العلاقات الإسرائيلية السعودية نحو تطبيع رسمي؟
مسؤول إسرائيلي: التسوية مع الفلسطينيين ليست شرطا للتطبيع مع الدول العربية
سايمون هندرسون*
* زار إسرائيل الأسبوع الماضي على رأس وفد سعودي، اللواء السابق في الاستخبارات السعودية أنور ماجد عشقي، وقابل مختلف المسؤولين وصرح للإعلام حول القضية الفلسطينية وغيرها من الموضوعات. الزيارة غير المتوقعة وغير عادية لكنها غير مستغربة؛ فقد كشف اللواء عن اتصالاته مع إسرائيل من يونيو 2015م عندما كان في واشنطن إلى جانب مندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، دوري جولد، الذي يُعد من المقربين من بنيامين نتنياهو، والذي كان على أعتاب التعيين بمنصب مدير عام الخارجية الإسرائيلية، وهو المنصب الثاني من حيث الترتيب بعد الوزير، وخلال ذلك الوقت صرح الرجلان أنهما عقدا سلسلة من اللقاءات السابقة، وذلك على خلفية من دلالات سابقة تشير إلى تخوف مشترك من السعودية وإسرائيل وقتها حيال الاتفاق النووي الذي كان على وشك توقيعه بين إيران ومجموعة دول خمسة زائد واحد.
وعلى الرغم من أن الزيارة الأخيرة ربما لم تكن أول رحلة يقوم بها عشقي لإسرائيل، إلا أن عدداً من الأكاديميين السعوديين ورجال الأعمال قد رافقوه هذه المرة، وفقاً لبعض التقارير. وعلى الرغم من غياب الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بين البلدين، كان يتوجب على جميع هؤلاء المرافقين الحصول على إعفاء خاص من الحكومة السعودية للقيام بالرحلة. والصور الوحيدة التي نُشرت حتى الآن تُظهر اللواء عشقي يقف مع أعضاء الكنيست الإسرائيلي ومسؤولين فلسطينيين. كما التقى عشقي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال رحلة جانبية قام بها في وقت سابق إلى رام الله. وفي مقابلة مع “إذاعة الجيش الإسرائيلي”، قال عشقي، “لن يكون هناك سلام مع الدول العربية قبل قيام سلام مع الفلسطينيين … إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ليس مصدر الإرهاب، ولكنه يخلق أرضية خصبة لأعمال الإرهاب في المنطقة، وإذا تم حل الصراع، فإن الدول التي تستغل القضية الفلسطينية، وهي إيران، لن تكون قادرة بعد الآن على الاستفادة منها”.
وقد التقى عشقي مرة أخرى أيضاً مع جولد، وإن كان ذلك في فندق وليس في وزارة الخارجية. وتشير المركزية المستمرة التي اكتسبها جولد في التعامل مع السعوديين إلى أن هناك ديناميات أخرى (وربما توترات) فاعلة بينهم، فمنذ أن أصبح المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ركز جولد على زيادة عدد الدول المستعدة للاعتراف بإسرائيل وتطوير العلاقات القائمة بالفعل – وكان هذا سبب قيام نتنياهو بزيارته الأخيرة إلى أفريقيا، التي شملت كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا. وفي الأسبوع الماضي، استأنفت غينيا بعد انقطاع دام تسعة وأربعين عاماً – وغينيا هي بلد ذو غالبية مسلمة يقع في غرب أفريقيا. وبالمثل، ما لبث جولد يعمل على إقامة روابط مع العالم العربي. وعلى الرغم من أنه أشار في كلمة ألقاها في مدينة هرتسليا الإسرائيلية الشهر الماضي إلى أن علاقات إسرائيل الناشئة يجب أن تبقى سرية من أجل احترام “حساسيات” الجمهور العربي، إلا أنه أشار أيضاً ما يلي: “قبل ثلاثين عاماً قال الجميع أوجدوا حلاً للقضية الفلسطينية وعندئذ ستجدون السلام مع العالم العربي،غير أن قناعتنا تزداد بأن الأمر على عكس ذلك تماماً؛ فهي ذات طابع مختلف وعلينا خلقها، وهذا ما نحن بصدد القيام به”. ثم تحدث عن محادثاته الأخيرة مع دبلوماسي عربي رفيع لم يذكر اسمه ونقل عنه قوله بأن القضية الفلسطينية “كانت قريبة جداً من قاع أولويات الإسرائيلية. وهو ما يتسق مع ما تركه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من انطباع مماثل عندما زار واشنطن في يونيو الماضي.
على الناحية المقابلة، يبدو أن عشقي تمسك بسيناريو ضيق خلال رحلته بترويجه لـ “مبادرة السلام العربية” – وهي الاقتراح الذي قادته السعودية عام 2002موالذي طرح إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الرياض وستة وخمسين دولة عربية وإسلامية أخرى بمجرد توصل إسرائيل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وبينما يكون ذلك مستبعداً على ما يبدو في الوقت الراهن، يعتبر بعض الدبلوماسيين أن المبادرة ذات قيمة معينة، وفي حين قال نتنياهو في مقابلة في عام 2014 م أنه تم عرض الاقتراح في وقت مختلف جداً في منطقة الشرق الأوسط ولم يعد له أهمية، إلا أنه قال الشهر الماضي أنه إذا تم مراجعته “فعندئذ بإمكاننا أن نتباحث.”
والسؤال هنا: ما الذي سيحدث الآن؟ فالشخصية السعودية الرئيسية في العملية البطيئة المتمثلة في الاعتراف علناً بإسرائيل كان رئيس المخابرات السابق والسفير السابق الأمير تركي الفيصل، وهو شخصية أرفع مستوى من عشقي، ولكنه لا يتولى حالياً أيضاً أي مسئولية رسمية، وحتى الآن تصافح تركي هذا العام مع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشى يعلون، وشارك في مناقشة مع مستشار نتنياهو السابق لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل سيلتقي علناً مع جولد، الذي أصدر ذات يوم كتاب بعنوان “كراهية المملكة: كيف تدعم المملكة العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد؟” وهل يمكن عقد مثل هذا الاجتماع في إسرائيل؟ بالإضافة إلى ذلك، في أعقاب الملاحظة التي أدلى بها نتنياهو مؤخراً حول إعادة النظر في “مبادرة السلام العربية”، تساءل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، “لماذا يجب علينا تغييرها؟ أعتقد أن الحجة القائلة بأنه يجب تخفيف “مبادرة السلام العربية” من أجل الوفاء بمتطلبات الإسرائيليين ليست بالمنهجية الصحيحة”. وقد تتوقف الخطوة التالية تماماً على رد الفعل العربي العام تجاه زيارة عشقي (أو انعدام هذا الرد). وقد كانت الاستجابة حتى الآن غير مبالية إلى حد كبير، على الرغم من أنه قد يكون من السابق لأوانه الحكم على ذلك.
* مسؤول برنامج الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
نقلا عن موقع البديل المصري