نبيل نعمان –
اليونسكو
ينشدون التحدث بأمان لضمان حرية التعبير :
صحافيو العالم .. تقاسم الألم وتشاطر الأمل
نبيل نعمان
في اليوم الثالث من مايو يتوحد صحفيو العالم تحت راية واحدة احتفاءٍ باليوم العالمي لحرية الصحافة وهم يحصون ضحاياهم من قتلى وجرحى وانتهاكات تطالهم يحدوهم الأمل في أن يكون العام القادم أفضل من سابقيه سواء من حيث سلامتهم وأمنهم أو من حيث حريتهم في التعبير .
مهنة الصحافة تغدو أكثر من أي وقت مضى الأخطر من بين المهن الاخرى ولعل الارقام تكشف بوضوح عن ذلك إذ قْتل أكثر من 600 صحفي وإعلامي في السنوات العشرة الأخيرة الماضية أثناء نقل خبر ما للجمهور وبحسب اليونسكو يْقتل كل أسبوع صحفي أو صحفية على الأقل خلال تأدية الوظيفة الإعلامية وفي عام 2012 من دون سواه قتل 121 صحفيا وهو رقم يشكل تقريبا ضعف الأرقام التي شهدها عامي 2011 و 2010
كما بلغ عدد الصحفيين السجناء حول العالم مستوى قياسياٍ في العام 2012 مدفوعاٍ بعوامل عدة منها التوسع في استخدام تهمة الإرهاب وغيرها من الجرائم ضد الدولة بحق الصحفيين والمحررين الناقدين حسبما خلصت إليه لجنة حماية الصحفيين فقد وجدت اللجنة في تعدادها السنوي للصحفيين السجناء أن 232 صحفياٍ كانوا وراء القضبان بتاريخ 1 ديسمبرمن العام الماضي بزيادةُ بلغت 53 صحفياٍ عن سنة 2011 هجمة شرسة
صحفيو العالم يحتفلون هذا العام للمرة العشرين تحت سقف حرية الصحافة وهو يوم مخصص للدفاع عن حرية التعبير وعن سلامة الصحفيين في وسائل الاعلام المطبوعة والمذاعة والالكترونية وقد اختارت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة /اليونسكو/ الاحتفال بهذا الحدث هذا العام تحت عنوان عريض هو” التحدث بأمان: ضمان حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام”.
ورغم أن كل عام يمضي كانت الهجمة على الصحافيين تتسع وتزداد شراسة كان في المقابل جهود دؤوبة تتعاظم وتؤسس لعمل دولي مشترك يحقق تطلعات الصحفيين في العالم في تجذير حرية التعبير واعتباره هدفاٍ لايمكن التنازل عنه وبذات العزيمة الحفاظ على أمنهم وسلامتهم ومقاومة كل محاولات إسكات أصواتهم من أكثر من جهة في ظل تعزيز جهود مكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضدهم وهو ما فتح نافذة أمل يمكن من خلالها فعلاٍ ” التحدث بأمان ” من خلال استراتيجية دولية ضاغطة في هذا الاتجاه .
وتندرج احتفالات هذا العام في سياق خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب التي تشارك اليونسكو في قيادتها ويتمثل هدف هذه الخطة في ضم جهود مختلف وكالات الأمم المتحدة والشركاء الخارجيين من أجل توفير بيئة أكثر أمانا للصحفيين للتأثير تأثيرا أقوى في مكافحة العنف ضد الصحفيين.
ويركز اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام على ضمان سلامة الصحفيين على الصعيدين الجسدي والنفسي في جميع المنصات الإعلامية وعلى معالجة المستويات المرتفعة من الإفلات من العقاب في الجرائم ضد حرية الصحافة ويولي أيضا اهتماما لحرية التعبير على شبكة الإنترنت بوصفه شرطا مسبقا لسلامة الصحفيين الرقميين. وقد باتت هذه المسألة ملحة بالنسبة لحرية الصحافة.
استراتيجية لسلامة الصحفيين
صحفيو العالم وهم يحتفلون بهذا الحدث لديهم أمل أكثر من ذي قبل في التمتع يضمان سلامتهم بعد أن أصبحت استراتيجية تنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب في عامي 2013 – 2014 متاحة الآن. وتْوحد جهودِ الجهات الفاعلة كافة لتعزيز بيئة حرة وآمنة للصحفيين في حالات النزاع وما بعد النزاع على حد سواء بهدف تكوين مواطنين مطلعين قادرين على تعزيز السلام والديمقراطية والتنمية في جميع أنحاء العالم.
وتتضمن الوثيقة تصورا يهدف إلى وضع خطة عمل الأمم المتحدة حيز النفاذ وقد أْعدِت في إثر مشاورات واسعة النطاق جرت منذ أن أقر مجلس الرؤساء التنفيذيين في منظومة الأمم المتحدة الخطة في 12 أبريل 2012. والاستراتيجية مْصمِمة لتْطبِق على الصعيدين العالمي والإقليمي وتْكيِف على الصعيد الوطني. وفي المرحلة الأولية من نشرها وبهدف تركيز الجهود يجري تكييف هذه الاستراتيجية بشكل خاص مع مجموعة مختارة من البلدان .
وتْحدد الاستراتيجية أكثر من 100 نشاط فعلي يتعين على وكالات الأمم المتحدة المختلفة العاملة بالتعاون مع كيانات أخرى تنفيذه خلال العامين الجاري والمقبل كجزء من الجهود المشتركة لضمان سلامة الصحفيين. ومن بين هذه التدابير إنشاء آليات تنسيق داخلي ضمن منظومة الأمم المتحدة لتوحيد أنشطة الأمم المتحدة في هذا المجالº ودعم الحكومات على صياغة قوانين لحماية الصحفيين ووضع آليات تْشجع حرية التعبير والإعلامº وتنفيذ أنشطة توعية ليفهم المواطنون أهمية الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
وتوفير التدريب للصحفيين في ما يتصل بمسألة السلامة والسلامة على شبكة الإنترنتº توفير ظروف عمل جيدة للصحفيين الذين يطورون أنشطتهم المهنية على أساس العمل بدوام كامل والعمل المستقل على حد سواءº وإنشاء آليات للتصدي لحالات الطوارئ بشكل آنيº واتخاذ تدابير خاصة بالنساء الصحفيات في مواجهة الانتشار المتزايد لحوادث التحرش الجنسي والاغتصاب.
وتأتي هذه الاستراتيجية التي تقودها اليونسكو نتيجةٍ لعملية تشاركية ضمت حوالى 100 جهة فاعلة بما في ذلك أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الدولية والرابطات المهنية والمراكز الإعلامية والمنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية والحكومات. وقد نتجت عن هذه العملية مسودة أولية نْوقشت خلال الاجتماع الثاني المشترك بين وكالات الأمم المتحدة المعني بسلامة الصحفيين وبمسألة الإفلات من العقاب الذي عْقد في فيينا في نوفمبر 2012. وبعد القيام بالمزيد من المشاورات جرى استكمال الاستراتيجية في في فبراير 2013
وكان إعلان قرطاج الصادر في مثل هذه الايام من العام الماضي شدد على ضرورة تدعيم حرية الصحافة وتحسين سلامة الصحافيين.
وعلى المحطة التاريخية التي احتْفل فيها باليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام ولا سيما في المنطقة العربية. وصرحوا أنه من المهم تدعيم الثقافة والقوانين والممارسات الصحافية التي تؤدي دوراٍ أساسياٍ في حماية الحريات التي اكتْسبت بعناء وهو أمر يبرز ما تم التعبير عنه من شواغل بشأن هشاشة هذه الحريات خلال المؤتمر .
ودعا المندوبون جميع الجهات المعنية إلى بناء بيئة مواتية لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة في مجال التحرير والتعددية ولا سيما في البلدان التي هي بصدد الانتقال إلى الديمقراطية وإلى تدعيم أسس هذه البيئة. كما شددوا على أهمية مبادرة مهنيي وسائل الإعلام والمواطنين الصحافيين إلى اعتماد نهج يقوم على أسس أخلاقية في إطار عملهم وهو أمر وصفوه بأنه عامل رئيسي في الكشف عن الحقائق المحرفة وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة التعصب وتسليط الضوء على ممارسات الفساد والتصدي للاستبداد.
إدانة من كل عشر
الإفلات من العقاب” يعني عدم التمكْن قانوناٍ أو فعلاٍ من مساءلة مرتكبي الانتهاكات – برفع دعاوى جنائية أو مدنية أو إدارية أو تأديبية – نظراٍ إلى عدم خضوعهم لأي تحقيق يسمح بتوجيه التهمة إليهم وبتوقيفهم ومحاكمتهم والحكم عليهم إن ثبتت التهمة عليهم بعقوبات مناسبة وبجبر الضرر الذي لحق بضحاياهم”.
تداعيات إفلات منتهكي حرية الصحافة لا تمس فقط الصحفيين بل تتعداهم الى المجتمع بأسرة وباتساع نطاق هذه الجرائم تتضرر جهود رقي تقدم الدول ونهضتها في مختلف المجالات إذ تفيد الإحصاءات بأن مرتكبي الجرائم التي أودت بحياة صحفيين وإعلاميين ومنتجين تابعين لوسائل إعلام اجتماعية خلال السنوات العشر الماضية أدينوا في حالة واحدة من أصل كل عشر حالات في المتوسط .
ويْعتبر هذا الإفلات شبه التام من العقاب أمراٍ بالغ الخطورة لأنه يمثل انتهاكاٍ لسيادة القانون بالنظر إلى واجب الدول المتمثل في حماية مواطنيها. ويزداد الوضع خطورةٍ في ظل الانتشار الواسع للأخبار المتعلقة بحالات الإفلات من العقاب في الاعتداءات التي تستهدف الصحفيين.
فالجمهور العام يرى في هذه الأخبار إشارة إلى ضرورة السكوت عن ممارسات الفساد والأضرار الملحِقة بالبيئة وانتهاكات حقوق الإنسان. وتترتب على ذلك رقابة ذاتية يفرضها المجتمع على نفسه وتدهور في ثقة الناس بالنظام القضائي. ونتيجةٍ لهذا الأمر يؤدي الإفلات من العقاب إلى الدخول في حلقة مفرغة لأن الأشخاص الذين يهددون الصحفيين أو يستخدمون العنف ضدهم يميلون إلى الاستمرار في ممارساتهم عندما يرون أن بإمكانهم الإفلات من العقاب. “ويولد انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب حلقة مفرغة تتسع مع كل انتهاك جديد يتم ارتكابه بدون رادع نفسي نتيجةٍ لتدني احتمال التعرض للعقاب”.
يتسابقون على إيذاء الصحفي
هكذا وضع يوسع من دائرة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين ولم تعد هذه الظاهرة حكراٍ على سلطات الدول بل تنظم اليها منظمات إجرامية ومجموعات فساد واستبداد وإرهاب .. وفي حين أن التحقيقات المتعلقة بالجرائم المرتكبة ضد الصحفيين تبقى من مسؤولية الدول الأعضاء فإن وتيرة أعمال العنف والتخويف (بما في ذلك عمليات القتل والاختطاف واحتجاز الرهائن والمضايقات والتهديدات والاعتقالات وعمليات الاحتجاز غير القانونية) ازدادت أكثر من أي وقت مضى في مجموعة متنوعة من السياقات.
وتجدر الإشارة بوجه خاص إلى ازدياد المخاطر المرتبطة بجهات من غير الدول مثل المنظمات المتطرفة والجماعات الإجرامية. ويستلزم هذا الأمر إيلاء عناية خاصة بأسلوب يراعي الظروف السائدة للاحتياجات المختلفة للصحفيين العاملين في مناطق النزاع والمناطق الخالية من النزاع ولمختلف الوثائق القانونية المتاحة لضمان حمايتهم. ويستلزم هذا الأمر أيضاٍ البحث في سبل التصدي للمخاطر التي يواجهها الصحفيون في الأوضاع التي لا تْعتبر نزاعات مسلحة بالمعنى الدقيق للكلمة (ومنها مثلاٍ المواجهات المتواصلة بين جماعات الجريمة المنظمة). وينبغي في الوقت عينه إجراء تحليل معمق لمشكلة الإفلات من العقاب يشمل مجمل الجهات الفاعلة المعنية بالإجراءات القضائية ويتطرق إلى السلطات التنفيذية والتشريعية (والإرادة السياسية المتوافرة لديها) والنظام القضائي والبنية المؤسسية للهيئات المعنية بتأمين الحماية وبإجراء التحقيقات والملاحقات وإلى تكدْس القضايا في المحاكم.
وثمة الكثير من البلدان والمنظمات التي تعمل على مكافحة الإفلات من العقاب إما بصورة مستقلة أو بالتعاون الوثيق فيما بينها. وعلى سبيل المثال تصدر لجنة حماية الصحفيين مؤشراٍ سنوياٍ بشأن الإفلات من العقاب يبين بلدان العالم التي يبلغ فيها معدل الإفلات من العقاب أعلى مستوياته. ويعد الاتحاد الدولي للصحفيين ورابطة الدول الأمريكية للصحافة برامج خاصة بمسألة الإفلات من العقاب كما يضعان تقارير منتظمة في هذا الشأن. أما الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير فتولت قيادة الجهود المبذولة للتشجيع على إعلان يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر يوماٍ دولياٍ للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب من أجل التوعية بهذه المسألة في شتى أنحاء العالم. فما هي التدابير الأكثر فعالية المتخذة على الصعيد العالمي لتقليل حالات الإفلات من العقاب¿ وهل يمكن تكرار هذه التدابير في عدة بلدان¿ وما هي الدروس المستخلصة من الأنشطة المضطلع بها¿
للتفكير والتأمل
العديد من للتفكير والتأمل وليس هناك أفضل من هذا اليوم لطرحها وهي أسئلة تضعها اليونسكو لحشد المزيد من العمل والجهد لتعزيز العمل على كافة المستويات الوطنية والاقليمية والدولية لمكافحة ظاهرة الافلات من العقاب في الانتهاكات ضد الصحفيين ومن هذه الاسئلة .
– ما مدى انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب في بلدكم وما هي السبل المثلى لمكافحة هذه الظاهرة¿
– ما هي اتجاهات ظاهرة الإفلات من العقاب على الصعيد العالمي¿
– ما هي السبل التي تتيح تحسين البحوث المتعلقة بنطاق ظاهرة الإفلات من العقاب وعواقبها والأضواء المسلطة على هذه المشكلة¿
– ما هي الممارسات الجيدة في مجال مكافحة الإفلات من العقاب التي يمكن تكرارها في عدة بلدان¿
– هل يتمتع الجهاز القضائي بالبنية الملائمة وبالقدرات المناسبة لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي تمس بحرية التعبير¿
– ما هي التحديات التي تجعل من الصعب التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد حرية الصحافة على يد جهات من غير الدول مثل المنظمات المتطرفة والجماعات الإجرامية¿ .
إن التمعن في الاسئلة السابقة تغدو بمثابة خارطة طريق يمكن من خلالها إرساء اسس جيدة لتعزيز حضور الصحفيين بتحصينهم من الأذى والانتهاك من قبل أولئك الذين لايريدون للصحافة أن تقوم بدورها الطبيعي في حياة المجتمع .. ينطبق هذا الامر على اليمن كما ينطبق على الدول الاخرى وخاصة في العالم الثالث حيث يعيش الصحافي في أوضاع ومعاناة تلاحقه من كل جانب ومعرض لكل أنواع الاذى والانتهاكات من الضرب والحبس الى القتل .
تحصين مزدوج
الصحفيون اليمنيون وهم يحتفون بهذا اليوم يتقاسمون مع زملائهم في أرجاء المعمورة المعاناة ويشاطرونهم أيضاٍ الجهد والعمل للتأصيل ليس فقط لحرية التعبير والتمكن من التحدث بأمان .. ولكن أيضاٍ في عدم إبقاء الصحافي عرضة للانتهاكات أو السماح لمرتكبي الانتهاكات والجرائم ضده الافلات من العقاب .
وكما أن هذا الجهد العالمي يمضي في اتجاه تحصين الصحافي من المخاطر المحدقة به معيشياٍ ونفسياٍ وجسدياٍ وتمكينه من الإسهام الفاعل في الحياة العامة والاستمرار في أداء دوره في ابراز الحقائق للناس فإنه (أي الصافي) أمام مسؤولية كبيرة لتحصين مهنته من التشويه والاستغلال الرخيص وتكريس قيم وأخلاقيات مهنية من حضوره ودوره النهضوي والانساني تأسيساٍ لأوضاع أفضل للصحفيين والعالم بأسرة .. فهل يكون العام القادم أفضل من سابقية ويحتفل الصحافيون باليوم العالمي لحرية الصحافة وقد وضعوا أقدامهم على بداية الطريق للتحدث بأمان لضمان حرية التعبير¿ .