , والذين اهتموا وتحركوا من الدقائق الأولى , وكان أول ما قاموا به هو فتح محاضر جمع الإستدلالات والإفادات مع الأقرباء والجيران ومن أمكن ممن لديهم معلومات حول الواقعة واهتموا بتليفون المجني عليه الجوال , وقاموا باستخراج آخر المكالمات والرسائل التي صدرت منه وإليه , وركزوا على أصحاب الأرقام الذين تواصلوا مع القتيل (المغدور) أو تواصل هو معهم في ذات اليوم (يوم الجريمة ) , وكان أن توصلوا من خلال ذلك كحصيلة أولى إلى أن أحد الجيران وهو من سكان البيت الأقرب والمجاور أفاد في أقواله عند سؤاله بما يؤكد :أنه صادف وسمع بعد صلاة العشاء أصوات دربكة وصراخ وصادرة من داخل منزل الجار (محل الواقعة ) فصاح ينادي على أصحاب المنزل, وشاهد أثناء ذلك خروج شخصين من باب المنزل أوصافهما كذا وكذا وثم اختفيا هذين الشخصين في حين أفاد آخر بأنه التقى المجني عليه قبل ظهر نفس اليوم وقال له بأنه هو وبعض شباب من الجيران يريدون المجيء عنده للمقيل فرد عليه بأنه في هذا اليوم مرتبط مع أصدقاء آخرين ولا يسمح الظرف باستقبال غيرهم ,وأعتذر له بشأن ذلك .. ثم أفاد شاهد ثالث بأنه هو وبعض شباب من الحارة دخلوا للمقيل قبل العصر عند المجني عليه في المنزل وكان معه شخصان جالسين للمقيل وإياه حين دخولهم وأنهم مكثوا للمقيل حتى قبل المغرب ، ثم غادرو المنزل، بينما بقي الشخصان مع المجني عليه لمواصلة مقيلهم… وذكر هذا الشاهد الثالث أوصاف الشخصين اللذين لبثا مع المجني عليه.. كما توصل فريق المتابعة وعن طريق التلفون والأرقام المستخرجة منه للمكالمات والرسائل الأخيرة الواردة إليه والصادرة منه التي تواصل المجني عليه أو تواصل أصحابها معه عليها، إلى أن الشخصين اللذين شواهدا في المقيل بصحبة المجني عليه بالمنزل هما أصحاب المكالمات والرسائل الأخيرة التي كان القتيل المغدور على تواصل معهما فيها، وأن اسم الشخصين أحدهما عبدالجليل، والآخر رائد، وأنهما يسكنان كل منهما في منطقة بعيدة عن منطقة وقوع الجريمة.
فتحمس وأجتهد رجال المركز في متابعة الشخصين المذكورين حتى تمكنوا من العثور عليهما وضبطهما وإيصالهما للمركز ثم مباشرة استنطاقهما وفتح محاضر جمع الاستدلالات معهما بنفس اليوم كل على حدة ، غير أن كل منهما أنكر علاقته أو معرفته بالجريمة بل أنهما حاولا الإنكار بعدم التواصل مع المجني عليه أو الالتقاء به في ذات اليوم وبالأخص في المحاضر الأولى التي أجريت معهما ، حيث أصرا فيها على النفي والإنكار.. إلا أن الشواهد والشهادات التي توفرت لدى رجال التحقيق بالمركز كانت تشير إليهما بالبنان وتؤكد بأنهما نفس الشخصين والمطلوبين..
وكان والد لمجني عليه من جانب آخر قد أكد عند سؤاله أول الأمر بما يفيد : أن ولده المغدور كان معه وبحوزته سلاحاً آلياً، وأن هذا الآلي مفقود ومختف في الوقت الذي كان ظهر عند إجراء المعاينة للجثة بأن المجني عليه تعرض لطلقتين ناريتين ، إحداهما من سلاح مسدس ربع، والأخرى من سلاح آلي، وهما اللتان أدتا لإزهاق روحه.. فتوقف رجال الفريق عند هذه النقطة وصاروا يلعبون لعبة الوتر ، وهي لعبة الذكاء ، وهم يعيدون فتح المحاضر للمرة الثانية مع الشخصين المشتبهين لتبدأ حينئذ مؤشرات ببعض الحقائق وانكشاف ولو اليسير من الغموض لتحال بعد ذلك القضية مع الشخصين المضبوطين من المركز إلى مباحث محافظة صنعاء ليتم استكمال التحقيقات وكشف ملابسات الجريمة وفاعليها.. فكيف تم ذلك ياترى؟ وما هي الحقائق التي اكتشفت؟ ومن هو الفاعل الحقيقي ولماذا ؟ وما الدافع الخفي لارتكاب الجريمة ؟ كيف توصل رجال البحث إلى الحقيقة كاملة ؟ ..؟ كل هذا وغيره عزيزنا القارئ الكريم ستعرفه وتقرأه بمشيئة الله تعالى في الحلقة الثانية والأخيرة بعدد الأحد القادم وإلى اللقاء.

قد يعجبك ايضا