الغرب.. وملوك الفوبيا والميغالومانيا والزهايمر.!
د. صادق القاضي.
بيئة عائلية تضم العشرات من الزوجات، والمئات من الجواري، وحوالي السبعين من الإخوة والأخوات، لا يمكن إلا أن تكون طافحة بالغيرة والمشاحنات، وملبدة بالمكائد والدسائس والمؤامرات العائلية، في ظل التنافس المحموم للزوجات والأبناء من أجل التقرب من الرجل الوحيد المشغول على الدوام.!
هذا ما كانت عليه الحال في مقاصير الملك “عبد العزيز آل سعود”، وهذا ما يفسر به الكثيرون، ولو جزئيا، طبيعة العقلية السعودية الحاكمة، وانعكاساتها على البيت الملكي، من عزل الملك “سعود”، إلى اغتيال الملك “فيصل”، وصولا إلى إطاحة الملك سلمان بولي عهده أخيه من غير أمه السديرية، خروجا إلى التعاطي مع القضايا والصراعات الإقليمية والدولية بضحالة وحساسية شخصية مبالغ فيهما، كمواجهة “إيران” على سبيل المثال، وفق طباع الضرائر، بغيرة وقلق من استحواذ هذه الأخيرة على حظوتها التقليدية لدى الغرب!.
غير أن مشكلة النظام السعودي أكثر عمقا وقدامة، فمنذ البدء، كان نظام هذا النجدي يعاني انفصاما حادا بين جماعة دينية وعائلة ملكية، ومن المعلوم، أو هكذا يصبح باطراد، فإن الأولى تغذي الإرهاب في العالم، والثانية تغذي كل أسباب الأزمات والحروب في المنطقة!.
منذ البدء، وهذا النظام القرسطي بشقيه منخور بالأمراض العصبية والنفسية والفكرية والأخلاقية، وإذا كان الحديث عن عته الجماعة الوهابية تحصيل حاصل، فمن المهم أن نعرف أن هذا النظام القائم على الشراكة الكاثيولوكية بين العائلة السعودية والجماعة الوهابية، كان منذ القرن الثامن عشر، وحتى أربعينيات القرن الماضي، يحمل الاسم الوهابي لا السعودي.
على صعيد العائلة المالكة، وفضلا عن كون العاهل السعودي الراهن مصاباً بالزهايمر، وأن نجله الطائش يعيش مراهقة متأخرة، فإن حالة الـ”رعاش” أو مرض باركنسون، الذي كان يعانيه وزير الخارجية السابق الأمير “سعود الفيصل”، بما يصاحبه من كآبة واضطراب النوم، وتغييرات عاطفية أخرى، تمثل إحدى العناوين المكثفة للسياسة السعودية الدولية طوال نصف قرن.
لقد بات من المعروف جيدا، وعلى نطاق واسع، أن السياسة السعودية عموما، نتاج نفسيات بدوية طافحة بالعقد والوساوس المرضية والعصبية، وأن اليمن، ولأسباب جيوسياسية خالصة، كانت منذ مطلع القرن الماضي، هي الدولة التي تقع عليها معظم تداعيات شطحات ونزوات جارتها “الشقيقة الكبرى”، فعلى الدوام كانت السياسة السعودية تجاه اليمن قائمة على أسس غير عقلانية، أبرزها الفوبيا “الرُّهاب” أو “الخوف المرضي”:
-فوبيا النظام الجمهوري: التي تسببت بكل الحروب والأزمات منذ 1962م.
-فوبيا وحدة وقوة اليمن: التي ربطها الملك الأب “عبد العزيز” بزوال المملكة.
-فوبيا الشبح الفارسي: في اليمن، التي تسببت، بشكل رئيسي، بـ”عاصفة الحزم”.
في عددها الأخير، أشارت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) إلى أن العائلة السعودية برمتها تحمل تجاه اليمن حالة فوبيا وبارونايا حادة، بسب ربط الملك الأب “عبد العزيز بن سعود” في وصيته الأخيرة على فراش الموت بين وحدة اليمن وقوته وبين زوال مملكة الرمال!.
بجانب إشارتها إلى هذه الفوبيا الوراثية من وحدة وقوة اليمن، أشارت هذه المجلة أيضا إلى فوبيا الشبح الفارسي في اليمن، كما أكدت على تكامل “الفوبيا” وجنون العظمة (Megalomania)في الدوافع الحقيقية وراء “عاصفة الحزم”.
وفق غريغوري غوس، مدرس العلاقات الدولية بجامعة فرمونت، وفرد هاليداي وبرنارد هيكل برفسور دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، فإن سياسة المملكة تجاه اليمن قائمة على عقدة البداوة، وفوبيا النظام الجمهوري، كما أكد سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، مرارا على الحالة الخطرة من جنون الارتياب في حرب السعودية على اليمن.
المشكلة الكبرى أن العالم المتحضر يعرف أيّ نظام معتوه نواجهه، وأيّ اجتياح همجي يواجهنا في اليمن.. يعرفون كل هذا، بما يترتب عنه من مخاطر ليس على اليمن فقط، وليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على المستوى الدولي، وعليهم هم بشكل خاص، على مصالح دولهم وعلى أمنها القومي.!
تعرف فرنسا أن هؤلاء الذين تبيع لهم الأسلحة المحرمة دوليا لقتل المدنيين في اليمن، هم من كانوا وراء تفجيرات باريس منذ تفجيرات مترو باريس 1995م وتعرف إسبانيا أنهم كانوا وراء تفجيرات مدريد 2004م كما تدرك بريطانيا أنها تبيع أسلحة دمار شامل لمن كانوا وراء تفجيرات لندن”2005″، فيما كانت أمريكا على الدوام، من قبل قانون جاستا، وتصريحات كبار الساسة، على معرفة يقينية أن النظام السعودي بشقيه، هو من كان وراء هجمات الـ 11من سبتمبر.
ومع ذلك تقوم هذه الدول الكبرى بتأبيد حالة المنخوليا هذه، بمساندتها، وبيعها الأسلحة لقتل الأطفال والنساء، وقصف الأسواق والمؤسسات، أو تقوم على الأقل بالتواطؤ مع مجرمي الحرب، بتعطيل حواس العالم، وتخدير الضمير الدولي، وإفشال المبادرات الدولية لاتخاذ موقف حازم أمام الإرهاب، ووضع حد نهائي لجرائم الحرب!.
عودا إلى مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy)، فقد أبدت هذه المجلة الاستراتيجية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، وعيا نزيها مسؤولا بحيثيات الحرب السعودية على اليمن، وتضرر المصالح الأمريكية في هذه الحرب التي أشارت إلى وجاهة أن يحسمها الرئيس الأمريكي القادم، وفق المرتكزات الستة التالية:
– تحرير حكام السعودية من جنون العظمة الذي يفاقم أزماتها الداخلية والخارجية.
– تخليصهم من أوهام وصية الملك عبدالعزيز، بشأن اليمن، وهو على فراش الموت.
– فك ارتباط السعودية بالإرهاب ايديولوجيا وماليا وسياسيا.
– تحقيق تقاسم منضبط للنفوذ في المنطقة بين السعودية وايران.
-الحفاظ على وحدة اليمن، وفق تقاسم عادل للسلطة والثروة بين الجنوب والشمال.
-ربط وقف الحرب بتصفية نفوذ الجماعات الارهابية التي توالي تنظيم “داعش” في اليمن.
تكشف هذه المرتكزات الستة، ببساطة ووضوح، عن كيف تبدو الشخصية السعودية الحاكمة في المرآة الأمريكية، شخصية مصابة بالوساوس والعقد والأوهام والشره والإرهاب.. كما يمكن ملاحظة أن أربعة من هذه المرتكزات الستة المفترضة للحل الأمريكي للحرب على اليمن، تتعلق بالسعودية لا باليمن، فيما المرتكزان الأخيران يتعلقان أصلا بالتخلص من آثار الحرب السعودية الراهنة، التي عملت على تفكيك البلد تمهيدا لصراعات أهلية طويلة الأمد، أو مكنت الجماعات الإرهابية من السيطرة على مناطق واسعة في هذا البلد الذي كان هو الشريك الحقيقي الوحيد في المنطقة في الحرب على الإرهاب خلال السنوات والعقود السابقة.