د. أحمد قائد الصايدي
نقصد بالبعد التاريخي للثورة اليمنية ، مجمل الأحداث والتطورات التاريخية ، الداخلية والخارجية ، التي مهدت للثورة ، وتخلقت بذور الثورة في رحمها واكتسبت بفعلها ملامحها المميِّزة. ومع أن حركة التاريخ تتصف بالاستمرارية والتواصل ، غير المنقطع ، بحيث يصعب اختيار مفصل من مفاصلها واعتباره ، دون ما قبله ، نقطة البداية في تشكيل عوامل الثورة ودواعيها. فإن الباحث مضطر دائماً إلى انتقاء حلقة معينة من حلقات التاريخ وفصلها عما سبقها من حلقات واعتبارها نقطة البداية لأحداث التاريخ اللاحقة ومنطلقاً لدراسة العوامل والأسباب ، التي وفرت الشروط الضرورية لقيام الثورة وأنضجت قواها وفكرها ورؤيتها للتغيير المطلوب في الواقع ، الذي ثارت عليه وسعت إلى تغييره. وهذا الانتقاء ، هو في الحقيقة عملية تتسم بالقسر وبالتجني على التاريخ ، الذي يتسم بالترابط والتواصل ، وبالتجني على أحداثه ووقائعه ، التي لا تنبجس فجأة ولا تهبط من قلب الغيب ، بعيداً عن الماضي وتراكماته وتفاعل مكوناته المرئية وغير المرئية ، من اقتصاد واجتماع وسياسة وبيئة طبيعية وعوامل نفسية وفكر وعلم ومعتقدات. ومصدر اضطرار الباحث إلى الانتقاء والبتر والتسليم بتقسيم التاريخ إلى حقب وعصور ، تُدْرس وتُدرّس وكأنها منقطعة بعضها عن بعض ، مصدر هذا الموقف المجافي للعلم ، هو العلم نفسه ، وبتعبير أدق المنهج العلمي ، الذي يفرض على الباحث تجزئة الظاهرة ، إلى عناصرها الأولية لتسهل دراستها ، وفي مجال التاريخ ، تجزئة التاريخ رغم ترابطه وتواصله ، وذلك لصعوبة العودة إلى مدى غير محدود ، عند دراسة ظاهرة من ظواهر التاريخ أو حدث من أحداثه.
المرحلة الثالثة : مرحلة مابعد إنقلاب 1948م :
لم يفلت من قبضة الإمام أحمد ، من بين قادة حركة الأحرار ، الذين قدموا إلى صنعاء ، لدعم النظام الجديد ، سوى محمد محمود الزبيري ، الذي ذهب إلى الرياض على رأس وفد ضم عبدالله بن على الوزير والفضيل الورتلاني ، لمقابلة وفد الجامعة العربي ، الذي كان في طريقه إلى صنعاء ، في محاولة من قبل الجامعة العربية للتدخل في الصراع الدائر بين النظام الجديد وبين المطالب بالعرش، الإمام أحمد بن الإمام يحي حميد الدين. وقد تمكن الملك عبد العزيز من تأخير الوفد لديه في الرياض ، لإعطاء فسحة من الوقت للإمام أحمد ، حتى يحسم الموقف لصالحه. لهذا أرسلت حكومة الإمام عبدالله الوزير الوفد المذكور ، برئاسة الزبيري ، للإلتقاء بوفد الجامعة في الرياض. وأثناء وجود الزبيري وزميليه في الرياض ، سقطت صنعاء ، بأيدي القبائل المناصرة للإمام أحمد ، وتم القضاء على الإنقلاب ، فعادوا إلى عدن. ومن عدن رحل الزبيري والوزير إلى باكستان ، ورحل الفضيل الورتلاني إلى لبنان. وخيمت حالة من الإحباط والتمزق على رجال حركة الأحرار اليمنيين.
ومع أن صحيفة ( السلام )، التي أصدرها الشيخ عبدالله الحكيمي، بمدينة كارديف البريطانية، في شهر ديسمبر عام 1948م، وصحيفة ( الفضول )، التي أصدرها عبدالله عبدالوهاب نعمان بمدينة عدن، في الشهر نفسه من نفس السنة1، قد أبقتا جذوة الحركة مشتعلة، إلا أن معاودة النشاط العلني المنظم لم تتم إلا في عام 1950م، عندما أسس بعض رجال الحركة، الموجودين في مستعمرة عدن ( نادي الإتحاد اليمني )، الذي عُرف فيما بعد باسم ( الإتحاد اليمني)، وهو إمتداد لحزب الأحرار اليمنيين والجمعية اليمنية الكبرى، ولكنه أنشئ كناد ثقافي، ليحصل على ترخيص بمزاولة النشاط، من السلطات البريطانية في عدن، حيث كان للسلطات البريطانية في ذلك الحين موقف متحفظ، تجاه منح رجال الحركة فرصة للنشاط السياسي. وهكذا ركز الإتحاد جهوده على نشر الوعي وتشجيع التعليم، وعمل على إرسال الطلاب اليمنيين للداراسة في الخارج. وقد تمكن الإتحاد من تأسيس فرع له في القاهرة، تولى محمد محمود الزبيري قيادته، بعد أن انتقل من باكستان إلى مصر، إثر قيام الثورة المصرية في يوليو 1952م. وتبنت حكومة مصر الإتحاد ومكنته من النشاط السياسي وأصبح صوت حركة الأحرار اليمنيين مسموعاً، عبر وسائل الإعلام المصرية، المقروءة والمسموعة، مما أدى إلى توسع دائرة المناصرين للحركة داخل اليمن، سواءً في مملكة الإمام أو في مستعمرة عدن ومحمياتها، وأصبحت قضية تغيير نظام الحكم الإمامي قضية مركزية، بالنسبة للحركة الوطنية اليمنية، بشكل عام.
وفي عام 1955م قامت محاولة إنقلابية في تعز، مقر الإمام أحمد، بدت لأول وهلة وكأنها قد نجحت في إنتزاع تنازل من الإمام أحمد لأخيه عبدالله2، ليصبح إماماً بدلاً عنه. ولكن المحاولة لم تلبث أن فشلت، وسيق قادتها إلى ساحة الإعدام، في مدينة تعز. وقد تسبب الإنقلاب بحدوث صدع في جسم الحركة الوطنية، فقد وقف بعض رجالاتها إلى جانب الإنقلاب، في حين وقف بعضهم الآخر ضد الإنقلاب3. وكان على رأس من وقف ضد الإنقلاب محمد محمود الزبير، الذي إنسجم موقفه مع موقف مصر. فقد خشيت مصر وخشي المعارضون للإنقلاب من شخصية الإمام عبدالله بن يحي، الذي كان في نظرهم رجل أمريكا في اليمن. أما المعارضون للإنقلاب في الداخل فقد تمكنوا من إقناع ولي العهد، محمد ( البدر)، إبن الإمام أحمد، الذي كان يقود عملية مقاومة الإنقلاب، بإطلاق من تبقى من المعتقلين في سجون حجة، ممن شاركوا في أحداث 1948م، لكي يساعدوه في تصديه للإنقلاب.
وكان من نتائج إنقلاب 1955م تصدع الأسرة الحاكمة وإعدام الإمام أحمد إثنين من إخوته، هما عبدالله، إمام الإنقلاب، وعباس، وكذا تصدع بنيان الإتحاد اليمني، الذي لم يبق له وجود مؤثر سوى في القاهرة، بفضل ماقدمته الثورة المصرية له، من دعم مادي وإعلامي.
وقد رافق تصدع الإتحاد ظهور قوى جديدة في ساحة العمل السياسي اليمني، مثلتها فروع الأحزاب القومية والإسلامية والأممية ( حزب البعث – حركة القوميين العرب، حركة الإخوان المسلمين ـ الشيوعيون ). فقد أخذت هذه الأحزاب تنشئ لها تنظيمات في مستعمرة عدن ومحمياتها وفي شمال اليمن، عن طريق الطلاب اليمنيين، الذين تمكنت من إستقطابهم في أماكن دراساتهم، خارج اليمن، وخاصة في مصر والعراق وسورية. واستطاعت فروع هذه الأحزاب في اليمن أن تنشط سياسياً وثقافياً، نشاطاً مؤثراً وأن تعمل، من خلال واجهات نقابية، ومن خلال النوادي والتجمعات الثقافية، وأن تمد تأثيراتها إلى عناصر عسكرية، داخل القوات المسلحة في شمال اليمن.
وشهدت فترة مابعد إنقلاب 1955م، وحتى قيام ثورة 1962م، نشاطاً سياسياً مكثفاً، وهادفاً إلى إنهاء الإمامة في اليمن واستبدالها بنظام جمهوري. وكان للثورة المصرية وتأثيرها الإعلامي والثقافي دور في إنضاج الإتجاه الثوري في اليمن، الرافض لبقاء النظام الإمامي، رغم حرص الإمام أحمد على مداراة مصر والتظاهر بأنه يقف معها في صراعها ضد الأحلاف المرتبطة بالغرب وضد الوجود الإستعماري في الوطن العربي، كما يقف معها في تعزيز علاقاتها مع المعسكر الإشتراكي وفي توجهاتها الوحدوية العربية4. وقد إستجابت مصر لما أبداه الإمام من رغبة في التقرب إليها، فسعت إلى إخراج اليمن من عزلته وشجعت إتصالاته بالدول الإشتراكية ودعمتها. وقد أثمرت تلك الإتصالات تقديم مساعدات لليمن، أبرزها بناء ميناء الحديدة، من قبل السوفييت، وشق وسفلتة طريق الحديدة ـ صنعاء، من قبل الصينيين5.
نظر زعماء الحركة الوطنية إلى التقارب بين مصر واليمن بقلق، لتأثيره السلبي على نشاطهم، ولإدراكهم بأن الإمام غير صادق في إدخال إصلاحات حقيقية في اليمن، وأن كل مايهدف إليه هو أن يكسب ود مصر، التي أصبح لها تأثير قوي في تشكيل رأي الفرد اليمني وموقفه السياسي، من خلال مواقفها القومية وأجهزتها الثقافية والإعلامية، وأن يخرس أصوات معارضيه، من رجال الحركة الوطنية، الذين أصبحت القاهرة منبرهم ومركز نشاطهم الأول. وقد نجح الإمام، لبعض الوقت، وخاصة بعد أن إنضم عام 1958م إلى ماسمي ( إتحاد الدول العربي )، والذي ضم الجمهورية العربية المتحدة والمملكة المتوكلية اليمنية. ومع أن ذلك الإتحاد قد وُلد ميتاً، فقد إستمر وجوده الشكلي حتى عام 1961م، حيث أعلنت مصر حله، عندما هاجم الإمام أحمد تجربة مصر ونظامها السياسي، بقصيدة مشهورة، مستغلاً إنتهاء التجربة الوحدوية، بين مصر وسورية ومرور مصر بفترة عصيبة، بدت فيها محاصرة معزولة، فأفصح عن موقفه الحقيقي منها. وما كان من عبد الناصر إلا أن أعلن حل ( إتحاد الدول العربية ). ولم يمض وقت طويل حتى كانت مصر تنسق مع الخلايا الوطنية، مدنية وعسكرية، داخل مملكة الإمام وخارجها، بهدف إنهاء نظام الإمامة في اليمن.
وشهدت السنوات، من 1959م وحتى 1962م، إنتفاضات ومحاولات عديدة، للقضاء على الإمام أحمد، وإنهاء نظام الإمامة ككل. ففي عام 1959م، وحينما كان الإمام أحمد يتلقى العلاج في إيطاليا وينوب عنه، في تسيير أمور الدولة، إبنه ولي العهد، محمد البدر، تحرك الوطنيون، بمن فيهم بعض مشايخ القبائل، لإحداث تغيير سياسي، بالتنسيق مع البدر نفسه، بهدف إنهاء حكم الإمام أحمد وإدخال إصلاحات على النظام السياسي وعلى الحياة العامة. إلا أن الإمام أحمد عجل بعودته إلى اليمن واستطاع بسهولة أن يقضي على ذلك التحرك، وأن يذبح بعض زعمائه ( الشيخ حسين بن ناصر الأحمر، شيخ مشايخ حاشد وإبنه الشيخ حميد والشيخ عبد اللطيف بن قايد بن راجح، أحد مشايخ خولان )، في حين نجح بعضهم في الفرار إلى مستعمرة عدن.
وفي شهر مارس، عام 1961م، حاول ثلاثة ضباط، ينتمون إلى الحركة الوطنية ( عبدالله اللقية ومحمد العلفي ومحسن الهندوانة ) إغتيال الإمام أحمد، أثناء زيارته لمستشفى الحديدة، ولكنه نجا من المحاولة، رغم غزارة النيران، التي أُطلقت عليه. وقد ظل بعد ذلك يعاني من آثار الطلقات النارية، التي أُصيب بها، حتى وفاته في سبتمبر 1962م، قبل قيام الثورة بأسبوع واحد. أما الضباط الثلاثة فقد إنتحر أحدهم ( محمد العلفي ) بعد المحاولة مباشرة، عندما عرف أن الإمام لم يُقتل، وتم إعدام الضابطين الآخرين فيمابعد.
وفي عشية ثورة سبتمبر كان بعض العسكريين في جيش الإمام، من ذوي الرتب الصغيرة، قد نظموا أنفسهم في تنظيم سري ( تنظيم الضباط الأحرار ) على غرار تنظيم الضباط الأحرار في مصر، الذين قاموا بثورة يوليو المصرية عام 1952م، بقياد جمال عبد الناصر. وكان على رأس تنظيم الضباط الأحرار اليمني حلقة قيادية، من بين أعضائها : على عبد المغني وعبد اللطيف ضيف الله وأحمد الرحومي ومحمد مطهر زيد وصالح الأشول وناجي الأشول وعبدالله عبدالسلام صبرة وغيرهم. وقد تمكنت الحلقة القيادية من تحقيق إتصال بالحكومة المصرية، عن طريق السفارة المصرية في اليمن، وتلقت وعداً من الرئيس جمال عبد الناصر بدعم الثورة، عند قيامها6. كما تمكنت الحلقة القيادية من تحقيق إتصال ببعض الضباط الوطنيين، من ذوي الرتب الكبيرة، من أمثال عبدالله جزيلان وعبدالله السلال وحمود الجايفي وغيرهم. واستطاعت أيضاً أن تحقق تواصلاً مع رجال الحركة الوطنية، من مثقفين وتجار ومشايخ، دون أن تكشف لهم عن تنظيمها. وقد ترافق تشكيل هذا التنظيم مع تصاعد السخط الشعبي ضد حكم الإمام، وخروج المظاهرات الطلابية وإضراب العمال، وهما ظاهرتان لاعهد لمملكة الإمام بهما من قبل، وتعبران عن وعي سياسي متقدم وعن ضيق بالنظام الإمامي، بلغ مداه.
وفي 19 سبتمبر 1962م توفي الإمام أحمد وتولى إبنه محمد البدر الإمامة، خلفاً له. ولم يكمل الإمام الجديد في منصبه أسبوعاً واحداً، حتى إنفجرت الثورة، في ليلة السادس والعشرين من سبتمبر، بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، الذي أودى بالنظام الإمامي وأحل محله النظام الجمهوري.
وبدعم مباشر من قبل النظام الجديد، وبتوجيه وتدريب وتمويل من القوات المصرية، التي أرسلها عبد الناصر لدعم الثورة والنظام الجمهوري الوليد، إستطاعت الحركة الوطنية في جنوب اليمن أن تفجر ثورة 14 أكتوبر، التي حققت في نوفمبر 1967م إستقلال عدن وأنهت السلطنات والمشيخات، التي كانت تسمى محميات عدن، وصهرتها في كيان سياسي واحد ( جمهورية اليمن الجنوبية )، كما سنرى.
نشوء وتطور الحركة الوطنية في جنوب اليمن :
إحتلت بريطانيا مدينة عدن عام 1839م، واتخذت منها قاعدة لتأمين طريق مواصلاتها إلى مستعمراتها في الهند، ولتزويد سفنها بالوقود. وقد حرصت منذ البدء على إعطاء مدينة عدن وضعاً متميزاً عما حولها، فخلقت سياجاً من السلطنات والمشيخات، التي عُرفت ب ( محميات عدن )، ربطتها بسلسة من معاهدات الحماية، ، لتشكل عازلاً بين مستعمرة عدن وبين مملكة الإمام7.
وقد أبقت بريطانيا هذه المحميات على أوضاعها المتخلفة، فلم تعمل على شق طرق حديثة فيها أو إيجاد إدارة منظمة أو تشييد مدارس ومستشفيات. فبقيت جميع المحميات تعيش الحياة التقليدية نفسها، التي عرفتها قبل مجيء الإستعمار البريطاني إلى عدن. أما مستعمرة عدن فقد أنشأت بريطانيا فيها إدارة حديثة وطرقاً معبدة ومستشفيات ومدارس إبتدائية ومتوسطة، تمد الجهاز الإداري بالكتبة والموظفين، الذين يحتاجهم. وبسبب وجود القاعدة البريطانية في عدن وللدور الذي لعبته المستعمرة في مجال التجارة، حيث أصبحت، بفضل مينائها البحري ووجود إدارة حديثة ومناخ ليبرالي، المركز التجاري الأول في اليمن، بل وفي الجزيرة العربية كلها. وأصبحت معظم واردات المحميات ومملكة الإمام تمر عبرها. كل هذا جعل من عدن مركز استقطاب وتجمع بشري، يأتي إليه الباحثون عن فرص للعمل من شمال اليمن وجنوبه.
وكان الطابع السائد للنشاط الإقتصادي، هو الطابع الخدمي، ومن أبرز مجالاته : خدمات الميناء ( شحن وتفريغ السفن ) ـ وكالات الإستيراد وإعادة التصدير ـ المصارف ـ الفنادق والمطاعم ـ الطيران والمواصلات البرية ـ المقاولات ـ المواصلات السلكية واللاسلكية ـ شركات التأمين. أما النشاط الصناعي فلم يكن له وجود، باستثناء تكرير النفط، المستورد من الخارج، في مصفاة عدن، واستخراج الملح البحري، وبعض المشروبات الغازية.
وعلى هذه القاعدة الإقتصادية أخذت طبقة من العمال والمستخدمين تتكون وتتشكل وتنظم نفسها، شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت ذات وزن مؤثر في الحركة الوطنية، خاصة بعد إنشاء مصفاة عدن، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حيث استوعبت أعداداً كبيرة من العمال، من مختلف مناطق اليمن. وإلى جانب العمال تكونت طبقة من البرجوازية التجارية المحلية، إلى جانب البرجوازية الأجنبية.
وهكذا أصبح المجتمع في مستعمرة عدن ذا تركيب مختلف عن تركيب المجتمع اليمن التقليدي، سواءً في محميات عدن أو في شمال اليمن. فقد ضمت عدن الموظفين الإداريين، بمختلف شرائحهم (كانت الوظائف الكبيرة تمنح للأجانب وحدهم، وخاصة للبريطانيين والهنود )، والتجار الكبار والمتوسطين والصغار والعمال والمستخدمين، إضافة إلى أساتذة المدارس وعدد محدود من الصحفيين والكتاب والمحامين والأطباء ومقاولي البناء والجنود والشرطة. وكان هذا المجتمع الصغير، المتعدد الفئات، يتكون من جنسيات مختلفة ( عرب ـ هنود ـ باكستانيين ـ يهود أجانب ـ إضافة إلى البريطانيين، الذين كانوا يعيشون معزولين عن بقية السكان )، ومن أديان متباينة (الإسلام ـ الهندوسية ـ اليهودية ـ المسيحية ). وقد عمل البريطانيون على تشجيع الهجرة الأجنبية، ليحدثوا تغييراً في التركيبة السكانية، يخدم مصالحهم. حيث أن الأجناس غير العربية كانت تشعر بأن وجودها مرهون بوجود الإستعمار البريطاني. لذلك كانت أكثر ولاءً له، واستأثر أفرادها بالمواقع العليا في الإدارة والأمن والتجارة.
وكان هذا التشجيع والإستئثار من الأسباب الأولى لنمو الحس الوطني وتبلوره، شيئاً فشيئاً، في تنظيمات وطنية، أخذت تتطور حتى أصبحت حركة وطنية ذات تأثير، تجاوز حدود المستعمرة، إلى محمياتها وإلى شمال اليمن.
ولعل أولى التجمعات، ذات الأفق الإجتماعي، هي الجمعية الإسلامية الكبرى، التي تكونت عام 1949م من بعض كبار علماء الدين وبعض المثقفين ثفافة حديثة، من أمثال محمد سالم البيحاني وعلى محمد باحميش وسالم الصافي وعبدالله بن صالح المحضار ومحمد على الجفري، ورأسها محامي باكستاني الأصل، إسمه محمد عبدالله، ووضعت لنفسها أهدافاً، تدور حول الإهتمام بتدريس المواد الدينية واللغة العربية والسعي لجعل اللغة العربية لغة التعامل الرسمي، بدلاً من اللغة الإنجليزية. ومن أهداف الجمعية أيضاً العمل على تحقيق الإخاء، بين المسلمين في العالم الإسلامي، ورفع شأنهم8.
ومع أن الجمعية كانت ضعيفة النشاط وعديمة التأثير، إلا أن مجمل أهدافها يعكس مستوى الوعي السائد ونوع القضايا، التي كانت مطروحة في ساحة جنوب اليمن، وخاصة في مستعمرة عدن. فلم تكن القضايا، التي أصبحت الشغل الشاغل للحركة الوطنية في الجنوب قد تبلورت بعد، كالتحرر من الإستعمار والوحدة اليمنية والعدل الإجتماعي والوحدة العربية… إلخ.
ولم تلبث هذه الجمعية طويلاً، فسرعان ماتفككت وظهرت بعدها الجمعية العدنية، وذلك في عام 1950م التي كان طابعها السياسي أكثر بروزاً، فرفعت شعار ( عدن للعدنيين )، وقصدت بذلك تحقيق الحكم الذاتي لمستعمرة عدن وربطها بالكومنولث البريطاني9.
وقد تكونت الجمعية العدنية من أبناء الأسر الأرستقراطية العدنية، بمن فيهم أولئك الذين ينحدرون من أصول هندية وباكستانية، من كبار الموظفين الإداريين وكبار التجار. وكانت أبرز مطالبها : إحتكار الوظائف والأعمال للعدنيين، وفقاً لتعريف ضيق وضعته ل ( العدنيين )، مستبعدة منه أبناء محميات عدن وأبناء شمال اليمن10.
وفي عام 1954م حل ( حزب المؤتمر الشعبي ) محل الجمعية العدنية، ولكنه ظل محافظاً على الخط السياسي للجمعية نفسه. ولأن هذه الجمعية _ ثم الحزب ـ قد حصرت نفسها ضمن مساحة جغرافية ضيقة، وفي إطار جماعة بشرية محدودة، ورفعت أهدافاً شديدة الخصوصية، فقد ظلت دون مستوى الأفق الوطني العام، محصورة غير مؤثرة. وسرعان ماافسحت المجال لتنظيم، بدا في صياغته لأهدافه أوسع أفقاً وطموحاً، وهو الحزب الوطني الإتحادي، الذي انبثق عن حزب المؤتمر الشعبي، عندما إنشطر حزب المؤتمر، في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي، إلى حزبين : الحزب الدستوري، الذي مثل إمتداداً للجمعية العدنية، والحزب الوطني الإتحادي، الذي وضع لنفسه برنامجاً منسجماً مع السياسة البريطانية الجديدة، التي أخذت تخطط لإنشاء كيان سياسي في جنوب اليمن، يتجاوز حدود مستعمرة عدن، ليضم جميع محمياتها ويصبح في المستقبل دولة مرتبطة ببريطانيا، تحت إسم ( إتحاد الجنوب العربي ).
وهكذا وضع الحزب الوطني ضمن أهدافه تحقيق إتحاد سياسي، يضم عدن ومحمياتها، على أن تحتفظ عدن في داخله بوضع متميز، بحكم مستواها المتطور11. وكان على رأس هذا الحزب
حسين علي بيومي وعبد الرحمن جرجرة، اللذان توليا فيما بعد مناصب وزارية في حكومة ( إتحاد الجنوب العربي )12.
ومع أن الحزب الوطني الإتحادي قد وضع لنفسه أهدافاً تشمل الجنوب اليمني كله، إلا أن تركيبته لم تختلف عن تركيبة الجمعية العدنية. فقد ضم إفراداً ينتمون
إلى بعض الأسر الأرستقراطية العدنية، وأكد على تميز عدن، وظل مرتبطاً بالخط السياسي البريطاني. ولهذا لم يستطع أن يوجد له إمتدادات خارج حدود مستعمرة عدن.
وكان لابد من نشوء إطار سياسي يستوعب هموم وطموحات أبناء المحميات ويستجيب لتطور التفكير السياسي، الذي أصبح يمثله شباب من مناطق المحميات المختلفة، حصلوا على قدر من التعليم خارج اليمن وداخله، وعلى رأسهم أشخاص ينتمون إلى الأسر السلاطينية والأسر الغنية في مناطق الريف. وقد كان هذا الإطار هو ( رابطة أبناء الجنوب العربي )، التي أسست عام 1951م، بأفق سياسي أوسع وبموقف، من الوجود الإستعماري في الجنوب، أكثر تحديداً، عما كان عليه أفق وموقف الجمعية العدنية وتفرعاتها اللاحقة.
لقد جاءت الرابطة لتمثل مصالح أغنياء الريف والأسر المشيخية والسلاطينية، ولتعبر عن رد فعلهم تجاه استمرار الأرستقراطية العدنية والبيوتات التجارية الأجنبية في التمتع بالإمتيازات وبالمصالح الإقتصادية، وكذا رد فعلهم تجاه السياسة البريطانية الخاصة بالمحميات، وهي سياسة إتسمت بإهمال مناطق المحميات، رغم إمساك الموظفين البريطانيين بالقرار الإداري والسياسي في السلطنات والمشيخات المختلفة، بموجب معاهدات الحماية ثم معاهدات التشاور13، التي منحت بريطانيا فيها لنفسها حق تعيين موظفين بريطانيين، يعملون مستشارين لحكام المحميات. فأصبح هؤلاء يمسكون بأيديهم زمام الأمور السياسية والمالية والإدارية. وقد عكست أهداف الرابطة وبنيتها رد الفعل هذا .
لقد أُسست رابطة أبناء الجنوب لتضم شخصيات من مختلف مناطق المحميات ومن مستعمرة عدن أيضاً14. ولبعض الوقت كانت الرابطة هي الوعاء الحزبي، الذي ضم جميع الوطنيين، بمختلف مشاربهم الفكرية، إما كأعضاء أو كمتعاطفين. فقد إلتقوا جميعهم حول أهداف مشتركة، أهمها وحدة ( الجنوب العربي ) واستقلاله. وإن كان كثيرون منهم قد انشقوا عن الرابطة، فيمابعد، بسبب موقفها من فكرة وحدة الأرض اليمنية، وأسسوا أحزاباً أو إنضموا إلى أحزاب، ذات أفق سياسي أوسع، وذلك تحت تأثير المناخ السياسي الجديد، الذي أسهمت في إيجاده ثورة يوليو المصرية، وكذا تعاظم الوعي بقضية الوحدة اليمنية والإيمان بأن الجنوب جزء لايتجزأ من اليمن، إضافة إلى تصاعد دور الحركة العمالية الفتية، التي كان معظم قيادييها وأعضائها من شمال اليمن. وكانت قضية الوحدة اليمنية قضية مركزية، في وعيهم السياسي وفي أهدافهم المعلنة وممارساتهم العملية.
لقد مثلت الرابطة نقلة نوعية في العمل السياسي، من الأفق المحصور في مستعمرة عدن، الذي كانت تمثله الجمعية العدنية، إلى أفق أوسع، ضم مستعمرة عدن ومحمياتها. ولذلك إستقطبت إلى صفوفها وطنيين، من ذوي الأفق القومي والديني والماركسي، جنباً إلى جنب مع بعض ممثلي الأسر السلاطينية والعائلات الغنية، المنتمية إلى مناطق المحميات، وسعت إلى تحقيق إستقلال عدن وإقامة دولة، تضم عدن ومحمياتها، كما رفعت شعارات قومية ونادت بتحقيق الوحدة العربية، ولكنها وقفت من فكرة الوحدة اليمنية موقفاً سلبياً، وسعت إلى تكريس مبدأ إنفصال شمال اليمن عن جنوبه، وعارضت حق أبناء شمال اليمن، المقيمين في عدن، حقهم في الترشيح والإنتخاب للمجلس التشريعي، الأمر الذي أدى إلى إنشقاق جماعات من أعضائها، أسسوا أحزاباً أو إنضموا إلى أحزاب قائمة. وكان من أبرز شخصياتها : رئيسها محمد على الجفري، وأمينها العام شيخان الحبشي. ومن أعضائها عبدالله باذيب، الذي إنسحب منها وأسس أول تنظيم ماركسي في اليمن ( الإتحاد الشعبي الديمقراطي )، وقحطان الشعبي، الذي أصبح أحد قياديي فرع حركة القوميين العرب في اليمن وأول رئيس لجمهورية جنوب اليمن بعد الإستقلال.
ولقد كان السبب المباشر في إنسحاب هؤلاء، وغيرهم من الوطنيين من حزب الرابطة، هو موقفها من إنتخابات المجلس التشريعي في عدن. فقد حرمت السلطات البريطانية أبناء شمال اليمن، القاطنين في عدن، من حقهم في المشاركة في تلك الإنتخابات15، مما دفع الحركة الوطنية، المتمثلة بالنقابات العمالية الناشئة والجمعيات والنوادي الرياضية، إضافة إلى الإتحاد اليمني في عدن، الممثل للحركة الوطنية في الشمال، دفعها إلى مقاطعة الإنتخابات والتحرك لإفشالها. ولكن الرابطة وقفت إلى جانب الإنتخابات، مقرة بذلك موقف السلطات البريطانية من أبناء الشمال. وقد كان رد فعل أعضاء الرابطة الوحدويون أن أعلنوا إنسحابهم منها ووقوفهم ضد الإجراء البريطاني وتحالفهم مع الأطراف الوطنية الأخرى، لإنجاح مقاطعة الإنتخابات.
ومن هذا التجمع المقاطع للإنتخابات التشريعية تشكلت الجبهة الوطنية المتحدة، التي كان على رأسها محمد عبده نعمان وعبدالله الأصنج وعبدالله باذيب ومحمد سعيد مسواط وعبده خليل سليمان ومحمد سالم علي وعلي حسين القاضي، وغيرهم من الوطنيين، ذوي الإتجاهات الوحدوية. وقد استمرت الجبهة نشطة في أوساط العمال والطلاب وصغار الموظفين، حتى نهاية خمسينات القرن الماضي. وكانت منطلقاتها متأثرة، إلى حد كبير، بالفكر القومي، وخاصة فكر البعث العربي الإشتراكي وبالتجربة الناصرية في مصر. فأكدت في أهدافها على الوحدة العربية والوقوف في وجه الإستعمار والرأسمالية والسعي لتوحيد اليمن، تحت نظام جمهوري ديمقراطي مستقل، كما أكدت على مبدأ الحياد الإيجابي، في العلاقات الخارجية. وقد أثمر نشاطها في صفوف الحركة العمالية إنشاء المؤتمر العمالي، عام 1956م، الذي ذابت فيه فيمابعد16، وحل محلها في قيادة الحركة الوطنية في الجنوب، حتى قيام ثورة أكتوبر المسلحة، عام 1963م.
ولقد بدأ ظهور النقابات العمالية في مستعمرة عدن عام 1952م، ولعبت الجبهة الوطنية المتحدة دوراً نشطاً في توحيدها، تحت إسم ( المؤتمر العمالي ) عام 1956م. وسرعان ماأصبح المؤتمر العمالي، رغم صفته المطلبية، الممثل الأول للحركة الوطنية اليمنية، حتى ليذهب البعض، عن حق، إلى القول بأن المؤتمر ” كان بمثابة الحاضن للحركة الوطنية اليمنية، في عدن، والتي ساعدت على ظهور الأحزاب القومية والوطنية الجديدة، التي ساهمت في عملية التحرير ولها تأثيرها المباشر على ثورة 26 سبتمبر / 14 أكتوبر “17. فمنذ تأسيسه، وحتى قيام الثورة المسلحة، إضطلع المؤتمر العمالي بقيادة العمل الوطني، وكان له دور مؤثر في الحركة العمالية العربية والعالمية. كما كان يعتبر طوال وجوده من أهم وأقوى التنظيمات العمالية في الوطن العربي. وكانت أبرز قياداته قادمة من شمال اليمن وتنتمي إلى التيار القومي، وقد عبرت عن توجهها السياسي بإصدار صحيفة البعث وتصدير منشوراتها بالشعارات القومية المعروفة ( وحدة ـ حرية ـ إشتراكية )، ومن أبرز قياداته المؤسسة : محمد عبده نعمان وزين صادق الأهدل وعبدالله الأصنج ومحمد سعيد مسواط وعبده خليل سليمان ومحمد سالم علي والشهيد علي حسين القاضي وعبد الله علي عبده وعلي عبد الرحمن الأسودي وأحمد حيدر والشهيد عبدالله عبد المجيد السلفي وصالح محسن وغيرهم18. وممن كان لهم دور نشط في المؤتمر، ثم تولى بعد ثورة سبتمبر، مواقع رسمية في الشمال : محمد أحمد نعمان ومحسن العيني وآخرون. أما قاعدة المؤتمر العمالية، فقد كانت تتمثل، بصورة رئيسية، بعمال مصفاة البترول، التي بدأ تشغيلها عام 1955م، أي قبل تأسيس المؤتمر بعام واحد تقريباً، وكذا بعمال ميناء عدن، إضافة إلى عمال الفنادق والمطاعم وعمال وموظفي الطيران. ومعظم هؤلاء أيضاً كانوا من شمال اليمن. مما جسد وحدة اليمن تجسيداً عملياً، في إطار تنظيمي واحد وفي نضال يومي مشترك.
وقد برز الدور القيادي المؤثر للمؤتمر العمالي في مناسبات وطنية وقومية عديدة : فقد قاد الحركة الوطنية في وجه المخططات الإستعمارية، الهادفة إلى مضاعفة أعداد المهاجرين الأجانب إلى عدن، من أجل إحداث تغيير في التركيبة السكانية وتغليب العنصر الأجنبي، المضمون الولاء، على العنصر اليمني، وناضل ضد القوانين الإستعمارية، المتضمنة منع الإضرابات العمالية واستبدالها بمبدأ التحكيم، بين العمال وأرباب العمل، وقاد إنتفاضة ضد الإنتخابات التشريعية عام 1959م، عندما أصرت الإدارة الإستعمارية على إستبعاد أبناء الشمال منها، وناضل ضد نظام الإمامة في الشمال، بدعم الحركة الوطنية في الشمال والدعوة، في صحفه ومنشوراته، إلى إزالة ذلك النظام، وخلق موقفاً شعبياً معارضاً لمشروع إتحاد الجنوب العربي، الذي سعى الإستعمار البريطاني إلى تحقيقه، ووقف وقفة مشهودة ضد العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956م، وامتنع عمال الميناء، وفقاً لتوجيهاته، عن تفريغ حمولة البواخر التابعة للدول المعتدية، وعمل على تعميق الوعي، في أوساط الشعب، بالأخطار التي يمثلها الإستعمار والصهيونية، ودعم لجنة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، التي كان على رأسها أحد نشطاء الحركة العمالية، وهو الشهيد عبدالله عبد المجيد السلفي، وأسهم المؤتمر في مجال التعليم، فسعى إلى توفير المنح الدراسية، إلى بعض البلدان العربية، كمصر وسوريا والعراق، وعن طريقه تمكنت أعداد كبيرة من الطلاب اليمنيين، من شمال اليمن ومن جنوبه، من مواصلة دراساتها الثانوية والجامعية، مما كان له أكبر الأثر في توفير القيادات اليمنية المؤهلة، التي تبوأت فيما بعد مناصب رفيعة في الشمال والجنوب. وقد وجدت التنظيمات الحزبية الجديدة ( البعث ـ حركة القوميين العرب ـ إتحاد الشعب ) في المؤتمر العمالي واجهة، تمارس نشاطاتها من خلاله.
وهكذا أصبح المؤتمر العمالي، بتأثير القوى السياسية النشطة داخله، ومن خلال نشاطاته المعادية للإستعمار ومواقفه المتضامنه مع حركة التحرر العربية ومع القضية الفلسطينية، كما لو أنه تنظيم سياسي، لاكيان نقابي مطلبي، مما أعطى ذريعة للإدارة الإستعمارية لمضايقته وملاحقة قيادييه ونفي بعضهم إلى شمال أو إلى خارج اليمن. وهنا تولدت فكرة إنشاء حزب سياسي، يكون بمثابة واجهة سياسية للمؤتمر، تتصدى لمهام النضال السياسي. وفي عام 1962م تحولت الفكرة إلى واقع، وتم الإعلان عن تأسيس ( حزب الشعب الإشتراكي ) ليضطلع، وفقاً لما أوردته وثائقه، بالمهام التالية19 :
1. إفشال محاولات السلطات البريطانية إيقاف نشاط المؤتمر العمالي، بحجة ممارسته النشاط السياسي.
2. مواجهة التطورات السياسية، التي لايستطيع المؤتمر مواجهتها، بسبب صفته النقابية.
3. جمع العمال في تنظيم سياسي يمثلهم سياسياً، في الوقت الذي يواصل المؤتمر العمالي تمثيلهم نقابياً.
وقد وضع حزب الشعب الإشتراكي لنفسه أهدافاً ورفع شعارات مماثلة لأهداف وشعارات الأحزاب القومية ( البعث ـ حركة القوميين العرب ـ الحركة الناصرية ). ولم يمارس الحزب نشاطه طويلاً، فسرعان ماضعف دوره، بعد إنفجار ثورة أكتوبر المسلحة، عام 1963م، التي عارضها في بادئ الأمر، مفضلاً الإستمرار في استخدام الوسائل السلمية، ثم إلتحق بالعمل المسلح، في إطار منظمة التحرير، وذاب فيها.
وإلى جانب هذه التنظيمات، بل وفي داخلها أيضاً، كانت توجد تنظيمات حزبية، هي إمتداد للأحزاب القومية والأممية، وهي : حزب البعث العربي الإشتراكي وحركة القوميين العرب والإتحاد الشعبي الديمقراطي. وقد أنشئت في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي، ولعبت دوراً مؤثراً في العمل الوطني، وخاصة من خلال المؤتمر العمالي.
علاقة الحركة الوطنية في شمال اليمن بالحركة الوطنية في جنوبه :
لقد أثَّر، كما رأينا، تباين الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية، في كل من شمال اليمن وجنوبه، على بنية وفكر وعمل الحركة الوطنية في كل منهما. فقد عرف الجنوب التعدد الحزبي والتنظيم النقابي واستطاعت التنظيمات السياسية والعمالية فيه التعبير علناً عن آرائها ومواقفها، في ظل إدارة إستعمارية، ذات نهج ليبرالي متحرر، مقارنة بنهج الإمام الإستبدادي، وعلى قاعدة إقتصادية حديثة إلى حد ما، سمحت بنشوء فئات إجتماعية أكثر وعياً وتحرراً ( موظفون وتجار وعمال وصحفيون وطلاب ومدرسون ومحامون… إلخ )، في حين وجدت الحركة الوطنية نفسها في الشمال تتحرك تحت ظروف قاسية. فالنظام السياسي نظام فردي إستبدادي جاهل، حرّم على المواطن أن يشتغل بالسياسة أو حتى أن يفكر تفكيراُ مغايراً للتفكير الرسمي، لايطيق المعارضة ويبطش بمعارضيه، دون كابح أو رادع من نظم أوقوانين. والوضع الإقتصادي وضع متخلف، لايُمكّن من نشوء فئات إجتماعية حديثة، ذات وزن مؤثر، كالبرجوازية أو العمال، تستطيع أن تضطلع بدور معارض من داخل الشمال نفسه، يفضي إلى إحداث تغيير في النظام السياسي وفي البنى الأقتصادية والإجتماعية.
ونتيجة لسياسة الإضطهاد والبطش، التي إنتهجها النظام الإمامي، تجاه معارضيه، وعدم وجود قاعدة شعبية عريضة مساندة، يستطيع المعارضون الإعتماد عليها والإحتماء بها، لم يجد الكثيرون منهم مناصاً من الفرار إلى مستعمرة عدن، يلوذون بها من جور الإمام وقهره ويتنفسون فيها نسيم الحرية المحدودة، التي أتاحها الإستعمار البريطاني هناك. وفي مستعمرة عدن إلتقى أحرار الشمال برجال الحركة الوطنية في الجنوب، فامتزجت الحركتان، وإذا بهما، من الناحية العملية تغدوان حركة واحدة، ذات مهمتين رئيسيتين، مهمة تخليص الشمال من النظام الإمامي وإخراجه من سجن تخلفه، ليلج حياة العصر الحديث، بعد طول إحتباس في كهف الإمامة، ومهمة تحرير الجنوب من الإستعمار البريطاني. مهمتان تتجهان منذ البداية نحو هدف واحد، وهو إعادة توحيد الوطن اليمني، تحت نظام حكم ديمقراطي مستقل.
وقد بلغ إندماج وامتزاج الحركتين درجة إنعدمت عندها الحدود بين نشاطاتهما اليومية. فقد إستوعبت الحركة الوطنية الشمالية، الممثلة في عدن بحزب الأحرار ثم بالجمعية اليمنية الكبرى ثم بالإتحاد اليمني، إستوعبت بين صفوفها الكثيرين من رجال الحركة الوطنية في الجنوب، كما إنخرط رجال الحركة الوطنية الشمالية في خضم الحياة السياسية في الجنوب، من خلال الأحزاب الحديثة ( البعث، حركة القوميين العرب، إتحاد الشعب ) ومن خلال الجبهة الوطنية المتحدة، ثم المؤتمر العمالي.
وعندما إنفجرت ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء، غادر آلاف العمال والتجار والموظفون والفلاحون، مستعمرة عدن ومناطق المحميات، غادروها على عجل، لايلوون على شيء، باتجاه صنعاء، ليقذفوا بأنفسهم في أتون المعارك الدائرة، دفاعاً عن النظام الجمهوري الوليد. ولم يطل الأمر كثيراً، حتى أدركت ثورة سبتمبر أن الوجود الإستعماري في جنوب الوطن والوجود الإمامي في شماله كانا وجودين متلازمين، وأن بقاء أحدهما كان دائماً يشكل ضماناً لبقاء الآخر وأن إنتصار النظام الجمهوري في الشمال، أصبح مرهوناً بزوال الوجود الإستعمار في الجنوب. ولهذا جهزت ثورة سبتمبر ودربت ومولت وخططت لتفجير ثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب، بعد عام واحد تقريباً من قيام الثورة في الشمال.
ومثلما ساهمت الحركة الوطنية، بتنظيماتها المختلفة، في الشمال والجنوب، في التهيئة لثورة سبتمبر، سارعت فصائلها إلى الإنخراط في صفوف ثورة أكتوبر، بقيادة ( الجبهة القومية ). وقد إمتنعت رابطة أبناء الجنوب عن الإلتحاق بالثورة، كما تردد حزب الشعب أيضاً، ولكنه لم يلبث أن أنشأ ( منظمة تحرير الجنوب اليمني المحتل ) وخاض الكفاح المسلح في إطارها. وبتوجيه من الأجهزة المصرية الفاعلة في شمال اليمن إندمجت الجبهة القومية بمنظمة التحرير، تحت إسم ( جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل ) عام 1966م. ولكن ذلك الدمج لم يستمر، إذ أنه لم يوافق عليه سوى ثلاثة من قياديي الجبهة القومية، في حين عارضته جميع القيادات، بما فيها القيادات العسكرية. ولهذا سرعان ما واصلت الجبهة القومية نشاطها العسكري والسياسي، مستقلة عن جبهة التحرير. وقد أدى وجود جبهتين وطنيتين متنافستين20، تخوضان الكفاح المسلح، إلى صدامات عسكرية مؤسفة بينهما، تصاعدت حدتها باقتراب موعد إنسحاب البريطانيين من عدن. وكان آخر الصدامات وأكثرها عنفاً، تلك الصدامات، التي روّعت أحياء المنصورة والشيخ عثمان ودارسعد، في شهر نوفمبر عام 1967م، وهو الشهر الذي شهد آخر يوم فيه إنسحاب آخر الجنود البريطانيين من مستعمرة عدن وتسليم المستعمرة ومحمياتها للجبهة القومية. ففي ذلك الشهر، وأثناء إشتداد المعارك بين فدايي الجبهتين، أعلنت قيادة جيش إتحاد الجنوب العربي إنضمام الجيش الإتحادي إلى الجبهة القومية في صراعها مع جبهة التحرير، واعتبارها الممثل الوحيد لشعب الجنوب. وقد مثل ذلك الإعلان لحظة البدء في الحسم العسكري بتسخير وحدات الجيش الإتحادي للقتال إلى جانب فدائيي الجبهة القومية ، وصولاً إلى إنهاء وجود جبهة التحرير، سواءً وجودها العسكري أو وجودها السياسي. كما عبر ذلك الإعلان عن الموقف البريطاني، الذي لم تتضح تفاصيله إلا في وقت لاحق. فقد أجرت بريطانيا مفاوضات سرية مع قيادة الجبهة القومية وأبرمت معها إتفاقية غير متكافئة، سلمت بموجبها جنوب اليمن للجبهة.
وضمن هذه الإجواء أُعلن إستقلال جنوب اليمن في الثلاثين من شهر نوفمبر عام 1967م. لتبدأ بذلك صفحة جديدة من صفحات تاريخ اليمن المعاصر، لاتدخل تفاصيلها ضمن إطار هذه الندوة.
وبتخلص شمال اليمن من النظام الإمامي وتخلص جنوبه من الإستعمار البريطاني، إقترب الشطران، أوكادا من تحقيق الهدف الأكبر، وهو إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني. ولكن تعقيدات الأوضاع السياسية في الشطرين وقواعد اللعبة السياسية الدولية، فرضت على الشعب اليمني أن ينتظر أكثر من عقدين من الزمن، بعد تحرير الجنوب، حتى يحقق حلمه ويوحد وطنه. وبقيام الوحدة المباركة، عام 1990م، إلتحمت ثورتا سبتمبر وأكتوبر من جديد، ليكتمل بذلك البعد التاريخي للثورتين، ولتتأكد حقيقة أن الثورتين في جوهرهما ثورة واحدة، تجلت في مظهرين، لتصنعا معاً، عبر رحلة طويلة ومعقدة، اليمن الواحد، فيتحقق بذلك مغزاهما التاريخي وهدفهما الواحد، المضمر منذ لحظة قيامهما.
خاتمة :
وأخيراً لابد من الإعتراف بأن الثورة، أية ثورة، إنما تكتسب شرعيتها من أهدافها العامة المعلنة وبرنامجها التفصيلي، الذي تسعى إلى تحقيقه، وتضعه منذ لحظة إنطلاقها موضع التنفيذ. فإذا اكتفت الثورة بمجرد إعلان أهداف عظيمة، تعبر عن طموحات الشعب وأحلامه وتمثل حلولاً مرتجاة لمشاكله، ثم اخفقت في تحقيق تلك الأهداف أونهجت نهج النظام السياسي، الذي ثارت عليه، وفشلت في ممارساتها العملية عن تمييز نفسها عنه، تمييزاً واضحاً، فقدت شرعيتها، ولم يبق منها سوى حزمة من الشعارات المرفوعة، التي يُحتفى بها في المناسبات الرسمية، والتي تخفي وراءها كماً هائلاً من المعاناة، المصاحبة عادة للثورات. بمعنى آخر، إذا لم تفلح الثورة في إنجاز مايبرر قيامها، فإنها تصبح في حكم التاريخ، مجرد فعل تدميري، يتسم بالعبثية ولا يؤدي إلا إلى ضياع الفرص التاريخية وتبديد الوقت وهدر الإمكانيات والطاقات، وإقتطاع عقود من الزمن، يقاد خلالها الشعب في حركة دائرية، لايفيق منها إلا عندما يكتشف أنه قد عاد إلى نقطة البداية، ولكنها عودة مثقلة بكل أحاسيس الإحباط واليأس وخيبة الأمل. فالثورة، في حالة إخفاقها، تكون قد حملت الشعب على أجنحة الوهم، ثم حطت به، بعد تحليق طويل، عند نقطة الإنطلاق، ولكن بحالة معنوية أسوأ مما كان عليه لحظة الإنطلاق. ويمكننا القول إن الثورة اليمنية، في شمال الوطن وجنوبه، قد حققت بعض أهدافها، وعلى رأسها إعادة توحيد الوطن، وأخفقت في تحقيق البعض الآخر، بل شهدت مسيرتها، بين الحين والآخر، تراجعاً بعد تطور ونكوصاً بعد تقدم. وما يمكن أن يقال عن الثورة اليمنية، يمكن أن يقال أكثر منه عن الثورات العربية المعاصرة كلها. فهل حان الوقت إذاً، على ضوء هذه الرؤية أن نبدأ في ممارسة موقف نقدي، من الثورات العربية، ومن بينها ثورتنا اليمنية ؟، فقد عشنا أحداث هذه الثورات وهللنا لانتصاراتها وتجرعنا إخفاقاتها، على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، وعلى امتداد الوطن العربي الكبير، موقف نقدي، نمارسه بصفتنا أبناءها، إلتزامنا بأهدافها المعلنة ودفعنا ضريبة الإنتماء إليها وعشنا منعطفاتها الحرجة بكل مشاعرنا، بأحلامنا وإحباطاتنا، بحماسنا وبترددنا، باندفاعنا وبتراجعنا ، فهل من حقنا ذلك ؟ بل هل من واجبنا أن نمارس النقد، لنتبين مواقع الخطأ والصواب ومكامن الضعف والقوة، فنهتدي إلى السبيل الصحيح ونحصن الثورات القادمة، وهي آتية دون ريب، من مثالب الثورات السابقة ونجنبها الوقوع في أخطاء مماثلة، فنوفر لأجيالنا القادمة رؤية أوضح وفرصاً أفضل، للمضي نحو الأمام، بدلاً من المراوحة في المكان أو النكوص إلى الوراء ؟ تساؤل لاينتظر الإجابة، بل يُطرح لتحفيز الذهن وتوجيه النظر، نحو البحث عن فرص التصحيح في الحاضر وعن الخيارات الممكنة في المستقبل.
صنعاء 23نوفمبر 2008م
* من أوراق ندوة (الثورة اليمنية “سبتمبر – اكتوبر” ) والتي أقامها مركز الدراسات والبحوث بمناسبة العيد الذهبي للثورة اليمنية..
الهوامش:
1 – الجناحي ، الحركة الوطنية ، ص 112 – 113.
2 – أنظر ، سلطان ، عبد الرحمن ، الثورة اليمنية ، ص 24 وما بعدها.
3 – قارن ، على ، صادق عبده ، الحركات الإجتماعية والسياسية ، ص 135 ومابعدها
4 – إنظر ، غالب ، محمد أنعم ، اليمن ، ص 68 ومابعدها.
5 – الجناحي ، الحركة الوطنية ، 137 ومابعدها.
6 – أنظر ، ثورة 26 سبتمبر ، الكتاب الثاني ، ص 388.
7 – أنظر الحبشي ، محمد عمر ، اليمن الجنوبي ، ص 15 ومابعدها.
8 – ناؤومكين ، الجبهة القومية ، ص 38 ـ 39.
9 – قارن ، الصياد ، السلطة والمعارضة ، ص 218 ـ 220.
10 – المصري ، النجم الأحمر ، ص 77 ـ 78.
11 – ناؤومكين ، الجبهة القومية ، ص 39 وما بعدها.
12 – المصري ، النجم الأحمر ، ص 79 ـ 80.
13 – أنظر ، الحبشي ، اليمن الجنوبي ، ص 36 ومابعدها.
14 – المصري ، النجم الأحمر ، ص 80 ومابعدها.
15 – أنظر ، الحبشي ، محمد عمر ، اليمن الجنوبي ، ص 30 ومابعدها.
16 – الصياد ، السلطة والمعارضة ، ص 222 ـ 223.
17 – الموسوعة اليمنية ، مج3 ، ص 2160.
18 – المصدر نفسه ، ص 2159.
19 – الموسوعة اليمنية ، مج 3 ، ص 1715 – 1716.
20 – كان هناك تنظيمات مسلحة أصغر حجماً من الجبهتين المذكورتين ، خاضت الكفاح المسلح ، إما مستقلة عنهما ، كطلائع حرب التحرير الشعبية ، التابعة لحزب البعث العربي الإشتراكي في الجنوب ، أو بالتنسيق مع إحداهما ، كالتنظيم الذي كان يقوده حسين عبده عبدالله. أما التنظيم الشعبي ، الذي كان تنظيماً عسكرياُ بالدرجة الأولى ، والذي كان يفوق في القدرة العسكرية جبهة التحرير ، فقد أعتبر ، رغم إستقلاله التنظيمي عن جبهة التحرير ، ورغم أنه كان قد أُعد ميدانياً ليحل محلها ، أُعتبر من الناحية السياسية تابعاً لها وخاض الصراع المسلح إلى جانبها ضد الجبهة القومية ، بل كان هو القوة العسكرية الرئيسية في مواجهة الجبهة القومية وحل به بعد الإستقلال ماحل بجبهة التحرير.
المصادر :
1. الأشول، ناجي علي : الجيش والحركة الوطنية في اليمن 1919 – 1969م، صنعاء، 1986م.
2. الثور، عبدالله بن أحمد: ثورة اليمن، دار الهنا للطباعة، القاهرة، 1986م.
3. الجناحي، سعيد أحمد : الحركة الوطنية اليمنية، من الثورة إلى الوحدة، مركز الأمل للدراسات والنشر، صنعاء، 1992م.
4. جولوبوفسكايا، إيلينا : ثورة 26 سبتمبر في اليمن، ترجمة قايد محمد طربوش، دار إبن خلدون، بيروت، 1982م.
5. الحبشي، محمد عمر : اليمن الجنوبي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ترجمة الياس فرح، دار الطليعة، بيروت، 1967م.
6. الحداد، محمد يحي : تاريخ اليمن السياسي، ط3، دار الهنا للطباعة، القاهرة، 1976م.
7. حراز، السيد رجب : الدولة العثمانية وشبه جزيرة العرب، 1840 – 1909م، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1970م.
8. سالم، سيد مصطفى : تكوين اليمن الحديث، اليمن والإمام يحي ( 1909 – 1948م ) ،القاهرة، 1971م. ـ مجلة الحكمة وحركة الإصلاح في اليمن، مكان الطبع ( ؟ )، 1976م.
9. سلطان، عبد الرحمن : الثورة اليمنية وقضايا المستقبل، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1979م
10. الشماحي، عبدالله : اليمن الإنسان والحضارة، مكان وتاريخ الطبع ( ؟ ).
11. الشهاري، محمد علي : اليمن، الثورة في الجنوب والإنتكاسة في الشمال، بيروت، 1972م.
12. الصايدي، أحمد قايد : حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحي بن محمد حميد الدين، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت، 1983م.
13. صحيفة صوت اليمن : العدد الأول، عدن، 1946م.
14. الصياد، أحمد صالح : السلطة والمعارضة في اليمن المعاصر، دار الصداقة، بيروت، 1992م.
15. على، صادق عبده : الحركات الإجتماعية والسياسية في اليمن ( 1918 – 1967م 9، إصدار قضايا العصر، دار الهمداني، عدن، 1988م.
16. عمر، سلطان أحمد : نظرة في تطور المجتمع اليمني، دار الطليعة، بيروت، 1970م. غالب، محمد أنعم : اليمن، دار الكاتب العربي، بيروت، 1966م.
17. فخري، أحمد : اليمن ماضيها وحاضرها، القاهرة، 1957م
18. ماكرو، إريك : اليمن والغرب، تعريب حسين العمري، مكان الطبع ( ؟ )، 1978م.
19. مركز الدراسات والبحوث اليمني : ـ دراسات وشهادات للتاريخ، الكتاب الأول، صنعاء، 1982م.
ـ دراسات وشهادات للتاريخ، الكتاب الثاني، صنعاء، 1987م.
20. المصري، أحمد عطية : النجم الأحمر فوق اليمن، ط3، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1988م.
21. المقالح، عبد العزيز : من الأنين إلى الثورة، دار العودة، بيروت، 1988م.
22. الموسوعة اليمنية : ط2، مؤسسة العفيف الثقافية، بيروت – صنعاء، 2003م.
23. ناؤومكين، فيتالى : الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمن الجنوبية، ترجمة سليم توما، دار التقدم، موسكو، 1984م.
24. نعمان، أحمد محمد : كي نفهم قضية اليمن، مكان الطبع ( ؟ )، 1957م.
25. نعمان، محمد أحمد : لكي نفهم القضية، عدن، تاريخ الطبع ( ؟ ).
26. Gehrke , Ulrich : Die Aden – Grenze in der – Suedarabienfrage ( 1900 -1960 ) , Opladen , 1967.
27. Rihani , Amim : Arab Peak and desert, London , 1960.
28. Sanger , Richard H. : The Arabian Penisula , Ithace N.Y. , 1967.
29. Wenner , Manfred W. : Modern Yemen ,1919 -1966 ,New Yerk , 1967.
2 أنظر ، سلطان ، عبد الرحمن ، الثورة اليمنية ، ص 24 وما بعدها.
3 قارن ، على ، صادق عبده ، الحركات الإجتماعية والسياسية ، ص 135 ومابعدها.
4 إنظر ، غالب ، محمد أنعم ، اليمن ، ص 68 ومابعدها.
5 الجناحي ، الحركة الوطنية ، 137 ومابعدها.
6 أنظر ، ثورة 26 سبتمبر ، الكتاب الثاني ، ص 388.
7 أنظر الحبشي ، محمد عمر ، اليمن الجنوبي ، ص 15 ومابعدها.
8 ناؤومكين ، الجبهة القومية ، ص 38 ـ 39.
9 قارن ، الصياد ، السلطة والمعارضة ، ص 218 ـ 220.
10 المصري ، النجم الأحمر ، ص 77 ـ 78.
11 ناؤومكين ، الجبهة القومية ، ص 39 وما بعدها.
12 المصري ، النجم الأحمر ، ص 79 ـ 80.
13 أنظر ، الحبشي ، اليمن الجنوبي ، ص 36 ومابعدها.
14 المصري ، النجم الأحمر ، ص 80 ومابعدها.
15 أنظر ، الحبشي ، محمد عمر ، اليمن الجنوبي ، ص 30 ومابعدها.
16 الصياد ، السلطة والمعارضة ، ص 222 ـ 223.
17 الموسوعة اليمنية ، مج3 ، ص 2160.
18 المصدر نفسه ، ص 2159.
19 الموسوعة اليمنية ، مج 3 ، ص 1715 – 1716.
20 كان هناك تنظيمات مسلحة أصغر حجماً من الجبهتين المذكورتين ، خاضت الكفاح المسلح ، إما مستقلة عنهما ، كطلائع حرب التحرير الشعبية ، التابعة لحزب البعث العربي الإشتراكي في الجنوب ، أو بالتنسيق مع إحداهما ، كالتنظيم الذي كان يقوده حسين عبده عبدالله. أما التنظيم الشعبي ، الذي كان تنظيماً عسكرياُ بالدرجة الأولى ، والذي كان يفوق في القدرة العسكرية جبهة التحرير ، فقد أعتبر ، رغم إستقلاله التنظيمي عن جبهة التحرير ، ورغم أنه كان قد أُعد ميدانياً ليحل محلها ، أُعتبر من الناحية السياسية تابعاً لها وخاض الصراع المسلح إلى جانبها ضد الجبهة القومية ، بل كان هو القوة العسكرية الرئيسية في مواجهة الجبهة القومية وحل به بعد الإستقلال ماحل بجبهة التحرير.