“خطة الرباعية”.. متغير فرضه التقدم اليمني سياسياً وعسكرياً

قراءة أولية وسريعة لتصريحات الجبير – كيري:

تقرير/ جمال الظاهري

جاء اجتماع “الرباعية” في جدة تحت وقع هزائم وانتكاسات كبيرة تلقتها السعودية وحلفاؤها على أيدي الجيش اليمني واللجان الشعبية, وانتصارات أخرى على مستوى الجبهة السياسية الوطنية ترجمت بالاتفاق السياسي بين المؤتمر الشعبي وأنصار الله وحلفائهما, ما أربك تحالف العدوان وقذف بحساباتها وذرائعها خارج المعادلة والحسابات القانونية والسياسية وفي مقدمتها الشرعية المزعومة خاصة بعد استئناف مجلس النواب اليمني جلساته ومباركته اتفاق القوى السياسية ومنحه الثقة للمجلس السياسي الأعلى لإدارة البلاد طبقا للدستور.
من هذا المنطلق يبرز أن التطورات الأخيرة في الساحة اليمنية العسكرية والسياسية كانت فعالة وأتت بأكلها, وأن اجتماع “الرباعية” في جدة جاء نتيجة لهذه التطورات ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تجنباً لما هو أسوأ, خاصة بعد فشل كل محاولات تحالف العدوان ورهاناتهم في شق الصف وإحداث شرخ بين الكيانات اليمنية المناهضة للعدوان المدعوم عربياً ودولياً على اليمن.
وقبل اجتماع الرباعية كانت العودة المفاجأة للمبعوث الأممي إلى سلطنة عمان وطلب الالتقاء بأعضاء الوفد الوطني العالق في مسقط بغية التهرب من الاستحقاقات الجديدة التي فاجأت الجميع وفي مقدمتهم الهيئة الأممية التي كان دورها ضعيفاً وغير حيادي، بل وجعلت من دمار اليمن بوابة لابتزاز الأنظمة الخليجية التي استفادت هي الأخرى من الأمر وحصلت على قرارات تدين الأطراف المدافعة عن سيادة وشعب اليمن، وأجهضت العديد من مشاريع الإدانة لما ترتكبه دول التحالف العدواني كان آخرها إخراج السعودية وتحالفها من القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الاطفال وقاتليهم عالمياً.
وزير الخارجية الأمريكي وفي مؤتمر صحافي عقد مساء الخميس الفائت أجتهد في إرسال إشارات التطمين للخليجيين إلا أن ذلك لم يشفع له ولم يقنع ساسة الخليج كما عبرت عنه الردود والتعليقات والتحليلات التي عبر عنها اعلاميو ومحللو الخليج.
كيري قال إن” الأزمة في اليمن أخذت أكثر من وقتها, ولا يوجد حل عسكري في اليمن, والوضع الإنساني صار خطيراً  و(الأزمة) في اليمن تهدد الأمن في المنطقة كلامه هذا موجه لدول التحالف وبخاصة المملكة العربية السعودية, ويؤكد ذلك ربط كيري  , ما وصفه “انهاء الحرب”بمأساة “احترام” سيادة الملكة العربية السعودية”.
وفي معرض رده على أسئلة الصحفيين قال كيري: أن ” اجتماع جدة ” جاء بعد لقاءات متكررة لمناقشة الحل في اليمن”.. مشيراً إلى أن” ما يحدث في اليمن يتسق مع ما تمر به المنطقة” في إشارة إلى ترابط المسارات بين كافة الصراعات التي تمر بها المنطقة العربية, ما يعني أن اليمن لن تظل وحيدة في صراعها مع السعودية وأن هناك أطرافاً دولية قد تجد نفسها مضطرة لتحديد موقفها مما يتعرض له اليمن من حصار وحرب عدوانية ترتكب فيها جرائم وحشية تتم تغطيتها بالمال عبر شراء الصمت والموقف الدولي, الأمر الذي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.
تطورات الموقف الأمريكي وتخفيف اللهجة السعودية في ما يخص الشأن اليمني كان حاضراً ولافتاً, فحين يقول وزير الخارجية الأمريكي: يجب أن يشارك الحوثيون في السلطة في مؤتمر دعت إليه دولة تشن حرباً شاملة من أهدافها الرئيسية القضاء على هذا الطرف الذي تسميه  “المتمردين على الشرعية” وتصفهم بأنهم “مجموعة قليلة تنفذ المخطط التوسعي الإيراني في المنطقة” – وبعض هذا التوصيف جاء على لسان وزير الخارجية السعودي في نفس المؤتمر الصحفي, ومن ثم يقر بواقع جديد ملخصه أن الحوثيين واقعياً طرف رئيسي لا يمكن تجاهله في أي حل، فإن ذلك يعد انتكاسة وفشلاً لحملة بلاده العسكرية ونجاحاً كبيراً للأطراف التي وقفت في وجه العدوان البربري وغير المبرر على شعب ووطن انتهكت سيادته ودمرت مؤسساته وقتلت أبناءه تحت مبررات لا أساس لها وحجج باطلة, مررت عربياً ودولياً بالأموال الخليجية المدنسة، وإقراراً باستحالة الحسم العسكري, وأنهم ما استدعوا الأمريكان والبريطانيين إلا ليبحثوا لهم عن حل يخرجهم من الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيه.
تطور آخر يمكن ملاحظته في الموقف السعودي الأمريكي لا يقل أهمية عن ما ذكرنا سابقاً, تمثل في عدم دعوة هادي (الشرعية  المزعومة التي شنت من أجلها الحرب) وحكومته للمشاركة في هذا الاجتماع, وعدم ذكرهم لا من قريب ولا من بعيد في سياق ما أفصحوا عنه من خطة جديدة للحل في اليمن (الخطة المكثفة), ما يعني أن رهانهم على ذريعة الشرعية والقرارات الدولية صار من الماضي وأن الواقع الجديد قد فرض نفسه, سواءً اعترفوا بذلك أو تجاهلوه فإنهم في نهاية المطاف سيقرون به مكرهين.
ما كشفت من خطوط عريضة للخطة التي يطرحها الأمريكان والبريطانيون والخليجيون، تدلل وتشير إلى أسباب ودواعي هذا الاجتماع في هذا التوقيت وبهذه السرعة، ظهر ذلك في تركيزها على “ضرورة ضمان وسلامة الأراضي السعودية, وابتعاد الجيش واللجان الشعبية اليمنية عن الحدود السعودية” حيث كانت الهواجس السعودية بمثابة النقطة المحورية التي ركزت عليها الخطة, وتأتي التفاصيل التي أعلن عنها فيما يخص السلاح اليمني في المرتبة الثانية وبالأخص منه الصواريخ البالستية، حيث كشف وزير الخارجية الأمريكي عن أن الخطة تتضمن وجوب تسليم الأسلحة البالستية (الصواريخ) إلى طرف ثالث لم تسمه, ووجوب إزالة خطر التواجد العسكري والأسلحة التي تتهدد الممرات المائية”.
الحديث عن هذه الصواريخ وإن ظهر للبعض انه معطىً جديد إلا أن المجاهرة به والتسمية في هذا الوقت بالتحديد إنما هو تكرار لما كان يتداول وراء الكواليس ولابد وأنه طرح في إطار المفاوضات في ظل اتفاق على عدم كشفه لوسائل الإعلام كأحد أهم الأمور التي تهم السعودية التي تساندها الولايات المتحدة التي أضافت إليه مؤخراً “الصواريخ البحرية” التي لابد وأنها قد أزعجت الأمريكان بعد أن سجلت حضوراً قويا في المعركة البحرية التي أغرقت ودمرت خلالها عدد من القطع البحرية السعودية والإماراتية المتطورة.
ومن اجل إضفاء المسحة الإنسانية كتغطية على الأسباب الحقيقية لم يغفل كيري ربط الخطة المطروحة بالشأن الإنساني وذلك بقوله “إن العمل الذي يجب أن نقوم به هو إعادة أعمار اليمن وإنهاء ما سماه بـ (الأزمة اليمنية) خصوصاً مع ارتفاع حالات الفقر والنزوح والوصول إلى المجاعة وسوء التغذية”.. مذكرا بأن ” 80% من اليمنيين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة”.
كيري تحدث في المؤتمر الصحافي بالنيابة عن حكومات الخليج, وقال ” إن دول الخليج تدعم مقاربة مكثفة للعمل على الجانب السياسي والعسكري والأمني في وقت واحد (مسارين متوازيين) هذا الأمر كان السبب الرئيسي الذي أفشل (الكويت2), بسبب اشتراطات وفد الرياض, كما ذكر بعض التفاصيل منها تشكيل حكومة من جميع الأطراف ثم الانسحاب من صنعاء والمدن الأخرى وتسليم الأسلحة الثقيلة إلى طرف ثالث, في حين كانت الاشتراطات سابقاً تقدم تسليم السلاح والانسحاب ومن ثم الدخول في الترتيبات السياسية.
هذا التبدل يعني الكثير ومن ذلك أنه ولأول مرة تتراجع السعودية ومن معها عن مواقف واشتراطات سبق وأعلنوا عنها ولو على لسان وفد هادي الذي يعرف الجميع أنهم مجرد أدوات بيد أنظمة الخليج السعودية والإمارات تحديداً, وإعلانهم اليوم بقبول التسوية الشاملة دليل صريح واعتراف مباشر بأنهم من كانوا يتحكمون ويسيرون الوفد المفاوض باسم هادي وحكومته.
النتيجة الأبرز في ما خلصت إليه الرؤية الأمريكية وأقنعت به السعودية يمكن تلخيصها بالآتي:
– النظام السعودي صار جاهزاً ومستعداً للإصغاء ولدفع ثمن تجاهله للنصائح التي كانت تحذره من الغرق في المستنقع اليمني, تجنباً للعاقبة الأسوأ التي تتهدد أسرة آل سعود ومعها بقية الأسر الحاكمة في الخليج التي شاركت في العدوان.
– صحيح أن عبء الأنظمة الاستبدادية الخليجية وما تتحمله الإدارة الأمريكية من تبعات مساندتهم والتغطية على حماقاتهم يلحق الأذى بصورة أمريكا على المستوى العالمي, ولكن المكاسب التي تجنيها من بيع المواقف والأسلحة مبالغ مهولة, هذان هما كفتا الميزان اللتان تحدادن أولويات البيت الأبيض وراسم السياسة الأمريكية ومعها مواقف الأنظمة الرأسمالية الغربية المؤثرة.
– المجتمع الدولي وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا سيغير من تعاطيه مع الأزمة اليمنية بعيداً عن “الشرعية” وعن القرارات الدولية التي زادت الطين بلة, مقدماً الحوار والمفاوضات اليمنية السعودية على التفاوض بين الأطراف اليمنية التي ثبت أن فريق الرياض لا يملك ما يمكنه تقديمه وأن حجمه في الواقع اليمني لا يكاد يذكر, ناهيك عن تورطه في جرائم العدوان في حق الشعب اليمني الذي قد يلاحق رموزه ومن معهم قضائياً أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
Aldahry1@hotmail.com

قد يعجبك ايضا