محمد الطاهر
صادف الثلاثاء 2 أكتوبر الذكرى 99 لوعد بلفور الذي دق إسفينا في منطقة الشرق الأوسط ورسم قدرها المأساوي لنحو قرن بسلسلة من الحروب والتقلبات العنيفة.
صدر هذا الوعد الذي يوصف بالمشؤوم، ولُخص الموقف منه في الجملة الشهيرة: “أعطى من لا يملك من لا يستحق، عن آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني عام 1917م”.
رسالة من بلفور موجهة إلى اللورد روتشيلد فتحت الطريق بقوة لتأسيس وطن قومي لليهود في الشرق الأوسط، لتحل أوروبا في جرة قلم في نص لا يزيد عن 117 كلمة ما كان يوصف بالمسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني ومنطقة الشرق الأوسط، “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
ذلك هو مضمون الرسالة الوعد الذي أصبح بمثابة بركان رهيب وضع المنطقة فوق صفيح ساخن، لتتصادم الأضداد وتندفع الحمم، وتكبر المأساة يوما بعد آخر متحولة من حقبة إلى أخرى، من دون أفق للسلام.
بطبيعة الحال، الطرف الآخر يحتفل بهذا الوعد ويحتفي به، ويعتبره حقا تاريخيا بموروث ديني، مشفوع بوعد توراتي. هؤلاء لن يتذكروا أبدا أن بلفور قد حرم قسما كبيرا من الفلسطينيين من وطنهم ودفع بهم إلى الشتات، وجعل في المقابل من بيوتهم وبساتينهم وحاراتهم وطنا لغرباء قدموا من أصقاع الأرض بما في ذلك من تشيلي وإثيوبيا.
ويمكن القول إن أوروبا بالفعل حلت القضية اليهودية على حساب الفلسطينيين، وكفرت عما لحق بهم من مظالم في القارة العجوز بإرسالهم في سفن إلى “أرض الميعاد”.
وكادت أن تكون أوغندا ومنطقة الجبل الأخضر بليبيا في فترة ما أرض ميعاد لليهود، إلا أن الرهان رسا على فلسطين فكانت النكبة التي جرت ولا تزال الويلات على الجميع.
والأدهى أن عد بلفور تسبب في تسميم المنطقة في جميع المجالات بما في ذلك الثقافية والاجتماعية والنفسية، ورسخ قيم العداوة والبغضاء والعنف، فانهارت الموازين وتعطلت الرؤية، ومن ثمة تفتت المنطقة تدريجيا حول الإسفين، وذهب استقرارها هباء الريح، وخرجت أو تكاد من التاريخ.
فماذا سيقول السيد آرثر جيمس بلفور إذا قدر له أن يسمع ويرى هسيس النار ولهيبها بعد نحو قرن من الصك الذي أخرجه من جيبه باسم الإمبراطورية البريطانية ومنح بموجبه لجميع يهود العالم، أرضا كان يعيش بها 5 % من هؤلاء في سلام وسط 95% من الفلسطينيين؟.
على كل حال، إذا تجاوزنا السيد بلفور، فسنجد أن مئات أو يزيد من ساسة الغرب قد مروا في نفس الطريق وفعلوا الكثير لتحقيق وترسيخ ما بدأه، ولذلك سيبقى هذا الوعد، الجب العميق الذي وجدت شعوب المنطقة نفسها دون أن تدري حبيسة بين جنباته، وقد توقفت عقارب الساعة عن الدوران.
Prev Post