من نوادر البردوني مع الشعراء (2)
عباس الديلمي
كان الأستاذ المرحوم عبدالله البردوني يحرص على طباعة كتبه في دمشق أو بيروت كما يحرص على بيعها بأزهد الأثمان حتى تصل إلى كل من يرغب في اقتنائها، لم يكن هدفه جني المال من وراء كتبه “شعراً ونثراً” ولهذا تراكمت ديونه لمطبعة لبنانية إلى أن بلغت عشرة آلاف دولار، ولم يتمكن من سدادها إلاَّ بعد حصوله على جائزة العويس (مائة ألف دولار) التي وزع قرابة النصف منها على أصدقائه الذين رأى أحقيتهم بمساعدته.
وعلى ذكر الطباعة في بيروت هناك موقف لا يخلو من الرد السريع اللاذع، جمعه بالشاعر العربي الكبير ورائع الحداثة الشعرية علي أحمد سعيد الشهير بـ”أدونيس” ومن قبلها بـ”مهيار الدمشقي”.
جزماً من الشعر
في الزيارة الأولى لأدونيس إلى صنعاء، زار الأستاذ البردوني إلى منزله وفي سياق الحديث بينهما قال أدونيس: إنه تفاجأ مرتين، الأولى عندما زار المطبعة ووجد ديواناً شعرياً للبردوني تحت الطبع، وعندما تصفحه انبهر وأعجب به أيَّما إعجاب.. مما جعله يطلب من إدارة المطبعة أن يقوم هو بتصحيح ذلك الديوان، وأنه قبل هذه المصادفة كان لا يعرف عن البردوني.
أما المفاجأة الثانية: فلأنه يوجد في اليمن شاعر بحجم البردوني، ولعل الأستاذ البردوني لم يعجبه ما قاله أدونيس واعتبره من باب التقصير أو التجاهل، وانتقاصاً في حق اليمن وعليه لم يشكره على تطوعه بتصحيح الديوان بل قال له: ولهذا كثرت الأخطاء في طباعة الديوان، وقبل أن تنتهي ضحكة البردوني المجلجلة أردف قائلاً: ومع هذا هناك حالات تحدث فيها أخطاء مطبعية فتكون أحسن من الصواب، أو مما كان مكتوباً، واستشهد على ذلك بقوله: كتبت ذات مرة عن شاعر حداثي ومما قلته أن مجموعته قد اشتملت حزماً من الشعر الجديد، فأخطاء الطباع ووضع نقطة تحت حرف الحاء، فصارت جِزماً من الشعر الحديث.. واستمر في ضحكه الدال على الدعابة الطاهرية، إلا أن في باطنه الأمر ما في باطنه، والرد السريع الأكثر من لاذع.
كثيرة هي نوادر وتعليقات البردوني مع الشعراء حتى أنا لم أنج من ذلك، فقد استوقفتني دعابته وأنا أقرأ مقدمته لديواني الأول (اعترافات عاشق) عندما أشار إلى قصيدة (إلى فاتنة) ووقف عند البيت القائل:
تمشي في الشارع يا حلوة
وذاك مصروع وهذا مصابْ
وقال: “من هذه يا عبايس” أتعزيةٌ حلوةٌ، أم قاذفة قنابل تقتل وتجرح؟!”.
ضحكت لهذا التعليق وتركته ولم أحذفه من المقدمة..
“يتبع”